32- هؤلاء الجاحدون بالله إذا ركبوا في السفن واضطرب بهم البحر وارتفعت أمواجه حتى بدت كأنها تظللهم ، وظنوا أنهم غارقون - لا محالة - لجأوا إلى الله يدعونه في إخلاص وخضوع أن ينجيهم ، فلما نجَّاهم إلى البر كان منهم قليل تذكَّر عهده ، واعتدل في عمله ، ومنهم كثير نسى فضل ربه ، وظل على جحوده به ، ولا ينكر فضل ربه عليه وإحسانه إليه إلا كل إنسان شديد الغدر ، مسرف في الكفر بربه .
والغشيان : مستعار للمجيء المفاجىء لأنه يشبه التغطية ، وتقدم في قوله تعالى : { يُغشي الليل النهار } في سورة الأعراف ( 54 ) .
والظُّلَل : بضم الظاء وفتح اللام : جمع ظُلّة بالضم وهي : ما أظلّ من سحاب .
والفاء في قوله فمنهم مقتصد } تدلّ على مقدر كأنه قيل : فلما نجاهم انقسموا فمنهم مقتصد ومنهم غيره كما سيأتي . وجعل ابن مالك الفاء داخلة على جواب { لمّا } أي رابطة للجواب ومخالفوه يمنعون اقتران جواب { لما بالفاء كما في مغني اللبيب } .
والمقتصد : الفاعل للقصد وهو التوسط بين طرفين ، والمقام دليل على أن المراد الاقتصاد في الكفر لوقوع تذييله بقوله { وما يجحد بآياتنا إلاّ كل خَتّار كفور } ولقوله في نظيره في سورة العنكبوت ( 65 ) { فلما نجّاهم إلى البرّ إذا هم يشركون } وقد يطلق المقتصد على الذي يتوسط حالُه بين الصلاح وضده .
كما قال تعالى : { منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون } [ المائدة : 66 ] والجاحد الكفور : هو المُفرط في الكفر والجَحد . والجُحود : الإنكار والنفي . وتقدم عند قوله تعالى : { ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } في سورة الأنعام ( 33 ) . وعلم أن هنالك قسماً ثالثاً وهو الموقن بالآيات الشاكر للنعمة وأولئك هم المؤمنون . قال في سورة فاطر ( 32 ) { فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات } وهذا الاقتصار كقول جرير :
كانت حنيفة أثلاثاً فثلثهم *** من العبيد وثلث من مواليها
والخَتَّار : الشديد الختر ، والختر : أشدّ الغدر .
وجملة { وما يجحد } إلى آخرها تذييل لأنها تعم كل جاحد سواء من جحد آية سير الفلك وهول البحر ويجحد نعمة الله عليه بالنجاة ومن يجحد غير ذلك من آيات الله ونعمه . والمعنى : ومنهم جاحد بآياتنا . وفي الانتقال من الغيبة إلى التكلم في قوله { بآياتنا } التفات .
والباء في { بآياتنا } لتأكيد تعدية الفعل إلى المفعول مثل قوله { وامسحوا برؤوسكم } [ المائدة : 6 ] ، وقول النابغة :
لك الخير إن وارت بك الأرض واحداً
وقوله تعالى : { وما نرسل بالآيات إلاَّ تخويفاً } [ الإسراء : 59 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.