وقوله تعالى : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما أطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } اختلف في تأويله قيل : إنهم كانوا يخافون من أموال اليتامى ويتحرجون منها لكثرة ما جاء من الوعيد فيها فنزل هذا : وإن خفتم } وتحرجتهم من أموال اليتامى فكذا فتخرجوا من الزنى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } الآية .
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( نزلت في يتامى من يتامى النساء كن عند الرجال فتكون اليتيمة الشوهاء عند الرجل وهي ذات مال فلا ينكحها لشوهتها ضنا بمالها ، لتموت ، فيرثها ، وإن نكحها أمسكها على غير عدل منه في أداء حقها إليها ، والأولى لها سواه يطالبه بحقها ، فأنزل الله تعالى : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } الآية ) وروي عنها أيضا أنها سئلت عن هذه الآية فقالت : { نزلت في اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها وينفر من صداقها فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا في إكمال الصداق ، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء ) قالت عائشة رضي الله عنها : ( واستفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد لك فأنزل الله تعالى : { ويستفتونك في النساء } إلى قوله : { وترغبون أن تنكحوهن } ( النساء 127 ) فأنزل الله تعالى لهم في هذه الآية أن اليتيمة إذ كانت ذات جمال ومال رغبوا فيها في نكاحها وأمسكوا{[4795]} في إكمال الصداق وإذا كانت مرغوبا عنها لشوهتها وقلة مالها تركوها وأخذوا غيرها من النساء ) قالت : ( فكما يتركونها حتى يرغبوا عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفر من الصداق ) .
وقيل : لما أنزل الله تعالى : { وإن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } الآية ( النساء 10 ) ترك المؤمنون مخالطة اليتامى وتنزهوا عنها فشق ذلك عليهم فاستفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مخالطتهم ( وقال : " يكون ) {[4796]} عند الرجل عدد من النساء ثم لا يعدل بينهن " ( بمعناه الطبري في تفسيره 2 : 234 ) فأنزل الله تعالى : { فإن خفتم ألا تعدلوا } الجور في مخالطة اليتامى فكذلك خافوا جمع النساء وترك التسوية بينهن في النفقة والجماع .
ثم من الناس من يبيح نكاح التسع بقوله تعالى : { مثنى وثلاث ور باع } فكذلك تسعة وأما عندنا فإنه لا يحتمل ذلك ( لوجهين :
أحدهما ){[4797]} لأن معنى قوله تعالى : { مثنى وثلاث ورباع } مثنى أو ثلاث أو رباع ، لأنه قال : { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } استثنى الواحدة إذا خاف ألا يعدل بينهن فلو كان ما ذكر لكان لا معنى لاستثناء واحدة منهن ، ولكن يقول : { فإذا خفتم ألا تعدلوا } بين التسع ( فثماني أو سبعا أو ستا ) {[4798]} فلما لم يستثن إلا واحدة دل أن التأويل ما ذكرنا مثنى أو ثلاث أو رباع على الانفراد .
والثاني : ما ذكر في القصة أنه كان عند الرجل عدد من النساء عشرا وأكثر أو أقل فخرج ذلك على بيان ما يحل من العدد وذلك أربعة .
وروي أن رجلا أسلم وتحته ثماني نسوة فأسلمن ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اختر منهن أربعا وفارق البواقي " ( أبو داوود 2241 ) والخبر في بيان منتهى ما يحل من العدد دون وجه الحل فاحتمل أن يختار أربعا على استقبال النكاح .
وقوله تعالى : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى } الآية قيل فيه بوجوه :
أحدهما : أنه قال : إذا خفتم الجور في كفالة اليتامى فاتقيتموه فخافوا في كفالة النساء فلا تكثروا منهن .
والثاني : أنكم{[4799]} إذا خفتم في أموال اليتامى فتحرجتم ضم أموالكم إليكم إشفاقا على أنفسكم أن تأكلوا منها فخافوا النساء مواقعتهن من وجه يحرم عليكم ، فانكحوهن .
والثالث : أنكم{[4800]} خفتم في يتامى النساء لو تزوجتموهن من حيث ليس معهن من يمنعكم من ظلمهن فانكحوهن من غيرهن في ما{[4801]} إذا جرتم منعتم من ذلك .
لكنه معلوم أن الحد في عدد النساء لخوف الجور ، وبما علم الله من عجز البشر على ما جبل عليه أخبر أنه لا يقوم بوفاء الحق في أكثر مما ذكر .
وقوله تعالى : { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } ليس على الحكم والحتم ، { ولكنه على الأدب ) {[4802]} ، لأنه ، وإن خاف ألا يعدل فتزوج أربعا ، جار وهو مثل الذي نهى في المراجعة وأمر بالقصد فيها والعدل ، فإن فعل ذلك أثم ورجعته صحيحه ، وكذلك الأمر بالطلاق في العدة والنهي في غير العدة ، ثم إذا أطلق في غير العدة وقع ، فكذلك الأول .
وقوله تعالى : { فإن خفتم ألا تعدلوا } في القسم والجماع والنفقة { فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } إن خفتم ألا تعدلوا فواحدة لأنه ليس للإماء قبل سادتهن حق الجماع والقسم ؛ ينكح ما شاء كأنه قال هذا لما ليس لأكثر من غاية ، فله أن يجمع ما شاء من الإماء في ملكه ، وليس له أن يجمع بالنكاح أكثر من أربع . ولو كان التأويل ما ذهب إليه لم يكن لقوله { أو ما ملكت أيمانكم } وجه ، وفيه إذن بتكثير العيال ، ( مع ما أن كثرة العيال ){[4803]} معدودة من الكرم إذا أحسن إليهم لم يحتمل أن يزهد فيه .
وقوله تعالى : { ذلك أدنى ألا تعولوا } قال بعض أهل العلم : إن قوله تعالى { ألا تعولوا } من كثرة العيال : أعال يعيل إعالة فهو معيل ، ولا يقال : عال يعول وإنما يقال ذلك في الجواز .
فإن قيل : روي في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ابدأ بمن تعول " ( البخاري 1426 ) لكن تأويله والله أعلم ابدأ بمن تلزمك نفقته أي ابدأ بمن تصير{[4804]} جائرا بترك النفقة عليه . وكذلك يقال عال يعول عولا إذ أنفق على عياله ، وليس عن كثيرة{[4805]} العيال في شيء . ألا ترى أن على الرجل أن يبدأ بمن يعول ؟ فلو كان قوله : { ذلك أدنى ألا تعولوا } من العيال لكان المتزوج واحدة ذا عيال ، وأن قول الله تعالى : { ألا تعولوا } المتزوج واحدة يعولها . فدل بما ذكرنا أن قوله { ألا تعولوا } أي لا تجوروا ولا تميلوا على ما قيل .
وعن عائشة رضي الله عنها { ألا تعولوا } ألا تميلوا ، وعن ابن عباس رضي الله عنه مثله . والعول هو المجاوزة عن الحد ، ولذلك سمي الحساب الذي ازداد على أصله عولا لمجاوزته الحد ، فعلى ذلك العول ههنا : هو المجاوزة عن الحد الذي جعل له وهو الجور .
وقوله تعالى : { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } ليس بشرط منفق العول ، ولأنه لا حاجة لمعرفته حد الخوف{[4806]} الذي يجعل شرطا للجواز ، وكل عدل يخاف أدنى خوف ، بل جميع أمور الدين هو على الخوف والرجاء ، ولأنه يوجب جهل النساء بمن يحل لهن النكاح ويحرم ، إذ لا يعرفن ذلك ؛ ومتى حرم عليه حرم عليها ، ولا يحتمل أن يجعل للحل شرطا لا يوصل إلى حقيقة ولظهور الجور في الأمة على / 78 –ب/ الإبقاء على النكاح فضلا من خوفه مع ما قوله : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا } الآية ( النساء 129 ) دلالة ظاهرة وكذلك في قوله : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } الآية ( النساء 128 ) وقوله : { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله } ( البقرة 229 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.