النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا قَرۡيَةٗ كَانَتۡ ءَامِنَةٗ مُّطۡمَئِنَّةٗ يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدٗا مِّن كُلِّ مَكَانٖ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (112)

قوله تعالى : { وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنةً مطمئنةً } ، يريد بالقرية أهلها ، { آمنة } ، يعني : من الخوف . { مطمئنة } ، بالخصب والدعة .

{ يأتيها رِزقُها } ، فيه وجهان :

أحدهما : أقواتها .

الثاني : مرادها . { رغداً } فيه وجهان :

أحدهما : طيباً .

الثاني : هنيئاً .

{ من كُلِّ مكانٍ } ، يعني : منها بالزراعة ، ومن غيرها بالتجارة ، ليكون اجتماع الأمرين لهم أوفر لسكنهم وأعم في النعمة عليها .

{ فكفرت بأنعم الله } ، يحتمل وجهين .

أحدهما : بترك شكره وطاعته .

الثاني : بأن لا يؤدوا حقها من مواساة الفقراء وإسعاف ذوي الحاجات{[1774]} .

وفي هذه القرية التي ضربها الله تعالى مثلاً أقاويل :

أحدها : أنها مكة ، كان أمنها أن أهلها آمنون لا يتفاوزون{[1775]} كالبوادي .

{ فأذاقها اللهُ لباسَ الجوع والخوْف } ، وسماه لباساً ؛ لأنه قد يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس ، وقيل : إن القحط بلغ بهم إلى أن أكلوا القد والعلهز وهو الوبر يخلط بالدم ، والقِد أديم يؤكل ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة .

الثاني : أنها المدينة آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم كفرت بأنعم الله بقتل عثمان بن عفان وما حدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بها من الفتن ، وهذا قول عائشة وحفصة رضي الله عنهما .

الثالث : أنه مثل مضروب بأي قرية كانت على هذه الصفة من سائر القرى .


[1774]:وقيل هذا الكفران تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم.
[1775]:في ك لا يتغافرون.