تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالَ لَا تَخۡتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدۡ قَدَّمۡتُ إِلَيۡكُم بِٱلۡوَعِيدِ} (28)

الآية 28 وقوله تعالى : { قال لا تختصموا لديّ } خصومتهم ما ذكر ما قالت الأتباع : ربنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابا ضعفا من النار } [ الأعراف : 38 ] وما ذكر من لعن بعضهم على بعض ومن تبرّي بعضهم من بعض . فقال الله عز وجل : { لا تختصموا لديّ وقد قدّمت إليكم بالوعيد } أي قدّمت إليكم من الوعيد في الدنيا ، فما انقطعت خصوماتكم هذه ، أي بيّنتُ في الدنيا ما يلحق بمن ضل بنفسه ومن ضل بغيره .

كان هؤلاء الكفرة يطلبون وجه الاعتذار بما لا عُذر لهم . فلذلك يقول{[19798]} لهم : { لا تختصموا لديّ وقد قدّمت إليكم بالوعيد } أي أرسلت إليكم الرسل ، معهم الكتب ، وفيها الوعيد . فلم تقبلوا ذلك كله . فإن قيل : قال ههنا : { لا تختصموا لديّ } وقال في موضع آخر : { ثم إنكم يوم القيامة /527-ب/ عند ربكم تختصمون } [ الزمر : 31 ] وبين الآيتين مخالفة من حيث الظاهر . فما وجه التوفيق بينهما ؟ قيل : من وجوه ثلاثة :

أحدها : ما قال بعضهم : قوله : { لا تختصموا لديّ } في أهل الكفر خاصة ، وقوله : { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } في أهل القِبلة ، وهو في المظالم التي كانت بينهم في الدنيا .

والثاني : ما قال بعضهم : إن إحدى الآيتين في موضع ، فيُؤذَن لهم بالكلام فيه حتى يكون جميعا بين الآيتين ، وهو كقوله تعالى : { فيومئذ لا يُسأل عن ذنبه إنس ولا جان } [ الرحمن : 39 ] وقال في آية أخرى : { ولا يتساءلون } [ المؤمنون : 101 ] وقال في آية أخرى : { في جنات يتساءلون } { عن المجرمين } { ما سلككُم في سَقَر } [ المدثر : 30 و31 و32 ] فعلى ذلك هذا .

والثالث : جائز أن يكون قوله تعالى : { لا تختصموا لديّ } في الدين : ي ما بينهم وبين ربهم [ في ]{[19799]} دفع عذاب الله عن أنفسهم ، وذلك لا يملكون ، ولا ينتفعون به . وأما قوله تعالى : { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } في ما بين أنفسهم في المظالم والغرامات ، والله أعلم .


[19798]:في الأصل وم: يقال.
[19799]:من م، ساقطة من الأصل.