تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة النساء

بسم الله الرحمن الرحيم

( وبه نستعين ) {[1]}

الآية 1 قوله تعالى : { يا أيها الناس اتقوا ربكم } في ما كان الخطاب للكفرة ذكر الله سبحانه وتعالى على إثره حجج وحدانيته ودلائل ربوبيته لأنهم لم يعرفوا ربهم من نحو ما ذكر { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة } الآية وكقوله عز وجل : { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم } الآية ( البقرة 21 ) وكقوله عز وجل : { يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا } ( فاطر 5 ) وغيره كثير ذكر الحجج والدلائل التي بها يوصل إلى معرفة الصانع وتوحيده ليتفكروا فيعرفوا بها خالقهم وإلههم .

وفي كل ما كان الخطاب للمؤمنين لم يذكر حجج الوحدانية ولا دائل الربوبية لأنهم قد عرفوا ربهم قبل الخطاب ولكن ذكر على إثره نعمه التي أنعمها عليهم وثوابه ( الذي ){[4774]} وعد لهم نحو قوله : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { واعتصموا بحبل الله جميعا } ( آل عمران 102- 103 ) إلى آخر ما ذكر نعمه التي أنعمها عليهم ، وكقوله { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم } ( الحديد 28 ) إلى ( آخر ) {[4775]} ما ذكر . على هذا يخرج الخطاب في الأغلب .

وقوله تعالى : { اتقوا ربكم } قيل : { اتقوا } عذابه ونقمته وقيل : { اتقوا } عصيانه في أمره ونهيه وقيل : { اتقوا } الله بحقه في أمره ونهيه .

وقوله تعالى : { الذي خلقكم من نفس واحدة } أضاف خلقنا إلى آدم إذ الإنسان من النطفة قال : دلت إضافة خلقنا من آدم ، وإن لم تكن أنفسنا مستخرجة منه ، على أمرين :

أحدهما : جواز إضافة الشيء إلى الأصل الذي إليه المرجع وإن بعد ذلك عن الراجع إليه على التوالد والتتابع .

والثاني : أنا لم نكن بأبداننا فيه وإن أضيف خلقنا إليه ، إذ لو كنا فيه لكنا منه بحق الإخراج لا بحق الخلق منه ، وذلك يبطل قول من يجعل صورة الإنسان من النطفة ( مع الإحالة أن يكون مضافا إلى{[4776]} التراب أو النطفة ) {[4777]} ، إذ هما من الموات{[4778]} الخارج من احتمال الدرك ونحن أحياء{[4779]} دراكون ، والله أعلم .

( وقوله تعالى : { وبث منهما رجالا كثيرا ونساء } أي فرق ونشر وأظهر منهما أولادا كثيرا ذكورا وإناثا ) {[4780]} .

وقوله تعالى : { واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } قوله : { تساءلون } أي اتقوا الله الذي تساءلون بعضكم من بعض بالرحم يقول الرجل لآخر : أسألك بالرحم والقرابة أن تعطيني .

وقوله تعالى : { والأرحام } روي عن ابن عباس رضي الله عنه يقول : { واتقوا الله الذي تساءلون به } واتقوا في الأرحام وصلوها ) وقرئ بالنصب والخفض{[4781]} : { والأرحام } فمن قرأ بالنصب فيقول : { اتقوا الله } فلا تعصوه واتقوا الأرحام فلا تقطعوها ومن قرأ بالخفض فيقول : { واتقوا الله الذي تساء لون به } والأرحام وروي في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اتقوا الله وصلوا الأرحام فإنه أتقى لكم في الدنيا وخير لكم في الآخرة " ( ابن جرير الطبري في تفسيره : 4/ 227 ) والآية في الظاهر على العظة والتنبيه وكذلك قوله : { إن الله كان عليكم رقيبا } هو على التنبيه والإيعاظ .


[1]:- في ط ع: سمح.
[4774]:من م.
[4775]:ساقطة من الأصل و م.
[4776]:في م: في.
[4777]:من م ساقطة من الأصل..
[4778]:في م: الموت
[4779]:من في الأصل أحيانا
[4780]:من م ساقطة من الأصل.
[4781]:قرأ حمزة والأرحام خفضا وقرأ الباقون {والأرحام} نصبا انظر حجة القراءات 188 والمحتسب 1/ 179.