بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا قَرۡيَةٗ كَانَتۡ ءَامِنَةٗ مُّطۡمَئِنَّةٗ يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدٗا مِّن كُلِّ مَكَانٖ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (112)

قوله : { وَضَرَبَ الله مَثَلاً } ، يقول : وصف الله شبهاً ، { قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مطمئنة } ، يعني : مكة من العدو ، { مُّطْمَئِنَّةً } ، من العدو ، أي : ساكنة مقيمة أهلها بمكة ، { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا } ، أي : يحمل إليها طعامها ، ورزق أهلها { رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ } ، يعني : موسعاً من كل أرض ، يحمل إليها الثمار وغيرها ، { فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله } ، أي : طغت وبطرت . ويقال : كفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم ، { فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع } ، أي : عاقبهم الله تعالى سبع سنين . ومعنى اللباس هنا : سوء الحال ، واصفرار الوجوه ، { والخوف } ، يعني : خوف العدو ، وخوف سرايا النبي صلى الله عليه وسلم ، { بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } ، أي : عقوبة لهم ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم فقال : « اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ . اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ » ، فاستجاب الله دعاءه ، فوقع القحط والجدوبة ، حتى اضطروا إلى أكل الميتة والكلاب . قال القتبي : أصل الذوق بالفم . ثم يستعار فيوضع موضع الابتلاء والاختيار ، { فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف } ، يعني : ابتلاهم الله بالجوع والخوف ، وظهر عليهم من سوء آثارهم ، وتغير الحال عليهم .