تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَأَجَآءَهَا ٱلۡمَخَاضُ إِلَىٰ جِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ قَالَتۡ يَٰلَيۡتَنِي مِتُّ قَبۡلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسۡيٗا مَّنسِيّٗا} (23)

الآية 23 : وقوله تعالى : { فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة } قال القتبي : { فأجاءها المخاض } أي جاء بها المجيء ، وألجأها إليها . يقول : جاءت بي الحاجة إليك ، وأجاءتني الحاجة . والمخاض هو الحمل ، ودل قوله : { فانتبذت به مكانا قصيا } أن النخلة التي ألجأها المخاض إليها يابسة على ما قاله أهل التأويل لأنه إنما انتبذت مكانا قصيا ، وتباعدت حياء من أهلها . فلو كانت تلك النخلة رطبة ذات ثمار لكان الناس بادين{[11949]} إليها ، ويقيمون عندها ، فلا يحتمل أن تأوي إليها مريم ، وعندها مأوى الناس ، ثم التجاؤها إلى النخلة لتتساند إليها ، وتستعين بها على ما تقع الحاجة للنساء وقت الوِلادِ إلى شيء تستعين به عما ينزل بهن من الشدة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا } يحتمل أن يكون { يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا } أي وكنت غير معروفة . ويحتمل أن يكون على ما ذُكِرَ : { يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا } لا أذكر بعد الموت بذلك لأنه ذكر أنها كانت من أهل شرف وكرم ومن أهل بيت النبوة ، فتمنت أن تكون غير معروفة لئلا تُذْكَرَ بسوء بعدها ، ولا تقذف .

وقال أهل التأويل : { وكنت نسيا منسيا } أي حيضة ملقاة . وكذلك قال أبو عوسجة : النَّسْيُ الحيض . قال أبو بكر الأصم : لا يحتمل هذا لأنها قد عرفت قدرها عند الله ، فلا يُحتمل أن تتمنى ما ذُكر . لكن الإنسان ربما يتمنى الأمر العظيم إذا اشتد به الأمر نحو ما يتمنى الموت في بعض الوقت لعظم ما يحل به . فعلى ذلك غير منكر هذا من مريم أن تتمنى ما ذَكر أهل التأويل ، والله أعلم .


[11949]:في الأصل و م: بادون.