المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (30)

30- فليحذر الذين يخالفون أمره يوم تجد كل نفس عملها من الخير مهما قلَّ مشاهداً حاضراً ، وما اقترفَته من سوء تتمنى أن يكون بعيداً عنها بُعْداً شاسعاً حتى لا تراه استقباحاً له وخوفاً من الوقوع في مغبته ، ويحذركم الله عقابه إذا خرجتم من ولايته التي هي رأفة ورحمة بالعباد .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (30)

قوله تعالى : { يوم تجد كل نفس } نصب " يوم " بنزع حرف الصفة ، أي في يوم ، وقيل بإضمار فعل أي : اذكروا واتقوا يوم تجد كل نفس .

قوله تعالى : { ما عملت من خير محضرا } لم يبخس منه شيء ، كما قال الله تعالى ( ووجدوا ما عملوا حاضراً ) .

قوله تعالى : { وما عملت من سوء } جعله بعضهم " خبراً " في موضع النصب ، أي : تجد محضراً ما عملت من الخير والشر ، فتسر بما عملت من الخير ، وجعل بعضهم خبراً مستأنفا ، دليل هذا التأويل قراءة ابن مسعود رضي الله عنه : وما عملت من سوء ودت لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً .

قوله تعالى : { تود لو أن بينها } أي بين النفس .

قوله تعالى : { وبينه } يعني وبين السوء .

قوله تعالى : { أمداً بعيداً } . قال السدي مكاناً بعيداً . وقال مقاتل : كما بين المشرق والمغرب ، والأمد الأجل والغاية التي ينتهي إليها . وقال الحسن : يسر أحدهم أن لا يلقي عمله أبداً . وقيل : يود أنه لم يعمله .

قوله تعالى : { ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (30)

جملة مستأنفة ، أصل نظم الكلام فيها : تَوَدّ كل نفس لَوْ أنّ بينهَا وَبيْن ما عملت من سوء أمداً بعيداً يومَ تَجِدُ مَا عملت من خير مُحْضراً . فقُدم ظرفها على عامله على طريقة عربية مشهورة الاستعمال في أسماء الزمان ، إذا كانت هي المقصود من الكلام ، قضاء لحق الإيجاز بنسج بديع . ذلك أنّه إذا كان اسم الزمان هو الأهمّ في الغرض المسوق له الكلام ، وكان مع ذلك ظرفاً لشيء من علائقه ، جيء به منصوباً على الظرفية ، وجُعل معنى بعضِ ما يحصل منه مصوغاً في صيغة فعللٍ عامل في ذلك الظرف . أو أصل الكلام : يحضر لكلِّ نفس في يوم الإحضار ما عملت من خير وما عملت من سوء ، فتودّ في ذلك اليوم لو أنّ بينها وبين ما عملت من سوء أمداً بعيداً ، أي زماناً متأخّراً ، وأنّه لم يحضر ذلك اليومَ . فالضمير في قوله وبينه على هذا يعود إلى ما عملتْ من سوء ، فحُوِّل التركيب ، وجُعل ( تودّ ) هو الناصب ليوم ، ليستغنى بكونه ظرفاً عن كونه فاعلاً . أو يكون أصل الكلام : يوم تجد كل نفس ما عملت من خير ومن شرّ محضراً ، تودّ لو أنّ بينها وبين ذلك اليوم أمداً بعيداً ؛ ليكون ضمير بينه عائداً إلى يوم أي تودّ أنّه تأخّر ولم يحضر كقوله : { رب لولا أخرتنِي إلى أجل قريب فأصدّق } [ المنافقون : 10 ] وهذا التحويل من قبيل قول امرىء القيس :

ويوماً على ظهر الكثيب تعذّرت *** عليّ وآلت حِلفة لــم تُحَلَّل

فإنّ مقصده ما حصل في اليوم ، ولكنّه جعل الاهتمام بنفس اليوم ، لأنّه ظرفه . ومنه ما يجيء في القرآن غير مرة ، ويكثر مثل هذا في الجمل المفصول بعضها عن بعض بدون عطف لأنّ الظرف والمجرور يشبهان الروابط ، فالجملة المفصولة إذا صدّرت بواحد منها أكسبها ذلك نوع ارتباط بما قبلها : كما في هذه الآية ، وقوله تعالى : { وإذ قالت امرأة عمران } [ آل عمران : 35 ] ونحوهما ، وهذا أحسن الوجوه في نظم هذه الآية وأومأ إليه في « الكشاف » .

وقيل منصوب باذكر ، وقيل متعلق بقوله : { المصير } وفيه بعد لطول الفصل ، وقيل بقوله : ( ويحذّركم ) وهو بعيد ، لأنّ التحذير حاصل من وقت نزول الآية ، ولا يحسن أن يجعل عامل الظرف في الآية التي قبل هذه لعدم التئام الكلام حق الالتئام .

فعلى الوجه الأول قوله تودّ هو مبدأ الاستئناف ، وعلى الوجوه الأخرى هو جملة حالية من قوله وما عمِلت من سُوء .

وقوله : { ويحذركم الله نفسه } يجوز أن يكون تكريراً للتحذير الأول لِزيادة التأكيد كقول لبيد :

فتنازَعَا سَبِطاً يَطير ظِلالـه *** كدُخان مُشْعَلَةٍ يُشَبُّ ضِرامُها

مَشْمُولَةٍ غُلِثت بنابت عَرنَج *** كدُخَانِ نَارٍ سَاطِــعٍ أسْنَامُها

ويجوز أن يكون الأول تحذيراً من موالاة الكافرين ، والثاني تحذيراً من أن يجدوا يوم القيامة ما عملوا من سوء محضراً .

والخطاب للمؤمنين ولذلك سمّى الموعظة تحذيراً : لأنّ المحذّر لا يكون متلبّساً بالوقوع في الخطر ، فإنّ التحذير تبعيد من الوقوع وليس انتشالاً بعدَ الوقوع وذيّله هنا بقوله : { والله رؤوف بالعباد } للتذكير بأنّ هذا التحذير لمصلحة المحذّرين .

والتعريف في العباد للاستغراق : لأنّ رأفة الله شاملة لكلّ الناس مسلمهم وكافرهم : { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابّة } [ فاطر : 45 ] { الله لطيف بعباده } [ الشورى : 19 ] وما وعيدهم إلاّ لجلب صلاحهم ، وما تنفيذه بعد فوات المقصود منه إلاّ لصدق كلماته ، وانتظامِ حكمته سبحانه . ولك أن تجعل ( أل ) عوضاً عن المضاف إليه أي بعباده فيكون بشارة للمؤمنين .