و{ يوم } نصب على الظرف ، وقد اختلف في العامل فيه ، فقال مكي بن أبي طالب ، العامل فيه { قدير } ، وقال الطبري : العامل فيه قوله : { وإلى الله المصير } [ آل عمران : 28 ] وقال الزجّاج ، وقال أيضاً العامل فيه { ويحذركم الله نفسه } [ آل عمران : 28 ] يوم ورجحه وقال مكي : حكاية العامل فيه فعل مضمر تقديره ، «اذكر يوم » ، و { ما } بمعنى الذي و{ محضراً } قال قتادة : معناه موفراً ، وهذا تفسير بالمعنى ، والحضور أبين من أن يفسر بلفظ آخر ، وقوله تعالى : { ما عملت من سوء } يحتمل أن تكون { ما } معطوفة على { ما } الأولى فهي في موضع نصب وتكون { تود } في موضع الحال ، وإلى هذا العطف ذهب الطبري وغيره ، ويحتمل أن تكون رفعاً بالابتداء ويكون الخبر في قوله : { تود } وما بعده كأنه قال : وعملها السيىء مردود عندها أن بينها وبينه أمداً ، وفي قراءة ابن مسعود «من سوء ودت » وكذلك قرأ ابن أبي عبلة ، ويجوز على هذه القراءة أن تكون { ما } شرطية ولا يجوز ذلك على قراءة «تود » لأن الفعل مستقبل مرفوع والشرط يقتضي جزمه اللهم إلى أن يقدر في الكلام محذوف «فهي تود » وفي ذلك ضعف ، و «الأمد » الغاية المحدودة من المكان أو الزمان ، قال النابغة : [ البسيط ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** سَبْق الْجَوادِ إذَا اسْتَوْلَى عَلَى الأمَدِ{[3089]}
فهذه غاية في المكان ، وقال الطرماح{[3090]} : [ الخفيف ]
كُلُّ حيّ مُسْتَكْمِلٌ عُدَّةَ الْعُمْ . . . رِ وَمُودٍ إذا انقضَى أَمَدُهْ
فهذه غاية في الزمان ، وقال الحسن في تفسير هذه الآية ، يسر أحدهم أن لا يلقى عمله ذلك أبداً ذلك مناه ، وأما في الدنيا فقد كانت خطيئته يستلذها ، وقوله : { والله رؤوف بالعباد } يحتمل أن يكون إشارة إلى التحذير لأن تحذيره وتنبيهه على النجاة رأفة منه بعباده ، ويحتمل أن يكون ابتداء إعلام بهذه الصفة فمقتضى ذلك التأنيس لئلا يفرط الوعيد على نفس مؤمن ، وتجيء الآية على نحو قوله تعالى : { إن ربك لشديد العقاب ، وإنه لغفور رحيم }{[3091]} لأن قوله : { ويحذركم الله نفسه } [ آل عمران : 28 ] والله محذور العقاب .
جملة مستأنفة ، أصل نظم الكلام فيها : تَوَدّ كل نفس لَوْ أنّ بينهَا وَبيْن ما عملت من سوء أمداً بعيداً يومَ تَجِدُ مَا عملت من خير مُحْضراً . فقُدم ظرفها على عامله على طريقة عربية مشهورة الاستعمال في أسماء الزمان ، إذا كانت هي المقصود من الكلام ، قضاء لحق الإيجاز بنسج بديع . ذلك أنّه إذا كان اسم الزمان هو الأهمّ في الغرض المسوق له الكلام ، وكان مع ذلك ظرفاً لشيء من علائقه ، جيء به منصوباً على الظرفية ، وجُعل معنى بعضِ ما يحصل منه مصوغاً في صيغة فعللٍ عامل في ذلك الظرف . أو أصل الكلام : يحضر لكلِّ نفس في يوم الإحضار ما عملت من خير وما عملت من سوء ، فتودّ في ذلك اليوم لو أنّ بينها وبين ما عملت من سوء أمداً بعيداً ، أي زماناً متأخّراً ، وأنّه لم يحضر ذلك اليومَ . فالضمير في قوله وبينه على هذا يعود إلى ما عملتْ من سوء ، فحُوِّل التركيب ، وجُعل ( تودّ ) هو الناصب ليوم ، ليستغنى بكونه ظرفاً عن كونه فاعلاً . أو يكون أصل الكلام : يوم تجد كل نفس ما عملت من خير ومن شرّ محضراً ، تودّ لو أنّ بينها وبين ذلك اليوم أمداً بعيداً ؛ ليكون ضمير بينه عائداً إلى يوم أي تودّ أنّه تأخّر ولم يحضر كقوله : { رب لولا أخرتنِي إلى أجل قريب فأصدّق } [ المنافقون : 10 ] وهذا التحويل من قبيل قول امرىء القيس :
ويوماً على ظهر الكثيب تعذّرت *** عليّ وآلت حِلفة لــم تُحَلَّل
فإنّ مقصده ما حصل في اليوم ، ولكنّه جعل الاهتمام بنفس اليوم ، لأنّه ظرفه . ومنه ما يجيء في القرآن غير مرة ، ويكثر مثل هذا في الجمل المفصول بعضها عن بعض بدون عطف لأنّ الظرف والمجرور يشبهان الروابط ، فالجملة المفصولة إذا صدّرت بواحد منها أكسبها ذلك نوع ارتباط بما قبلها : كما في هذه الآية ، وقوله تعالى : { وإذ قالت امرأة عمران } [ آل عمران : 35 ] ونحوهما ، وهذا أحسن الوجوه في نظم هذه الآية وأومأ إليه في « الكشاف » .
وقيل منصوب باذكر ، وقيل متعلق بقوله : { المصير } وفيه بعد لطول الفصل ، وقيل بقوله : ( ويحذّركم ) وهو بعيد ، لأنّ التحذير حاصل من وقت نزول الآية ، ولا يحسن أن يجعل عامل الظرف في الآية التي قبل هذه لعدم التئام الكلام حق الالتئام .
فعلى الوجه الأول قوله تودّ هو مبدأ الاستئناف ، وعلى الوجوه الأخرى هو جملة حالية من قوله وما عمِلت من سُوء .
وقوله : { ويحذركم الله نفسه } يجوز أن يكون تكريراً للتحذير الأول لِزيادة التأكيد كقول لبيد :
فتنازَعَا سَبِطاً يَطير ظِلالـه *** كدُخان مُشْعَلَةٍ يُشَبُّ ضِرامُها
مَشْمُولَةٍ غُلِثت بنابت عَرنَج *** كدُخَانِ نَارٍ سَاطِــعٍ أسْنَامُها
ويجوز أن يكون الأول تحذيراً من موالاة الكافرين ، والثاني تحذيراً من أن يجدوا يوم القيامة ما عملوا من سوء محضراً .
والخطاب للمؤمنين ولذلك سمّى الموعظة تحذيراً : لأنّ المحذّر لا يكون متلبّساً بالوقوع في الخطر ، فإنّ التحذير تبعيد من الوقوع وليس انتشالاً بعدَ الوقوع وذيّله هنا بقوله : { والله رؤوف بالعباد } للتذكير بأنّ هذا التحذير لمصلحة المحذّرين .
والتعريف في العباد للاستغراق : لأنّ رأفة الله شاملة لكلّ الناس مسلمهم وكافرهم : { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابّة } [ فاطر : 45 ] { الله لطيف بعباده } [ الشورى : 19 ] وما وعيدهم إلاّ لجلب صلاحهم ، وما تنفيذه بعد فوات المقصود منه إلاّ لصدق كلماته ، وانتظامِ حكمته سبحانه . ولك أن تجعل ( أل ) عوضاً عن المضاف إليه أي بعباده فيكون بشارة للمؤمنين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.