قوله : { فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة }[ 22 ] . أي : جاء بها المخاض إلى جذع النخلة . والهمزة دخلت لتعاقب الباء{[44041]} .
قال{[44042]} ابن عباس ومجاهد والسدي : المعنى : ألجأها{[44043]} . و( المخاض ){[44044]} : ( الحمل ) .
وقال قتادة : { فأجاءها } ( اضطرها ){[44045]} .
وذكر بعض أهل الأخبار{[44046]} أنها اعتزلت ، وذهبت{[44047]} إلى أدنى{[44048]} أرض مصر ، وآخر{[44049]} أرض الشام . وذلك أنها هربت من قومها لما حملت ، فتوجهت نحو أرض مصر .
قال وهب بن منبه{[44050]} : ( لما اشتملت مريم على الحمل ، كان معها ذو قرابة لها يقال له يوسف النجار ، وكانا منطلقين إلى الجبل الذي عند صيهور{[44051]} ، وكان ذلك المسجد يومئذ{[44052]} من أعظم مساجدهم . وكان مريم ويوسف يخدمان في{[44053]} ذلك المسجد ، في ذلك الزمان ، وكان لخدمته فضل عظيم . فرغبا في ذلك . فكانا يليان معالجة ذلك بأنفسهما وتحبيره{[44054]} وكناسته{[44055]} ، وكل عمل يعمل فيه . وكان لا يعمل من أهل زمانها أحد أشد اجتهادا وعبادة منهما .
فكان أول من أنكر حمل مريم صاحبها يوسف . ولما{[44056]} رأى الذي بها ، استعظمه ، ولم يدر على ما يضع أمرها ، فإذا أراد يوسف أن يتهمها ، ذكر صلاحها وبراءتها ، وأنها لم تغب عنه ساعة قط/ ، وإذا أراد أن يبرئها رأى الذي ظهر عليها . فلما اشتد ذلك عليه كلمها . فكان أول كلامه إياها أن قال لها : إنه قد حدث في نفسي من أمرك أمر ، وقد خشيت ، وقد حرصت على أن أكتمه وأميته{[44057]} في نفسي ، فغلبني{[44058]} ذلك ، فرأيت أن الكلام أشفى فيه لصدري . قالت : فقل قولا جميلا . قال : ما كنت أقول لك إلا ذلك . فحدثيني{[44059]} هل ينبت زرع بغير بذر ؟ قالت : نعم . قال : فهل تنبت{[44060]} شجرة من غير غيث ؟ قالت : نعم . قال : فهل يكون ولد من غير ذكر ؟ قالت : نعم . ألم تعلم أن الله تعالى أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر ، والبذر يومئذ إنما صار من الزرع الذي أنبته الله من غير بذر ؟ أو لم تعلم أن الله بقدرته أنبت الشجر بغير غيث وأنه جعل بتلك القدرة الغيث حياة الشجر بعدما خلق كل واحد منهما وحده ؟ أو تقول : لن تقدر الله على{[44061]} أن ينبت الشجر حتى استعان عليه بالماء ؟ ولولا ذلك لم يقدر على إنباته ؟ قال يوسف : لا أقول هذا ، ولكني أعلم أن الله يقدر على ما{[44062]} يشاء يقول لذلك{[44063]} كن فيكون . قالت له : أو لم تعلم أن الله خلق آدم وامرأته من غير أنثى ولا ذكر{[44064]} قال : بلى . فلما قالت له ذلك ، وقع في نفسه أن{[44065]} الذي بها شيء من الله . ثم دنا نفاسها فأوحى الله تعالى إليها أن اخرجي من أرض قومك ، فإنهم إن ظفروا بك ، عيروك ، وقتلوا ولدك . فأفضت ذلك إلى أختها ، وأختها حينئذ حبلى ، وقد بشرت بيحيى . فلما التقتا{[44066]} ، وجدت أم يحيى ما في بطنها خر لوجهه ساجدا معترفا{[44067]} بعيسى . فاحتملها يوسف إلى أرض مصر على حمار له ، ليس بينها حين ركبت الحمار وبين الأكاف{[44068]} شيء . فلما كان بقرب أرض مصر ، في منقطع بلاد قومها{[44069]} ، أدرك مريم النفاس ، فألجأها إلى حمار أو مذوده{[44070]} وأصل نخلة . فاشتد على مريم المخاض ، فلما وجدت منه شدة التجأت إلى النخلة فاحتضنتها واحتوشتها الملائكة قاموا صفوفا محدقين بها .
وعن وهب أنها قالت له عند سؤاله : إن الله تعالى خلق البذر قبل الزرع ، وإن الله خلق الحبة من غير مطر ، وإن الله خلق آدم من غير أنثى ولا ذكر .
وعن وهب أيضا أنه قال{[44071]} : لما حضر ولادتها ، وجدت ما تجده المرأة من الطلق ، فخرجت من المدينة حتى تدركها الولادة إلى قرية من إيلياء على{[44072]} ستة أميال يقال لها بيت لحم . فأجاءها المخاض إلى أصل نخلة إليها مذود مقرة وتحتها نبع من الماء فوضعته عندها{[44073]} .
وقد{[44074]} قال السدي لما حضر وضعها إلى جانب المحراب الشرقي منه{[44075]} أتت أقصاه{[44076]} .
وقيل{[44077]} : إن عيسى ولد بمصر بكورة أهناس ، ونخلة مريم قائمة{[44078]} بها إلى اليوم . والله أعلم بذلك كله .
قال ابن عباس : ليس إلا أن حملت فولدت في ساعة{[44079]} .
وعن مجاهد ، أنها حملته ستة أشهر ، فكانت{[44080]} حياته آية له{[44081]} لأنه لا يعيش من ولد من ستة أشهر{[44082]} .
وقال غيره{[44083]} أقامت ثمانية أشهر ، وذلك آية لعيسى أيضا ، لأنه يولد مولود لثمانية أشهر فيعيش{[44084]} .
وقوله : { فأجاءها المخاض } يدل على طول المكث .
قال مجاهد : كان حمل النخلة عجوة{[44085]} .
وقيل{[44086]} : كان جذعا بلا رأس ، وكان ذلك في الشتاء ، فأنبت الله له رأسا ، وخلق فيه رطبا ؟ في غير وقته .
وروي أنها لما رأت الآية في الرطب والجذع طابت نفسها .
وقالت : ليس ولادتي هذا الغلام{[44087]} من غير أب أعجب من هذا الجذع البالي . فأكلت من الرطب ، وشربت من النهر .
وقوله : { يا ليتني مت قبل هذا }[ أي : قبل هذأي{[44088]} الطلق ، استحياء من الناس قاله{[44089]} السدي{[44090]} .
أي : لم أخلق ولم أكن شيئا{[44091]} .
قال السدي : معناه نسى ذكري وأمري ، فلا يرى لي أثر ولا عين{[44092]} .
وقال قتادة : معناه : وكنت شيئا{[44093]} لا يذكر ولا يعرف ولا يدري{[44094]} من أنا{[44095]} .
وقال مجاهد وعكرمة : حيضة ملقاة{[44096]} .
والنسي عند أهل اللغة ، ما طال مكثه فنسي . ويكون النسي الشيء الحقير الذي لا يعبأ به .
وقرأ محمد بن كعب{[44097]} : ( نسئا ) بالهمز وكسر النون{[44098]} . وكذا قرأ{[44099]} أيوب{[44100]} ، إلا أنه فتح النون وهو من نسأه الله إذا أخره . / وإنما تمنت الموت وقد علمت أن الرضى بقضاء الله واجب عليها لأنها كرهت أن يعصى الله فيها وفيما يقول قومها فيها إذ{[44101]} جاءت بولد من غير ذكر ، فشق عليها أن يأثموا فيها{[44102]} ويعصوا الله من أجلها فيما يرمونها به لا أنها سخطت قضاء الله فيها ، إذ هي تعلم أن{[44103]} الله تعالى لم يختر لها إلا ما فيه الخيرة{[44104]} والصلاح لها . فتمنيها للموت إنما هو طاعة لله لأن{[44105]} من كره أن يعصى الله فيه فقد أطاع الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.