تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَـٔٗا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ} (31)

وقوله تعالى : ( فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ ) أي بقولهن . المكر هو الأخذ في حال الأمن ، وهو الخيانة في ما أؤتمن ، واستكتم . فهذه كأنها استكتمت سرها وحبها ليوسف عن الناس ، وأفشت ذلك النسوة في المدينة على أن يستكتمن عن الناس ، فأفشين عليها ذلك ، فذلك المكر الذي سمعت ، والله أعلم .

إلى هذا ذهب بعض أهل التأويل وأمكن أن تكون المرأة لم تفش سرها إليهن ، لكن بعض خدمها التي[ في الأصل وم : الذي ] اطلعت على ذلك هي التي أفشت إليهن ، فلما سمعت ذلك منهن ( أرسلت إليهن ) إما تنويشا ودعاء للضيافة وإما استزادة يزدنها .

وأما قول أهل التأويل : إن النسوة كانت امٍرأة الخباز والساقي ، ولا [ ندري ممن ][ في الأصل وم : أدري من ماذا ] فذلك لا نعلمه ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة .

وقوله تعالى : ( وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً ) قال الحسن : متكأ : طعاما وشرابا وتكأة . وقال بعضهم : الأترج ، والترنج ، وقال بعضهم : متكأ : وسائد وما يتكأ عليه .

وقال أبو عوسجة : مِتْكاء ممدودا ، يعني هيأت للمجلس ما يتكأ عليه . ومن قرأ متكي[ انظر معجم القراءات القرآنيةج3/165 ] [ مقصورا فهو ][ في الأصل وم : مقصور هو ] الأترج ، وطعام على ما قال الحسن . وكذلك قال القتبي : قال : ويقال : الزماورد .

وقوله تعالى : ( وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً ) أي أعطت كل واحدة منهن سكينا ، ظاهر ( وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ ) ههنا كلام : أن كيف أطاع يوسف بالخروج على النساء بقولها إليه[ في الأصل وم : إياه ] : ( أخرج عليهن ) ؟ فذلك مما لا يحل . لكنه يخرج على وجوه :

أحدها : أنه إنما يكره الدخول عليهن والخلوة بهن . وأما الخروج عليهن فليس بمكروه ؛ إذ فيه الخروج [ من عندهن ][ في الأصل وم : منهن ] لأنه إذا خرج عليهن كان يقدر أن يخرج [ من عندهن ][ في الأصل وم : منهن ] . فكأنه لما[ أدرج قبلها في الأصل وم : أما الخروج ] أذنت له بالخروج عليهن خرج رغبة أن يخرج من عندهن إذ لم يقدر أن يخرج من البيت عليهن بغير إذن منها .

[ والثاني : الأمر ][ في الأصل وم : فالأمر ] بالخروج عليهن أفاد له إذنا بالخروج من البيت إذ لا سبيل له بالخروج منه بلا إذن له منها ، فخرج عليهن ثمة من عندهن إلى غيره من المكان وذلك مما لا يكره إذا كان لا سبيل إلى سواه .

[ والثالث : يشبه ][ في الأصل وم : يشبه ] أن يكون منها الأمر بالخروج حسدا إذا خرج ، ولم تقل عليهن ، ولم تعلم يوسف أنها تأمره بالخروج على النساء فخرج . لكن الله عز وجل أخبر عن مقصودها ، وكان مقصودها من الأمر بالخروج خروجا عليهن ، فأخبر عن مقصودها بقوله : ( وقالت أخرج عليهن ) ومثل هذا قد يكون في الكلام .

[ والرابع : جائز ][ في الأصل وم : وجائز ] أن يكون قوله : ( اخرج عليهن ) أي عنهن ، وذلك جائز في اللغة : على ما كان عن كقوله ( إذا اكتالوا على الناس )[ المطففين : 2 ] أي عن الناس ، وأمثاله كثير .

وفي هذه الآية دلالة أن مشتري يوسف [ كان يمنع يوسف ][ من م ، ساقطة من الأصل ] عن أن يخرج إلى البلد والسوق ومن أن يخالطه الناس إما إشفاقا على نفسه ، أو لئلا تفتن به النساء ، أو ليطلع على نفس يعقوب لما وقع عنده أنه مسروق . فكيف ما كان ففيه أن على المرء أن يحفظ ولده ، أو عبده إشفاقا عليه .

وقوله تعالى : ( فلما رأينه أكبرنه ) أي أكبرنه ، وأعظمنه ، من حسنه أن يكون مثل هذا بشرا .

ألا ترى أنهن قلن : ( مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ) و( وقطعن أيديهن ) ؟ قيل : حززن[ في الأصل وم : حزا ] حزا بالسكين .

وقوله تعالى : ( حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ) ( حاش لله ) قال أهل التأويل : أي معاذ الله . وقال بعضهم : ( حاشا لله ) كلمة تنزيه من القبح .

ودل هذا القول منهن ، أنهن كن يؤمن بالله حين[ في الأصل وم : حيث ] قلن ( حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ) .

[ ودل قولهن ][ في الأصل وم : قوله ] : ( ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ) [ أن الملك كان ، وإن لم يروه ، حسنا ][ في الأصل وم : كان الملك وإن لم يروه حسن ] عندهم ، وينسبون[ الواو ساقطة من الأصل وم ] وينسبون كل حسن إلى الملائكة ، والشيطان لعنه الله قبيح ، فنسبوا كل قبيح إليه .

وقوله[ الواو ساقطة من الأصل وم ] تعالى : ( بشرا ) قرأ بعضهم بِشْرىً[ انظر معجم القراءات القرآنية ج3/168 ] بالتنوين أي ما هذا بمشترى .