الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَأَجَآءَهَا ٱلۡمَخَاضُ إِلَىٰ جِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ قَالَتۡ يَٰلَيۡتَنِي مِتُّ قَبۡلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسۡيٗا مَّنسِيّٗا} (23)

و{ فأَجَأءَهَا } [ مريم : 23 ] .

معناه : اضْطرّها ، وهو تعدية [ جاء ] بالهمزة و{ المخاض } : الطّلْقُ ، وشدةُ الولادة ، وأَوْجَاعُها ، وروي : أَنّها بلغت إلى موضعٍ كان فيه جِذْع نخلة بالٍ يابس ، في أَصْله مِذْود بقرة ، على جرية ماء ، فاشتدَّ بها الأَمْرُ هنالك ، واحتضنت الجِذْع ؛ لشدة الوجع ، وولدت عيسى عليه السلام فقالت عند ولادتها لما رأته من صعُوبة الحال مِنْ غير ما وجهَ : { يا ليتني مِتُّ قَبْلَ هذا } فتمنت الموتَ من جهة الدّين أَن يُظَنّ بها الشر ، وخوفَ أَن تُفْتَتَن بتعْيِير قومها ، وهذا مُباحٌ ، وعلى هذا الحدِّ تمناه عمرُ رضي اللّه عنه . { وَكُنتُ نَسْياً } أيْ : شَيْئاً مَتْرُوكاً محتقراً ، والنَّسِيُّ في كلام العرب ؛ الشيءُ الحقير الذي شأنه أَن يُنْسَى ، فلا يُتَأَلَّمُ لفقده كالوتد ، والحبل للمسافر ، ونحوه . وهذه القصةُ تقتضي أَنها حملت واستمرَّت حامِلاً على عُرْف البشر ، واستحْيَتْ من ذلك ؛ ومرّت بسببه ، وهي حاملٌ ، وهو قولُ جمهور المتأوِّلين . وروى عن ابن عباسٍ أَنه قال : ليس إلا أَن حملت ، فوضعت في ساعةٍ واحدة والله أعلم وظاهر قوله : { فَأَجَاءَهَا المخاض } أَنها كانت على عُرْف النساء .