الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا قَرۡيَةٗ كَانَتۡ ءَامِنَةٗ مُّطۡمَئِنَّةٗ يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدٗا مِّن كُلِّ مَكَانٖ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (112)

وقوله : { وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة } [ 112 ] .

أي : ضرب الله مثلا ، مثل قرية ، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه {[39962]} .

وقوله : { آمنة مطمئنة } خبر بعد خبر {[39963]} . و{ رغدا } مصدر في موضع الحال .

والمعنى : [ و {[39964]} ] مثل الله مثلا لمكة {[39965]} التي سكنها {[39966]} أهل شرك . والقرية مكة ، في قول : ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد {[39967]} وعن حفصة {[39968]} أم المؤمنين [ رضي الله عنها {[39969]} ] : هي {[39970]} المدينة {[39971]} ، والأول أشهر .

قال ابن شهاب : {[39972]} الغاسق إذا وقب : الشمس إذا غربت . والقرية التي أرسل إليهم اثنتان {[39973]} انطاكية ، والقرية التي بحاضرة البحر ، طبرية . والقرية التي كانت آمنة مطمئنة هي يثرب {[39974]} .

وقوله : { كانت آمنة {[39975]} } أي : لا يخاف فيها أحد ، لأن العرب كانت يسبي {[39976]} بعضها بعضا ، وأهل مكة لا يغار {[39977]} عليهم ولا يحاربوا في بلدهم {[39978]} .

ومعنى { مطمئنة } : قارة بأهلها لا ينتجع أهلها {[39979]} من البلدان كما ينتجع أهل البوادي {[39980]} .

{ يأتيها رزقها رغدا } [ 112 ] أي : يأتي أهلها معائشهم واسعة كثيرة { من كل مكان } [ 112 ] من البلدان {[39981]} .

ومعنى : { فكفرت بأنعم الله } [ 112 ] أي : كفر أهلها بأنعم الله . وواحد الأنعم على مذهب سيبويه نعمة {[39982]} . وقال قطرب : واحدها نعم [ مثل {[39983]} ] ود وأود {[39984]} ، و {[39985]} قال بعض الكوفيين : وأحدها نعماء [ كبأ {[39986]} ] ساء وأبؤس وضراء و[ أ {[39987]} ] ضر {[39988]} .

{ فأذاقها الله } [ 112 ] .

أي : أذاق أهلها {[39989]} { لباس الجوع } {[39990]} [ 112 ] أي : أذاقهم جوعا خالط أجسامهم فجعل ذلك لمخالطته {[39991]} لأجسادهم بمنزلة اللباس لها ، وذلك أنه {[39992]} سلط عليهم الجوع سبع سنين {[39993]} متواليات حتى أكلوا اللهز {[39994]} . والعلهز أن تؤخذ الحلمة {[39995]} فتفقا على الوبر حتى يبتل {[39996]}بدمها ، ثم يغلى {[39997]}ويؤكل {[39998]} . ويروى : أنهم أكلوا لحوم الكلاب {[39999]} . وأصل الذوق بالفم ولكنه استعمل هنا للابتلاء والاختيار .

وقوله : { والخوف } . [ هو {[40000]} ] ما كان يلحقهم {[40001]} من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجيوشه كانت تطيف بهم {[40002]} .

وقوله : { بما كانوا يصنعون } [ 112 ] .

أي : بكفرهم وجحدهم للنعم .

وإنما قال : { بما كانوا {[40003]} يصنعون } ولم يقل : بما كانت تصنع لأنه رده على المعنى . لأن معنى ذكر/ القرية في الآية : يراد به {[40004]} أهلها . فرجع " يصنعون " على المعنى : [ و {[40005]} ] مثله قوله { وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم {[40006]}قائلون } {[40007]} . فرجع ، آخر الكلام إلى الأهل {[40008]} ، وقد جرى أوله على الأخبار عن القرية والمراد بها أهلها {[40009]} . وهذا هو قوله في السجدة : { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر } {[40010]} فالعذاب الأدنى [ هو الجوع {[40011]} ] والأكبر ما حل بهم يوم بدر من القتل والأسر . وهو أيضا قوله : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } {[40012]} وهو الجوع ، كان الرجل يرى بينه وبين السماء دخانا من شدة الجوع .


[39962]:وهو قول الزجاج، انظر: معاني الزجاج 3/221، وكذا النحاس، وانظر: إعراب النحاس 2/410.
[39963]:ق: خير.
[39964]:ساقط من ق.
[39965]:ق: بمكة.
[39966]:ط: سكانها.
[39967]:انظر: هذا القول في تفسير مجاهد 426، جامع البيان 14/185 و186، ومعاني الزجاج 3/221 والدر 5/174.
[39968]:هي حفصة بنت عمر بن الخطاب صحابية جليلة صالحة، من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولدت بمكة وتزوجها خنيس بن حذافة السهمي ولما توفي عنها تزوجها سنة اثنتين أو ثلاث للهجرة، وتوفيت بالمدينة، روى لها البخاري ومسلم في الصحيحين 60 حديثا. انظر: ترجمتها في الحلية 2/50، وصفوة الصفوة 2/38 والإصابة 4/274، والأعلام 2/265.
[39969]:ساقط من ط.
[39970]:ط : "إنها قالت هي ... ".
[39971]:انظر: قولها في جامع البيان 14/186 والدر 5/174.
[39972]:ط: "ابن عباس" وابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبد بن شهاب الزهري، من بني زهرة بن كلاب من قريش، أبو بكر، أول من دون الحديث وأحد كبار الحفاظ والفقهاء ولد سنة 58 هـ وتوفي سنة 124، انظر: ترجمته في الحلية 3/360، وصفة الصفوة 2/136، ووفيات الأعيان 1/451 وتذكرة الحفاظ 1/108 والأعلام 7/97.
[39973]:ط: اثنان.
[39974]:انظر: قول ابن شهاب في الدر 5/174. 8 ط: آمنة مطمئنة.
[39975]:?????
[39976]:ق: يسمي.
[39977]:ق: يتغار.
[39978]:انظر: هذا التفسير في معاني الفراء 2/114، وجامع البيان 14/185.
[39979]:ط: إلى البلدان.
[39980]:انظر: المصدر السابق.
[39981]:انظر: هذا التفسير في غريب القرآن 249، وجامع البيان 14/185.
[39982]:انظر: قوله في إعراب النحاس 2/410، واللسان (نعم).
[39983]:ساقط من ق.
[39984]:انظر: قوله في معاني الزجاج 3/221، وإعراب النحاس 2/410.
[39985]:ط: أو قال.
[39986]:ساقط من ق.
[39987]:انظر: المصدر السابق.
[39988]:انظر: هذا القول في جامع البيان 14/187.
[39989]:ط: أي أذاق الله أي أذاق أهلها.
[39990]:ق: اللباس.
[39991]:ق: لمخالطتهم.
[39992]:ط: أنهم.
[39993]:انظر: معاني الفراء 2/114.
[39994]:ق: العلهن.
[39995]:الحلمة: القرادة الكبيرة. ينظر اللسان: حلم.
[39996]:ق: تبتل.
[39997]:ق: تغلى.
[39998]:وهو تفسير ابن جرير، انظر: جامع البيان 14/187.
[39999]:ط: زاد: "من الجوع".
[40000]:ساقط من ق.
[40001]:ق: يلعقه.
[40002]:انظر: جامع البيان 14/187، وانظر: معاني الفراء 2/114.
[40003]:ق : "إنما يصنعون".
[40004]:ط: بها.
[40005]:ساقط من ق.
[40006]:ط: وهم.
[40007]:الأعراف: 4.
[40008]:ط: الأصل.
[40009]:وهو تفسير ابن جرير، انظر: جامع البيان 14/187، وانظر: أيضا معاني الفراء 2/114.
[40010]:السجدة: 21.
[40011]:ساقط من ق.
[40012]:الدخان: 10.