تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞قُلۡ تَعَالَوۡاْ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَيۡكُمۡۖ أَلَّا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗاۖ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُم مِّنۡ إِمۡلَٰقٖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكُمۡ وَإِيَّاهُمۡۖ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (151)

الآية 151 وقوله تعالى : { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } يقول{[7914]} { قل تعالوا أتل } أقرأ { ما حرم ربكم } وأبين لكم ما حرم بحجة وبرهان ، وأن ما حرمتم أنتم حرمتم بهوى أنفسكم ، لا حرمتم بأمر أو حجة وبرهان .

ثم بين الذي حرم عليهم ، فقال : { ألا تشركوا به شيئا } الشرك حرام بالعقل ، ويلزم كل عقل التوحيد ومعرفة الرب لما كان منه من تركيب الصور وتقويمها بأحسن صور ، يرون ، فيعرفون{[7915]} أنه لم يصورها أحد سواه ، ولا قومها ، ولا يشركه آخر في ذلك ، وما كان منه إليكم من أنواع الإحسان والأيادي ، فكيف تشركون غيره في ألوهيته وربوبيته ؟ فذلك حرام بالعقل والسمع .

وقوله تعالى : { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا } يخرج على وجهين :

أحدهما : على الوقف والقطع على قوله { ربكم عليكم } والابتداء من قوله : { ألا تشركوا به شيئا } كأنه قال { أتل ما حرم ربكم عليكم } فقالوا : أيش الذي حرم علينا ؟ فقال : { ألا تشركوا به شيئا } .

والوجه الآخر على الوصل{[7916]} بالأول ، ولكن على طرح : لا ، فيكون كأنه قال : أتل ما حرم ربكم عليكم أن تشركوا به شيئا ، وحرف لا : قد [ يطرح ، ويزاد ]{[7917]} في الكلام .

وقوله تعالى : { وبالوالدين إحسانا } أي برا بهما . فإن قيل : قال تعالى : { أتل ما حرم ربكم عليكم } وههنا يأمر بالإحسان إليهما{[7918]} ، [ ولم يذكر المحرم ، قيل : في الأمر بالإحسان إليهما ]{[7919]} تحريم ترك الإحسان . فكأنه قال : حرم ترك الإحسان إلى الوالدين ، وفرض عليكم برهما والإحسان إليهما .

ثم فيه أنكم تعرفون بالعقل أن الإحسان إل الوالدين واجب والإساءة إليهما حرام عليكم . ولم يكن منهم إليكم من الإحسان أكثر مما كان من الله إليكم ، فكيف تختارون الإساءة إلى الله والإشراك في عبادة غيره ، ولا تختارون الإساءة إلى الوالدين ، بل تختارون الإحسان إليهم .

وقوله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } إنهم كانوا يقتلون أولادهم خشية الفقر والفاقة ، فهو مما حرم عليهم . وهذا يدل على أن الحظر في حال لا يوجب الإباحة في حال أخرى ؛ لأنه قال : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } [ الإسراء : 31 ] ليس فيه إباحة القتل إذا لم يكن هنالك خشية الإملاق . ولكن ذكر هذا لأنهم إنما كانوا يقتلون في تلك الحال . ففي ذلك خرج النهي .

وقوله تعالى : { نحن نرزقهم وإياكم } أي على ما نخرج لكم من الزرع والثمار فرزقكم من ذلك . فعلى ذلك نرزق أولادكم مما نخرج من الأرض والثمار ، فلا تقتلوهم . فإذا لم تقتلوا أنفسكم خشية الفقر والفاقة كيف تقتلون أولادكم لذلك ؟ فالذي يرزقكم هو الذي يرزق أولادكم .

وقوله تعالى : { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } يحتمل قوله : { ولا تقربوا } أي لا تواقعوها . ويحتمل لا تدنوا منها ، ولكن اجعلوا بينكم وبين الفواحش والمحرمات حجابا من الحلال . وهكذا الحق على المسلم ألا يدنو من الحرام ، ويجعل بينه وبين ذلك حجابا وسترا من الحلال .

ثم اختلف في قوله تعالى : { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } قيل : الفواحش الزنى { ما ظهر منها } المخالطة باللسان والمجالسة معهن { وما بطن } فعل الزنى نفسه ؛ كانوا يجتمعون ، ويجالسونهن ، ولكن لا يجامعونهن بين أيدي الناس . ثم إذا دخلوا بهن زنوا بهن .

وقيل : كانوا يزنون بالحرائر سرا وبالإماء{[7920]} ظاهرا ، فحرم ذلك عليهم .

وقيل : { ما ظهر منها } نكاح الأمهات { وما بطن } هو الزنى ، وكان نكاح الأمهات ، وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير رضي الله عنه .

وقيل : الفواحش المحرمات جملتها ؛ فما ظهر منها في ما بينهم وبين الخلق { وما بطن } في ما بينهم وبين الله تعالى :

وقيل : { ما ظهر منها } ما يكون بالجوارح { وما بطن } ما يكون بالقلب .

وعن مجاهد [ أنه ]{[7921]} قال : { ما ظهر منها } الجمع بين الأختين وتزوج الرجل امرأة أبيه { وما بطن } منها : الزنى وما حرم أيضا .

ويحتمل قوله تعالى : { ما ظهر منها } ما يرى غيره ، ويبصر { وما بطن } ما يكون بالعين والقلب على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( العينان تزنيان واليدان تزنيان { وما بطن } يكون زناء العين والقلب ) [ مسلم 2157/21 ] لأنه لا يعلمه{[7922]} غير الناظر ، والله أعلم ؛ يصير كأنه ذكر التحريم في كل حرف من ذلك ؛ أي حرم عليكم [ الشركة ، وحرم عليكم ]{[7923]} ترك الإحسان إلى الوالدين ، وحرم قتل الأنفس إلا بالحق ؛ فيصير كأنه ذكر التحريم في كل من ذلك .

وقوله تعالى : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } إذا ارتد يقتل به ، وفي القصاص ، وفي الزنا إذا كان محصنا .

وقوله تعالى : { ذلكم وصاكم به } ذلك ، يعني المحرمات التي ذكر { وصاكم به } اختلف فيه ؛ قيل : { وصاكم به } فرض عليكم ، وقيل : { وصاكم به } أمركم به ، وقيل : { وصاكم به } أمركم به ، وقيل : { وصاكم به } بين لكم المحرم . وكله راجع إلى واحد .

وقوله تعالى : { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون } أنه لم يحرم إلا ما ذكر ههنا{[7924]} ، ولم يحرم ما{[7925]} حرمتم أنتم من الأنعام وغيرها . يقول{[7926]} : { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون } أي لكي تنتفعوا بعقولكم ، أو يقول : إن { ذلكم وصاكم به } لتعقلوا ؛ لأن حرف : لعل من الله على الوجوب . أو{ تعقلون } عن الله بما [ خاطبكم به ، وأمركم }{[7927]} .


[7914]:- في الأصل وم: يقولون.
[7915]:- الفاء ساقطة من الأصل وم.
[7916]:- في الأصل وم: الأصل.
[7917]:- في الأصل وم: تطرح وتزاد.
[7918]:- في م: إليهم.
[7919]:- من م، ساقطة من الأصل.
[7920]:- من من في الأصل: أو بالإماء.
[7921]:- ساقطة من الأصل وم.
[7922]:- في الأصل وم: يعلم.
[7923]:- ساقطة من الأصل.
[7924]:- في الأصل وم: ها.
[7925]:- من م، في الأصل: وما.
[7926]:- في الأصل وم: و.
[7927]:- في الأصل وم: خاطبهم به وأمرهم.