تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَّا يَأۡكُلُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡخَٰطِـُٔونَ} (37)

الآية 37 وقوله تعالى { لا يأكله إلا الخاطئون } وهم الذين قال [ فيهم ]{[21962]} : { إنه كان لا يؤمن بالله العظيم } { ولا يحض على طعام المسكين }[ الآيتين 33 و 34 ] .

ثم قوله تعالى : { في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا } لا يجوز أن تكون السلسلة تفضل عن أبدانهم ، فتأخذ فضل مكان من جهنم ، لأنه تعالى وعد أن يملأ { جهنم من الجنة والناس أجمعين } [ هود : 119والسجدة 13 ] ولو كانت تلك السلسلة آخذة فضل مكان لكان لا يقع الامتلاء بالجنة والناس أجمعين فقط [ وإنما ]{[21963]} يؤدي إلى خلف الوعد ، والله عز وجل لا يخلف الميعاد .

ولكن إن كانت تلك السلسلة أطول من أبدانهم فهي تذكير لأهلها{[21964]} ليقع لهم بها فضل تضييق وغم . فأما أن تفضل عن أبدانهم ، فلا يحتمل .

وذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا فإنه أهون ، أو قال : أيسر عليكم ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وتجهزوا للعرض الأكبر يوم القيامة { يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية } [ الآية : 18 ] .

وعن الحسن أنه قال : إن المؤمن قوّام نفسه لله تعالى ، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم ، حاسبوا أنفسهم في الدنيا ، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة ، إن المؤمن يفجؤه الشيء ، فيقول : والله لأني أشتهيك ، وإنك لمن حاجتي ، ولكن والله مالي من صلة إليك ، هيهات ، حيل بيني وبينك ، ويفرط منه الشيء ، فيرجع إلى نفسه ، فيقول : ما أردت هذا ، مالي ولهذا ؟ والله لا أعود لهذا ، إن شاء الله تعالى .

إن المؤمنين قوم أوثقهم العذاب ، وحال بينهم وبين هلكتهم أن المؤمن أسير في الدنيا ، يسعى في فكاك نفسه ، لا يأمن شيئا حتى يلقى الله ، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وبصره وجوارحه كلها ، فمحاسبة النفس أن ينظر في كل فعل يريد أن يقدم عليه إلى عاقبته .

فإن كان رشدا أمضاه ، وأنقذه ، وإن كان غيا انتهى عنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أردت أمرا فتدبر عاقبته ، فإن كان رشدا فامضه وإن كان غيا فانته عنه " [ الزبيدي في الاتحاف 10/93 وعزاه لابن المبارك في الزهد ] .

وقال في خبر آخر : " إن المؤمن وقاف وزان " وزنه ما ذكر في الخبر الأول من النظر في العواقب ، فإذا نظر في العاقبة ، ورأى الرشد في إنفاذه ، فقد وزنه ، وإذا رأى خلاف الرشد انتهى عنه ، ولم يقدم عليه . فذلك وقفه . فهذا الذي ذكرنا محاسبة المرء نفسه في ما يروم من الأمور ومحاسبة نفسه في الأفعال التي ارتكبها ، وأمضاها ، أن ينظر ، فإن كان ارتكب محرما تاب عنه ، واستغفر الله تعالى ، لعله بفضله يمن عليه بالمغفرة ، وإن كان فعلا مرضيا حمد الله تعالى ، وسأله التوفيق بمثله .

فهذه هي محاسبة العبد لنفسه في ما ارتكب من الأفعال .


[21962]:ساقطة من الأصل وم
[21963]:ساقطة من الأصل وم.
[21964]:في الأصل وم: على أهلها