القسم في مستهل هذه السورة يجلي صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يتحدث به من خبر الوحي ، وما يبلغه عنه ما ضل في شيء منه وما غوى ، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما تحدث به عن رحلته إلى السماء في حادث المعراج ، ما زاغ بصره وما طغى .
ثم تنتقل السورة إلى الحديث عن تفاهة عقول الكافرين في عبادتهم لأصنام اصطنعوها بأيديهم ، وسموها بأسماء من عندهم ، كما سموا الملائكة إناثا بعد أن جعلوا لله البنات ، واختصوا أنفسهم بالذكور .
ثم تطلب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الإعراض عنهم ، وترك أمرهم إلى الله الذي له في السماوات والأرض ملكا وخلقا ، والذي سيجازى المسيء بإساءته والمحسن بإحسانه ، وهو أعلم بجميع أطوار خلقه وأحوالهم ، متبعة ذلك بالتنديد بمن أنكر حساب كل إنسان على عمله ، كما جرت بذلك الشرائع السابقة ، وأخبرت صحف موسى وإبراهيم . وقررت الآيات كل هذه المعاني بما عرضت من صور القدرة وآيات الله في الأمم السابقة .
ثم تختم السورة بتوضيح أن القرآن نذير من النذر التي أنذرت بها الأمم السابقة ، ليخشوا يوم القيامة الذي قرب وقته ، وتعنى على الكافرين بالقرآن غفلتهم عن ذلك ، واستبدالهم الضحك مكان بكائهم واتعاظهم به ، وقد طلبت إلى المؤمنين أن يسجدوا لله الذي أنزله ويعبدوه .
1 - أقسم بالنجم إذا هوى للغروب : ما عدل محمد عن طريق الحق وما اعتقد باطلا .
قوله عز وجل : { والنجم إذا هوى } قال ابن عباس في رواية الوالبي والعوفي : يعني الثريا إذا سقطت وغابت ، وهويه مغيبه ، والعرب تسمي الثريا نجماً . وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : " ما طلع النجم قط وفي الأرض من العاهة شيء إلا رفع " ، وأراد بالنجم الثريا . وقال مجاهد : هي نجوم السماء كلها حين تغرب ، لفظه واحد ومعناه الجمع ، سمي الكوكب نجماً لطلوعه ، وكل طالع نجم ، يقال : نجم السن والقرن والنبت : إذا طلع . وروي عن عكرمة عن ابن عباس : أنه الرجوم من النجوم ، يعني ما ترمى به الشياطين عند استراقهم السمع . وقال أبو حمزة الثمالي : هي النجوم إذا انتثرت يوم القيامة . وقيل : المراد بالنجم القرآن ، سمي نجماً لأنه نزل نجوماً متفرقة في عشرين سنة ، وسمي التفريق : تنجيماً ، والمفرق : منجماً ، هذا قول ابن عباس في رواية عطاء ، وقول الكلبي والهوي : النزول من أعلى إلى أسفل . وقال الأخفش : النجم هو النبت الذي لا ساق له ، ومنه قوله عز وجل : { والنجم والشجر يسجدان }( الرحمن-6 ) ، وهويه سقوطه على الأرض . وقال جعفر الصادق : يعني محمداً صلى الله عليه وسلم إذ نزل من السماء إلى الأرض ليلة المعراج ، و الهوي : النزول ، يقال : هوى يهوي هوياً إذا نزل ، مثل مضى يمضي مضياً .
سورة النجم مكية وآياتها ثنتان وستون
هذه السورة في عمومها كأنها منظومة موسيقية علوية ، منغمة ، يسري التنغيم في بنائها اللفظي كما يسري في إيقاع فواصلها الموزونة المقفاة . ويلحظ هذا التنغيم في السورة بصفة عامة ؛ ويبدو القصد فيه واضحا في بعض المواضع ؛ وقد زيدت لفظة أو اختيرت قافية ، لتضمن سلامة التنغيم ودقة إيقاعه - إلى جانب المعنى المقصود الذي تؤديه في السياق كما هي عادة التعبير القرآني - مثل ذلك قوله : ( أفرأيتم اللات والعزى . ومناة الثالثة الأخرى ) . . فلو قال ومناة الأخرى ينكسر الوزن . ولو قال : ومناة الثالثة فقط يتعطل إيقاع القافية ولكل كلمة قيمتها في معنى العبارة . ولكن مراعاة الوزن والقافية كذلك ملحوظة . ومثلها كلمة( إذن )في وزن الآيتين بعدها : ألكم الذكر وله الأنثى ? تلك إذا قسمة ضيزى ! وكلمة( إذن )ضرورية للوزن . وإن كانت - مع هذا - تؤدي غرضا فنيا في العبارة . . . وهكذا .
ذلك الإيقاع ذو لون موسيقي خاص . لون يلحظ فيه التموج والانسياب . وبخاصة في المقطع الأول والمقطع الأخير من السورة . وهو يتناسق بتموجه وانسيابه مع الصور والظلال الطليقة المرفرفة في المقطع الأول . ومع المعاني واللمسات العلوية في المقطع الأخير . وما بينهما مما هو قريب منهما في الجو والموضوع .
والصور والظلال في المقطع الأول ، تشع من المجال العلوي الذي تقع فيه الأحداث النورانية والمشاهد الربانية التي يصفها هذا المقطع . ومن الحركات الطليقة للروح الأمين وهو يتراءى للرسول الكريم . . والصور والظلال والحركات والمشاهد والجو الروحي المصاحب ، تستمد وتمد ذلك الإيقاع التعبيري وتمتزج به ، وتتناسق معه ، وتتراءى فيه ، في توافق منغم عجيب .
ثم يعم ذلك العبق جو السورة كله ، ويترك آثاره في مقاطعها التالية ، حتى تختم بإيقاع موح شديد الإيحاء مؤثر عميق التأثير . ترتعش له كل ذرة في الكيان البشري وترف معه وتستجيب .
وموضوع السورة الذي تعالجه هو موضوع السور المكية على الإطلاق : العقيدة بموضوعاتها الرئيسية : الوحي والوحدانية والآخرة . والسورة تتناول الموضوع من زاوية معينة تتجه إلى بيان صدق الوحي بهذه العقيدة ووثاقته ، ووهن عقيدة الشرك وتهافت أساسها الوهمي الموهون !
والمقطع الأول في السورة يستهدف بيان حقيقة الوحي وطبيعته ، ويصف مشهدين من مشاهده ، ويثبت صحته وواقعيته في ظل هذين المشهدين ؛ ويؤكد تلقي الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] عن جبريل - عليه السلام - تلقي رؤية وتمكن ودقة ، واطلاعه على آيات ربه الكبرى .
ويتحدث المقطع الثاني عن آلهتهم المدعاة : اللات والعزى ومناة . وأوهامهم عن الملائكة . وأساطيرهم حول بنوتها لله . واعتمادهم في هذا كله على الظن الذي لا يغني من الحق شيئا . بينما الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يدعوهم إلى ما دعاهم إليه عن تثبت ورؤية ويقين .
والمقطع الثالث يلقن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] الإعراض عمن يتولى عن ذكر الله ويشغل نفسه بالدنيا وحدها ، ويقف عند هذا الحد لا يعلم وراءه شيئا . ويشير إلى الآخرة وما فيها من جزاء يقوم على عمل الخلق ، وعلى علم الله بهم ، منذ أنشأهم من الأرض ، ومنذ كانوا أجنة في بطون أمهاتهم . فهو أعلم بهم من أنفسهم ، وعلى أساس هذا العلم المستيقن - لا الظن والوهم - يكون حسابهم وجزاؤهم ، ويصير أمرهم في نهاية المطاف .
والمقطع الرابع والأخير يستعرض أصول العقيدة - كما هي منذ أقدم الرسالات - من فردية التبعة ، ودقة الحساب ، وعدالة الجزاء . ومن انتهاء الخلق إلى ربهم المتصرف في أمرهم كله تصرف المشيئة المطلقة . ومع هذا لفتة إلى مصارع الغابرين المكذبين . تختم بالإيقاع الأخير : ( هذا نذير من النذر الأولى . أزفت الآزفة . ليس لها من دون الله كاشفة . أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ، ولا تبكون ، وأنتم سامدون ? فاسجدوا لله واعبدوا ) . . حيث يلتقي المطلع والختام في الإيحاء والصور والظلال والإيقاع العام .
( والنجم إذا هوى . ما ضل صاحبكم وما غوى . وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى . علمه شديد القوى . ذو مرة فاستوى . وهو بالأفق الأعلى . ثم دنا فتدلى . فكان قاب قوسين أو أدنى . فأوحى إلى عبده ما أوحى . ما كذب الفؤاد ما رأى . أفتمارونه على ما يرى ? ولقد رآه نزلة أخرى . عند سدرة المنتهى . عندها جنة المأوى . إذ يغشى السدرة ما يغشى . ما زاغ البصر وما طغى . لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) . .
في هذا المطلع نعيش لحظات في ذلك الأفق الوضيء الطليق المرفرف الذي عاش فيه قلب محمد - صلوات الله وسلامه عليه - ونرف بأجنحة النور المنطلقة إلى ذلك الملأ الأعلى ؛ ونستمع إلى الإيقاع الرخي المنساب ، في جرس العبارة وفي ظلالها وإيحائها على السواء .
نعيش لحظات مع قلب محمد [ صلى الله عليه وسلم ] مكشوفة عنه الحجب ، مزاحة عنه الأستار . يتلقى من الملأ الأعلى . يسمع ويرى ، ويحفظ ما وعى . وهي لحظات خص بها ذلك القلب المصفى ؛ ولكن الله يمن على عباده ، فيصف لهم هذه اللحظات وصفا موحيا مؤثرا . ينقل أصداءها وظلالها وإيحاءها إلى قلوبهم . يصف لهم رحلة هذا القلب المصفى ، في رحاب الملأ الأعلى . يصفها لهم خطوة خطوة ، ومشهدا مشهدا ، وحالة حالة ، حتى لكأنهم كانوا شاهديها .
ويبدأ الوصف الموحي بقسم من الله سبحانه : ( والنجم إذا هوى ) . . وحركة تلألؤ النجم ثم هويه ودنوه . أشبه بمشهد جبريل المقسم عليه : ( وهو بالأفق الأعلى . ثم دنا فتدلى . فكان قاب قوسين أو أدنى . فأوحى إلى عبده ما أوحى ) . . وهكذا يبدأ التناسق والتوافق في المشهد والحركة والظل والإيقاع منذ اللحظة الأولى .
( والنجم إذا هوى ) . . وقد رويت تفسيرات مختلفة للنجم المقصود في هذا القسم . وأقرب ما يرد على الذهن أنها إشارة إلى الشعرى ، التي كان بعضهم يعبدها . والتي ورد ذكرها في السورة فيما بعد في قوله : ( وأنه هو رب الشعرى ) . . وقد كان للشعرى من اهتمام الأقدمين حظ كبير . ومما هو معروف أن قدماء المصريين كانوا يوقتون فيضان النيل بعبور الشعرى بالفلك الأعلى . ويرصدونها من أجل هذا ويرقبون حركاتها . ولها شأن في أساطير الفرس وأساطير العرب على السواء . فالأقرب أن تكون هذه الإشارة هنا إليها . ويكون اختيار مشهد هوي النجم مقصودا للتناسق الذي أشرنا إليه . ولمعنى آخر هو الإيحاء بأن النجم مهما يكن عظيما هائلا فإنه يهوي ويتغير مقامه . فلا يليق أن يكون معبودا . فللمعبود الثبات والارتفاع والدوام .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَالنّجْمِ إِذَا هَوَىَ * مَا ضَلّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىَ } .
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : والنّجْمِ إذَا هَوَى فقال بعضهم : عُنِي بالنجم : الثّريا ، وعُنِي بقوله : إذَا هَوَى : إذا سقط ، قالوا : تأويل الكلام : والثريا إذا سقطت . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَالنّجْمِ إذَا هَوَى قال : إذا سقطت الثريا مع الفجر .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان وَالنّجْمِ إذَا هَوَى قال : الثريا . وقال مجاهد : وَالنّجْمِ إذَا هَوَى قال : سقوط الثريا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَالنّجْمِ إذَا هَوَى قال : إذا انصبّ .
وقال آخرون : معنى ذلك : والقرآن إذا نزل . ذكر من قال ذلك :
حدثني زياد بن عبد الله الحساني أبو الخطاب ، قال : حدثنا مالك بن سعير ، قال : حدثنا الأعمش ، عن مجاهد ، في قوله : وَالنّجْمِ إذَا هَوَى قال : القرآن إذا نزل .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَالنّجْمِ إذَا هَوَى ما ضَلّ صَاحِبُكُمْ وَما غَوَى قال : قال عُتْبة بن أبي لهب : كفرتُ بربّ النجم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أمَا تَخافُ أنْ يَأْكُلُكَ كَلْبُ اللّهِ » قال : فخرج في تجارة إلى اليمن ، فبينما هم قد عرّسوا ، إذ سمعَ صوتَ الأسد ، فقال لأصحابه إني مأكول ، فأحدقوا به ، وضرب على أصمختهم فناموا ، فجاء حتى أخذه ، فما سمعوا إلا صوته .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم تلا : وَالنّجْمِ إذَا هَوَى فقال ابن لأبي لهب حسبته قال : اسمه عُتبة : كفرت بربّ النجم ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «احْذَرْ لا يَأْكُلْكَ كَلْبُ اللّهِ » قال : فضرب هامته . قال : وقال ابن طاوس عن أبيه ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «ألاَ تخافُ أنْ يُسَلّطَ اللّهُ عَلَيْكَ كَلْبَهُ ؟ » فخرج ابن أبي لهب مع ناس في سفر حتى إذا كانوا في بعض الطريق سمعوا صوت الأسد ، فقال : ما هو إلا يريدني ، فاجتمع أصحابه حوله وجعلوه في وسطهم ، حتى إذا ناموا جاء الأسد فأخذه من بينهم . وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول : عنى بقوله : والنّجْمِ والنجوم . وقال : ذهب إلى لفظ الواحد ، وهو في معنى الجميع ، واستشهد لقوله ذلك بقول راعي الإبل :
فَباتَتْ تَعُدّ النّجْمَ في مُسْتَحِيرَةٍ *** سَرِيعٌ بِأيْدِي الاَكِلِينَ جُمُودُها
والصواب من القول في ذلك عندي ما قاله مجاهد من أنه عنى بالنجم في هذا الموضع : الثريا ، وذلك أن العرب تدعوها النجم ، والقول الذي قاله من حكينا عنه من أهل البصرة قول لا نعلم أحدا من أهل التأويل قاله ، وإن كان له وجه ، فلذلك تركنا القول به .
بسم الله الرحمن الرحيم { والنجم إذا هوى } أقسم بجنس النجوم أو الثريا فإنه غلب فيها إذا غرب أو انتثر يوم القيامة أو انقض أو طلع فإنه يقال : هوى هويا بالفتح إذا سقط وغرب ، وهويا بالضم إذا علا وصعد ، أو بالنجم من نجوم القرآن إذا نزل أو النبات إذا سقط على الأرض ، أو إذا نما ارتفع على قوله : { ما ضل صاحبكم } .
سميت { سورة النجم } بغير واو في عهد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي الصحيح عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد بها فما بقي أحد من القوم إلا سجد فأخذ رجل كفا من حصباء أو تراب فرفعه إلى وجهه . وقال : يكفني هذا . قال عبد الله : فلقد رأيته بعد قتل كافرا . وهذا الرجل أمية بن خلف . وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون . فهذه تسمية لأنها ذكر فيها النجم .
وسموها { سورة والنجم } بواو بحكاية لفظ القرآن الواقع في أوله وكذلك ترجمها البخاري في التفسير والترمذي في جامعه .
ووقعت في المصاحف بالوجه وهو من تسمية السورة بلفظ وقع في أولها وهو لفظ { النجم } أو حكاية لفظ { والنجم } .
وسموها { والنجم إذا هوى } كما في حديث زيد بن ثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : والنجم إذا هوى فلم يسجد } ، أي في زمن آخر غير الوقت الذي ذكره ابن مسعود وابن عباس . وهذا كله اسم واحد متوسع فيه فلا تعد هذه السورة بين السور ذوات أكثر من اسم .
وهي مكية ، قال ابن عطية : بإجماع المتأولين . وعن ابن عباس وقتادة : استثناء قوله تعالى { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم } الآية قالا : هي آية مدنية . وسنده ضعيف . وقيل : ونسب إلى الحسن البصري : أن السورة كلها مدنية ، وهو شذوذ .
وعن ابن مسعود هي أول سورة أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة .
وهي السورة الثالثة والعشرون في عد ترتيب السور . نزلت بعد سورة الإخلاص وقبل سورة عبس .
وعد الجمهور العادين آيها إحدى وستين ، وعدها أهل الكوفة أثنتين وستين .
قال ابن عطية : سبب نزولها أن المشركين قالوا : إن محمدا يتقول القرآن ويختلق أقواله ، فنزلت السورة في ذلك .
أول أغراضها تحقيق أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما نبلغه عن الله تعالى وإنه منزه عما ادعوه .
وإثبات أن القرآن وحي من عند الله بواسطة جبريل .
وتقريب صفة نزول جبريل بالوحي في حالين زيادة في تقرير أنه وحي من الله واقع لا محالة .
وإبطال قولهم في اللات والعزى ومناة بنات الله وأنها أوهام لا حقائق لها وتنظير قولهم فيها بقولهم في الملائكة أنهم إناث .
وذكر جزاء المعرضين والمهتدين وتحذيرهم من القول في هذه الأمور بالظن دون حجة .
وإبطال قياسهم عالم الغيب على عالم الشهادة وأن ذلك ضلال في الرأي قد جاءهم بضده الهدى من الله . وذكر لذلك مثال من قصة الوليدين المغيرة ، أو قصة ابن أبي سرح .
وتذكيرهم بما حل بالأمم ذات الشرك من قبلهم وبمن جاء قبل محمد صلى الله عليه وسلم من الرسل أهل الشرائع .
وإنذارهم بحادثة تحل بهم قريبا .
وما تخلل ذلك من معترضات ومستطردات لمناسبات ذكرهم عن أن يتركوا أنفسهم .
كلام موجه من الله تعالى إلى المشركين الطاعنين في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم .
و { النجم } : الكوكب أي الجرم الذي يبدو للناظرين لامعاً في جو السماء ليلاً .
أقسم الله تعالى بعظيم من مخلوقاته دال على عظيم صفات الله تعالى .
وتعريف { النجم } باللام ، يجوز أن يكون للجنس كقوله : { وبالنجم هم يهتدون } [ النحل : 16 ] وقوله : { والنجم والشجر يسجدان } [ الرحمن : 6 ] ، ويحتمل تعريف العهد . وأشهر النجوم بإطلاق اسم النجم عليه الثريّا لأنهم كانوا يوقتون بأزمان طلوعها مواقيت الفصول ونضج الثمار ، ومن أقوالهم : طلع النَّجم عِشاءَ فابتغى الراعي كمساءَ طَلع النجم غُذَيَّة وابتغى الراعي شُكَية تصغير شَكْوة وعاءٍ من جلد يوضع فيه الماء واللبن } يعنون ابتداء زمن البرد وابتداء زمن الحرّ .
وقيل { النجم } : الشعرى اليمانية وهي العبورُ وكانت معظمة عند العرب وعَبدتْها خُزاعة .
ويجوز أن يكون المراد ب { النجم } : الشهاب ، وبهُويه : سقوطه من مكانه إلى مكان آخر ، قال تعالى : { إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظاً من كل شيطان مارد } [ الصافات : 6 ، 7 ] وقال : { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين } [ الملك : 5 ] .
والقَسَم ب { النجم } لما في خَلقه من الدلالة على عظيم قدرة الله تعالى ، ألا ترى إلى قول الله حكاية عن إبراهيم { فلما جَنّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي } [ الأنعام : 76 ] .
وتقييد القَسَم بالنجم بوقت غروبه لإِشعار غروب ذلك المخلوق العظيم بعد أَوْجه في شرف الارتفاع في الأفق على أنه تسخير لقدرة الله تعالى ، ولذلك قال إبراهيم : { لا أحب الآفلين } [ الأنعام : 76 ] .
والوجه أن يكون { إذا هوى } بدل اشتمال من النجم ، لأن المرَاد من النجم أحواله الدالة على قدرة خالقه ومصرفه ومن أعظم أحواله حال هُويِّه ، ويكون { إذا } اسم زمان مجرداً عن معنى الظرفية في محل جر بحرف القسم ، وبذلك نتفادى من إشكال طَلب متعلق { إذَا } وهو إشكال أورده العلامة الجَنْزِي{[396]} على الزمخشري ، قال الطيبي وفي « المقتبس » قال الجَنْزِي : « فاوضتُ جارَ الله في قوله تعالى : { والنجم إذا هوى } ما العامل في { إذا } ؟ فقال : العامل فيه ما تعلّق به الواو ، فقلت : كيف يعمل فعل الحال في المستقبل وهذا لأن معنا أُقسم الآن ، وليس معناه أُقسم بعد{[397]} هذا فرجع وقال : العامل فيه مصدر محذوف تقديره : وهُوِيّ النجم إذا هَوَى ، فعرضته على زين المشائخ{[398]} فلم يستحسن قوله الثاني . والوجه أن { إذا } قد انسلخ عنه معنى الاستقبال وصار للوقت المجرد ، ونحوه : آتيك إذا احمرّ البسر ، أي وقت احمراره فقد عُرّي عن معنى الاستقبال لأنه وقعت الغنية عنه بقوله : آتيك اهـ . كلام الطيبي ، فقوله : فالوجه يحتمل أن يكون من كلام زين المشائخ أو من كلام صاحب « المقتبس » أو من كلام الطيبي ، وهو وجيه وهو أصل ما بنينا عليه موقع { إذَا } هنا ، وليس تردد الزمخشري في الجواب إلا لأنه يلتزم أن يكون { إذَا } ظرفاً للمستقبل كما هو مقتضى كلامه في « المفصَّل » مع أن خروجها عن ذلك كثير كما تواطأت عليه أقوال المحققين .
والهُوِيّ : السقوط ، أطلق هنا على غروب الكوكب ، استعير الهُوِيُّ إلى اقتراب اختفائه ويجوز أن يراد بالهوِيّ : سقوط الشهاب حين يلوح للناظر أنه يجري في أديم السماء ، فهو هويّ حقيقي فيكون قد استعمل في حقيقته ومجازه .
وفي ذكر { إذا هوى } احتراس من أن يتوهم المشركون أن في القسم بالنجم إقراراً لعبادة نجم الشعرى ، وأن القسم به اعتراف بأنه إله إذ كان بعض قبائل العرب يعبدونها فإن حالة الغروب المعبر عنها بالهُوِيِّ حالة انخفاض ومغيب في تخيّل الرّائي لأنهم يعُدُّون طلوع النجم أوجاً لشرفه ويعدون غروبه حَضيضاً ، ولذلك قال الله تعالى : { فلما أفل قال لا أحب الآفلين } [ الأنعام : 76 ] .
ومَن مناسبات هذا يجيء قوله : { وأنه هو رب الشعرى } في هذه السورة { 49 } ، وتلك اعتبارات لهم تخيلية شائعة بينهم فمن النافع موعظة الناس بذلك لأنه كاف في إقناعهم وصولاً إلى الحق .
فيكون قوله : { إذا هوى } إشعاراً بأن النجوم كلها مسخرة لقدرة الله مسيّرة في نظام أوْجدها عليه ولا اختيار لها فليست أهلاً لأن تعبد فحصل المقصود من القسم بما فيها من الدلالة على القدرة الإِلهية مع الاحتراس عن اعتقاد عبادتها .
وقال الراغب : قيل أراد بذلك أي ب { النجم } القرآن المنزل المنجم قدراً فقدراً ، ويعني بقوله : { هوى } نزوله اهـ .
ومناسبة القسم ب { النجم إذا هَوَى } ، أن الكلام مسوق لإثباتتِ أن القرآن وحي من الله منزل من السماء فشابَه حالُ نزوله الاعتباريِّ حال النجم في حالة هويِّه مشابهة تمثيلية حاصلة من نزول شيء منيرٍ إنارة معنوية نازل من محل رفعة معنوية ، شبه بحالة نزول نجم من أعلى الأفق إلى أسفله وهو من تمثيل المعقول بالمحسوس ، أو الإِشارة إلى مشابهة حالة نزول جبريل من السماوات بحالة نزول النجم من أعلى مكانه إلى أسفله ، أو بانقضاض الشهاب تشبيه محسوس بمحسوس ، وقد يشبهون سرعة الجري بإنقضاض الشهاب ، قال أوس بن حجر يصف فرساً :
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
سورة النجم مكية في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر، وقال ابن عباس وقتادة إلا آية وهي "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم".
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
وهذه السورة أول سورة أعلنها النبي صلى الله عليه و سلم وقرأها جهرا عند المشركين.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وهي أول سورة أعلن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهر بقراءتها في الحرم والمشركون يستمعون، وفيها سجد وسجد معه المؤمنون والمشركون والجن والإنس غير أبي لهب فإنه رفع حفنة من تراب الى جبهته وقال يكفيني هذا. وسبب هذه السورة ان المشركين قالوا إن محمدا يتقول القرآن ويختلق أقواله فنزلت السورة في ذلك...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
والصحيح أنها مكية لما روى ابن مسعود أنه قال: هي أول سورة أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة. وفي "البخاري " عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم (سجد بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس) وعن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد لها، فما بقي أحد من القوم إلا سجد، فأخذ رجل من القوم كفا من حصباء أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال: يكفيني هذا. قال عبدالله: فلقد رأيته بعد قتل كافرا، متفق عليه. الرجل يقال له أمية بن خلف.
وفي الصحيحين عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم سورة " والنجم إذا هوى " [النجم: 1] فلم يسجد. وقد مضى في آخر " الأعراف " القول في هذا والحمد لله.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
مقصودها: ذم الهوى لإنتاجه الضلال والعمى بالإخلاد إلى الدنيا التي هي دار الكدور والبلاء، والتصرم والفناء، ومدح العلم لإثماره الهدى في الإقبال على الأخرى لأنها دار البقاء في السعادة أو الشقاء، والحث على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في نذارته التي بينتها سورة ق وصدقتها الذاريات وأوقعتها وعينتها الطور كما تتبع في بشارته لأن علمه هو العلم لأنه لا ينطق عن الهوى لا في صريح الكناية، ولا في بيانه له لأن الكل عن الله الذي له صفات الكمال فلا بد من بعث الخلق إليه وحشرهم لديه لتظهر حكمته غاية الظهور فيرفع أهل التزكي والظهور، ويضع أهل الفجور، ويفضح كل متحل بالزور، متجل للشرور، وعلى ذلك دل اسمها النجم عن تأمل القسم والجواب وما نظم به من نجوم الكتاب.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هذه السورة في عمومها كأنها منظومة موسيقية علوية، منغمة، يسري التنغيم في بنائها اللفظي كما يسري في إيقاع فواصلها الموزونة المقفاة. ويلحظ هذا التنغيم في السورة بصفة عامة؛ ويبدو القصد فيه واضحا في بعض المواضع؛ وقد زيدت لفظة أو اختيرت قافية، لتضمن سلامة التنغيم ودقة إيقاعه -إلى جانب المعنى المقصود الذي تؤديه في السياق كما هي عادة التعبير القرآني- مثل ذلك قوله: (أفرأيتم اللات والعزى. ومناة الثالثة الأخرى).. فلو قال ومناة الأخرى ينكسر الوزن. ولو قال: ومناة الثالثة فقط يتعطل إيقاع القافية ولكل كلمة قيمتها في معنى العبارة. ولكن مراعاة الوزن والقافية كذلك ملحوظة. ومثلها كلمة (إذن) في وزن الآيتين بعدها: ألكم الذكر وله الأنثى؟ تلك إذا قسمة ضيزى! وكلمة (إذن) ضرورية للوزن. وإن كانت -مع هذا- تؤدي غرضا فنيا في العبارة... وهكذا.
ذلك الإيقاع ذو لون موسيقي خاص. لون يلحظ فيه التموج والانسياب. وبخاصة في المقطع الأول والمقطع الأخير من السورة. وهو يتناسق بتموجه وانسيابه مع الصور والظلال الطليقة المرفرفة في المقطع الأول. ومع المعاني واللمسات العلوية في المقطع الأخير. وما بينهما مما هو قريب منهما في الجو والموضوع.
والصور والظلال في المقطع الأول، تشع من المجال العلوي الذي تقع فيه الأحداث النورانية والمشاهد الربانية التي يصفها هذا المقطع. ومن الحركات الطليقة للروح الأمين وهو يتراءى للرسول الكريم.. والصور والظلال والحركات والمشاهد والجو الروحي المصاحب، تستمد وتمد ذلك الإيقاع التعبيري وتمتزج به، وتتناسق معه، وتتراءى فيه، في توافق منغم عجيب.
ثم يعم ذلك العبق جو السورة كله، ويترك آثاره في مقاطعها التالية، حتى تختم بإيقاع موح شديد الإيحاء مؤثر عميق التأثير. ترتعش له كل ذرة في الكيان البشري وترف معه وتستجيب.
وموضوع السورة الذي تعالجه هو موضوع السور المكية على الإطلاق: العقيدة بموضوعاتها الرئيسية: الوحي والوحدانية والآخرة. والسورة تتناول الموضوع من زاوية معينة تتجه إلى بيان صدق الوحي بهذه العقيدة ووثاقته، ووهن عقيدة الشرك وتهافت أساسها الوهمي الموهون!
والمقطع الأول في السورة يستهدف بيان حقيقة الوحي وطبيعته، ويصف مشهدين من مشاهده، ويثبت صحته وواقعيته في ظل هذين المشهدين؛ ويؤكد تلقي الرسول [صلى الله عليه وسلم] عن جبريل -عليه السلام- تلقي رؤية وتمكن ودقة، واطلاعه على آيات ربه الكبرى.
ويتحدث المقطع الثاني عن آلهتهم المدعاة: اللات والعزى ومناة. وأوهامهم عن الملائكة. وأساطيرهم حول بنوتها لله. واعتمادهم في هذا كله على الظن الذي لا يغني من الحق شيئا. بينما الرسول [صلى الله عليه وسلم] يدعوهم إلى ما دعاهم إليه عن تثبت ورؤية ويقين.
والمقطع الثالث يلقن الرسول [صلى الله عليه وسلم] الإعراض عمن يتولى عن ذكر الله ويشغل نفسه بالدنيا وحدها، ويقف عند هذا الحد لا يعلم وراءه شيئا. ويشير إلى الآخرة وما فيها من جزاء يقوم على عمل الخلق، وعلى علم الله بهم، منذ أنشأهم من الأرض، ومنذ كانوا أجنة في بطون أمهاتهم. فهو أعلم بهم من أنفسهم، وعلى أساس هذا العلم المستيقن -لا الظن والوهم- يكون حسابهم وجزاؤهم، ويصير أمرهم في نهاية المطاف.
والمقطع الرابع والأخير يستعرض أصول العقيدة -كما هي منذ أقدم الرسالات- من فردية التبعة، ودقة الحساب، وعدالة الجزاء. ومن انتهاء الخلق إلى ربهم المتصرف في أمرهم كله تصرف المشيئة المطلقة. ومع هذا لفتة إلى مصارع الغابرين المكذبين. تختم بالإيقاع الأخير: (هذا نذير من النذر الأولى. أزفت الآزفة. ليس لها من دون الله كاشفة. أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون، ولا تبكون، وأنتم سامدون؟ فاسجدوا لله واعبدوا).. حيث يلتقي المطلع والختام في الإيحاء والصور والظلال والإيقاع العام.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
سميت سورة النجم بغير واو في عهد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيح عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد بها فما بقي أحد من القوم إلا سجد فأخذ رجل كفا من حصباء أو تراب فرفعه إلى وجهه. وقال: يكفني هذا. قال عبد الله: فلقد رأيته بعد قتل كافرا. وهذا الرجل أمية بن خلف. وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون. فهذه تسمية لأنها ذكر فيها النجم.
وسموها سورة" والنجم "بواو بحكاية لفظ القرآن الواقع في أوله وكذلك ترجمها البخاري في التفسير والترمذي في جامعه.
ووقعت في المصاحف بالوجه وهو من تسمية السورة بلفظ وقع في أولها وهو لفظ النجم أو حكاية لفظ {والنجم}.
وسموها {والنجم إذا هوى} كما في حديث زيد بن ثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: "والنجم إذا هوى" فلم يسجد، أي في زمن آخر غير الوقت الذي ذكره ابن مسعود وابن عباس. وهذا كله اسم واحد متوسع فيه، فلا تعد هذه السورة بين السور ذوات أكثر من اسم.
وهي مكية، قال ابن عطية: بإجماع المتأولين. وعن ابن عباس وقتادة: استثناء قوله تعالى {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم} الآية قالا: هي آية مدنية. وسنده ضعيف. وقيل: ونسب إلى الحسن البصري: أن السورة كلها مدنية، وهو شذوذ.
وعن ابن مسعود هي أول سورة أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة...
أول أغراضها تحقيق أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما نبلغه عن الله تعالى وإنه منزه عما ادعوه.
وإثبات أن القرآن وحي من عند الله بواسطة جبريل.
وتقريب صفة نزول جبريل بالوحي في حالين زيادة في تقرير أنه وحي من الله واقع لا محالة.
وإبطال قولهم في اللات والعزى ومناة بنات الله وأنها أوهام لا حقائق لها وتنظير قولهم فيها بقولهم في الملائكة أنهم إناث.
وذكر جزاء المعرضين والمهتدين وتحذيرهم من القول في هذه الأمور بالظن دون حجة.
وإبطال قياسهم عالم الغيب على عالم الشهادة وأن ذلك ضلال في الرأي قد جاءهم بضده الهدى من الله. وذكر لذلك مثال من قصة الوليدين المغيرة، أو قصة ابن أبي سرح.
وتذكيرهم بما حل بالأمم ذات الشرك من قبلهم وبمن جاء قبل محمد صلى الله عليه وسلم من الرسل أهل الشرائع.
وإنذارهم بحادثة تحل بهم قريبا.
وما تخلل ذلك من معترضات ومستطردات لمناسبات ذكرهم عن أن يتركوا أنفسهم.
وأن القرآن حوى كتب الأنبياء السابقين.
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
تتضمن السورة توكيدا بصدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به من رؤيته المشاهد الربانية والملك الرباني وبصدق صلته بالوحي الرباني. وتزييفا لعقائد العرب بالأصنام والملائكة والشفاعة، وتنويها بالمؤمنين الصالحين. وتنديدا بالكفار المكذبين. وإنذارا بالآخرة والوقوف بين يدي الله، وتقريرا بعدم انتفاع الإنسان إلا بسعيه. وتذكيرا ببعض الأقوام السابقة، وما كان من تنكيل الله بهم بسبب تكذيبهم أنبياءه وتمردهم على دعوتهم إلى الله. وهي متوازنة الآيات مترابطة الفصول، مما يلهم أنها نزلت دفعة واحدة أو فصولا متتابعة. وقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية [32] مدنية وانسجامها مع ما قبلها وما بعدها نظما وموضوعا يحمل على التوقف في هذه الرواية.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وتعالج السورة الوحي كأساسٍ من أسس الحقيقة الإيمانية التي لا مجال للريب فيها، ولا تخلو من الإشارة إلى المعاد الذي يشكِّل عمق العقيدة ويوجّه الناس إلى المسؤولية في ما يفعلون أو يتركون، ليواجهوا نتائجها عندما يقفون غداً بين يدي الله. وفي هذا الجو كله نلتقي بالمبادئ الإسلامية التي تلتقي فيها العدالة بالمسؤولية الفردية، حيث يتحمل الإنسان وحده نتائج عمله، فلا يحمل أيُّ إنسانٍ مسؤولية عمل شخصٍ آخر غيره
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ويمكن تقسيم محتوى هذه السورة إلى سبعة أقسام: 1 بداية السورة تتحدّث بعد القَسَم العميق المغزى. عن حقيقة الوحي واتصال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرةً بمُنزل [بمبلغ] الوحي «جبريل» وتبيّن ذلك بجلاء، وتبرئ ساحة النّبي المقدّسة عن كلّ شيء سوى الوحي المنزل عليه. 2 وفي قسم آخر من هذه السورة يجري الكلام على معراج الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وجوانب منه بعبارات موجزة وغزيرة المعنى، له علاقة مباشرة بالوحي أيضاً.
ثمّ يجري الكلام عن خرافات المشركين في شأن الأصنام وعبادة الملائكة وأمور أخر ليس لها أي أساس إلاّ الهوى والهوس، ويعنّف المشركين في هذا المجال ويحذّرهم من عبادة الأوثان ويثبت هذا المعنى بمنطق قوي متين. 4 وفي قسم آخر منها يفتح القرآن سبيل التوبة بوجه المنحرفين وعامّة المذنبين، ويؤمّلهم بمغفرة الله الواسعة، ويؤكّد على أنّ كلاًّ مسؤول عن عمله، ولا تزر وازرة وزر أخرى.
وإكمالا لهذه الأهداف يأتي القسم الخامس من هذه السورة ليبيّن جوانب من مسألة المعاد ويقيم دليلا واضحاً على هذه المسألة بما هو موجود في النشأة الأولى الدنيا.
وكعادة القرآن في سائر السور ترد في هذه السورة إشارات لعواقب الأمم المؤلمة لعداوتهم للحقّ وعنادهم كما حدث لقوم نوح وثمود وعاد وقوم لوط ليتيقّظ الغافلون من نومتهم عن هذا الطريق.
وأخيراً فإنّ السورة تختتم بالأمر بالسجود لله وعبادته، ومن امتيازات هذه السورة قِصَرُ آياتها وإيقاع آياتها الخاصّ الذي ينفذ بمفاهيمها نفوذاً عميقاً، فيوقظ قلوب الغافلين ويحملها معه إلى السماوات العلى.
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
أقسم الله عز وجل ب: {والنجم إذا هوى} يقول: {ما كذب الفؤاد ما رأى}... وذلك أن كفار مكة قالوا: إن محمدا يقول هذا القرآن من تلقاء نفسه، فأقسم الله بالقرآن، فقال: {والنجم إذا هوى} يعني من السماء إلى محمد صلى الله عليه وسلم مثل قوله: {فلا أقسم بمواقع النجوم} [الواقعة:75]، وكان القرآن إذا نزل إنما ينزل نجوما ثلاث آيات وأربع ونحو ذلك، والسورة والسورتان. فأقسم الله بالقرآن، فقال: {ما ضل صاحبكم}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
{وَالنّجْمِ إِذَا هَوَىَ * مَا ضَلّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىَ}. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"والنّجْمِ إذَا هَوَى"؛
فقال بعضهم: عُنِي بالنجم: الثّريا، وعُنِي بقوله: إذَا هَوَى: إذا سقط، قالوا: تأويل الكلام: والثريا إذا سقطت...
وقال آخرون: معنى ذلك: والقرآن إذا نزل...
والصواب من القول في ذلك عندي... أنه عنى بالنجم في هذا الموضع: الثريا، وذلك أن العرب تدعوها النجم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{والنجم إذا هوى} قيل: المراد هو النجم نفسه؛ فأقسم به على أن محمدا صلى الله عليه وسلم ما ضلّ، وما غوى، على ما قاله الكَفَرة، وبه يقول الأصمّ.
وقيل: أراد بقوله: {والنجم إذا هوى} نزول القرآن نجما فنجمًا على التفاريق؛ أقسم بالقرآن أنه لم يضلّ، ولم يغْوِ.
وقال مجاهد: أقسم بالثُّريا إذا غاب، والعرب تسمّي الثّريا، وهي ستة أنجم ظاهرة، نجمًا. وقال أبو عُبَيدة: أقسم بالنجم إذا سقط في الغَورِ، كأنه لم يخصّ الثّريا دون غيرها.
فإن كان التأويل هو الأول، فهو لما جعل الله تعالى للنجوم محلاًّ في قلوب الخلق... وما جعل فيها من المنافع من معرفة القِبلة وطرق الأمكنة النائية ومعرفة الأوقات وغيرها مما يكثر عدُّها؛ فأقسم بنفسها أو بالذي أنشأ النجوم وما جعل فيها من المنافع أن محمدا صلى الله عليه وسلم ما ضلّ، وما غَوَى. وإن كان النجم هو النجوم التي أُنزل القرآن فيها نجوما على التفاريق، فالقَسَم بالذي أنزل القرآن على التّفاريق.
وقوله تعالى: {إذا هوى} أي سقط كقوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم} [الواقعة: 75] أي بمساقطها. والأشبه أن يكون قوله: {إذا هوى} أي إذا سارت النجوم سَيرًا دائبًا لأنها أبدا تكون في السير، وفي سيرها منافع الخلق من الاهتداء للطُّرق وغيرها، والله أعلم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
قوله "والنجم " قسم من الله تعالى. وقد بينا أن الله تعالى له أن يقسم بما يشاء من خلقه، وليس للعباد أن يحلفوا إلا به. وقال قوم: معناه ورب النجم فحذف المضاف وأقام المضاف اليه مقامه...
وقوله " إذا هوى " قيل: معناه إذا هوى للمغيب ودل على ما فيه من العبرة بتصريف من يملك طلوعه وغروبه، ولا يملك ذلك إلا الله تعالى...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
...عن بعضهم أنه قال: (والنجم إذا هوى) أي: تساقطت يوم القيامة أي: النجوم، وهو في معنى قوله تعالى: (وإذا النجوم انكدرت) أي: انتثرت.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
أقسم الله تعالى بهذا المخلوق تشريفاً له وتنبيهاً منه ليكون معتبراً فيه حتى تولى العبرة إلى معرفة الله تعالى. وقال الزهري، المعنى: ورب النجم، وفي هذا قلق مع لفظ الآية...
اللام في قوله تعالى: {والنجم} لتعريف العهد في قول ولتعريف الجنس في قول، والأول قول من قال: {والنجم} المراد منه الثريا، والثاني فيه وجوه:
(أحدها) النجم هو نجم السماء التي هي ثابتة فيها للاهتداء وقيل لا بل النجم المنقضة فيها التي هي رجوم للشياطين.
(ثانيها) نجوم الأرض وهي من النبات ما لا ساق له.
يظهر أن المختار هو النجوم التي هي في السماء لأنها أظهر عند السامع وقوله {إذا هوى} أدل عليه، ثم بعد ذلك القرآن أيضا فيه ظهور ثم الثريا...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{والنجم} {إذا هوى} أي نزل للأفول أو لرجم الشياطين عند الاستراق كما رواه عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما إن كان المراد السمائي، فكانت عنده العبادة والاستغفار والدعاء للملك الجبار بالأسحار، أو صعد فكان به اهتداء المصلي والقارئ والساري، فإنه يقال: هوى هوياً -بالفتح إذا سقط، وبالضم- إذا علا وصعد، أو نزل به الملك للإصعاد وللإبعاد إن كان المراد القرآني لما يحصل من البركات في الدين والدنيا والشرح للصدور، والاطلاع على عجائب المقدور، أو إذا سقط منبسطاً على الأرض أو ارتفع عنها إن كان المراد النبات، لما فيه من غريب الصنعة وجليل التقدير الدال على عام القدرة وكمال العلم والتوحد بالملك والغنى المطلق.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
وأقسم بالنجوم على صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي الإلهي، لأن في ذلك مناسبة عجيبة، فإن الله تعالى جعل النجوم زينة للسماء، فكذلك الوحي وآثاره زينة للأرض، فلولا العلم الموروث عن الأنبياء، لكان الناس في ظلمة أشد من الليل البهيم. والمقسم عليه، تنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن الضلال في علمه، والغي في قصده، ويلزم من ذلك أن يكون مهتديا في علمه، هاديا، حسن القصد، ناصحا للأمة بعكس ما عليه أهل الضلال من فساد العلم، وفساد القصد
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى. علمه شديد القوى. ذو مرة فاستوى. وهو بالأفق الأعلى. ثم دنا فتدلى. فكان قاب قوسين أو أدنى. فأوحى إلى عبده ما أوحى. ما كذب الفؤاد ما رأى. أفتمارونه على ما يرى؟ ولقد رآه نزلة أخرى. عند سدرة المنتهى. عندها جنة المأوى. إذ يغشى السدرة ما يغشى. ما زاغ البصر وما طغى. لقد رأى من آيات ربه الكبرى)..
في هذا المطلع نعيش لحظات في ذلك الأفق الوضيء الطليق المرفرف الذي عاش فيه قلب محمد -صلوات الله وسلامه عليه- ونرف بأجنحة النور المنطلقة إلى ذلك الملأ الأعلى؛ ونستمع إلى الإيقاع الرخي المنساب، في جرس العبارة وفي ظلالها وإيحائها على السواء.
نعيش لحظات مع قلب محمد [صلى الله عليه وسلم] مكشوفة عنه الحجب، مزاحة عنه الأستار. يتلقى من الملأ الأعلى. يسمع ويرى، ويحفظ ما وعى. وهي لحظات خص بها ذلك القلب المصفى؛ ولكن الله يمن على عباده، فيصف لهم هذه اللحظات وصفا موحيا مؤثرا. ينقل أصداءها وظلالها وإيحاءها إلى قلوبهم. يصف لهم رحلة هذا القلب المصفى، في رحاب الملأ الأعلى. يصفها لهم خطوة خطوة، ومشهدا مشهدا، وحالة حالة، حتى لكأنهم كانوا شاهديها.
ويبدأ الوصف الموحي بقسم من الله سبحانه: (والنجم إذا هوى).. وحركة تلألؤ النجم ثم هويه ودنوه. أشبه بمشهد جبريل المقسم عليه: (وهو بالأفق الأعلى. ثم دنا فتدلى. فكان قاب قوسين أو أدنى. فأوحى إلى عبده ما أوحى).. وهكذا يبدأ التناسق والتوافق في المشهد والحركة والظل والإيقاع منذ اللحظة الأولى.
(والنجم إذا هوى).. وقد رويت تفسيرات مختلفة للنجم المقصود في هذا القسم. وأقرب ما يرد على الذهن أنها إشارة إلى الشعرى، التي كان بعضهم يعبدها. والتي ورد ذكرها في السورة فيما بعد في قوله: (وأنه هو رب الشعرى).. وقد كان للشعرى من اهتمام الأقدمين حظ كبير. ومما هو معروف أن قدماء المصريين كانوا يوقتون فيضان النيل بعبور الشعرى بالفلك الأعلى. ويرصدونها من أجل هذا ويرقبون حركاتها. ولها شأن في أساطير الفرس وأساطير العرب على السواء. فالأقرب أن تكون هذه الإشارة هنا إليها. ويكون اختيار مشهد هوي النجم مقصودا للتناسق الذي أشرنا إليه. ولمعنى آخر هو الإيحاء بأن النجم مهما يكن عظيما هائلا فإنه يهوي ويتغير مقامه. فلا يليق أن يكون معبودا. فللمعبود الثبات والارتفاع والدوام.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
كلام موجه من الله تعالى إلى المشركين الطاعنين في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
و {النجم}: الكوكب أي الجرم الذي يبدو للناظرين لامعاً في جو السماء ليلاً.
أقسم الله تعالى بعظيم من مخلوقاته دال على عظيم صفات الله تعالى.
وتعريف {النجم} باللام، يجوز أن يكون للجنس كقوله: {وبالنجم هم يهتدون} [النحل: 16] وقوله: {والنجم والشجر يسجدان} [الرحمن: 6]، ويحتمل تعريف العهد. وأشهر النجوم بإطلاق اسم النجم عليه الثريّا لأنهم كانوا يوقتون بأزمان طلوعها مواقيت الفصول ونضج الثمار...
وقيل {النجم}: الشعرى اليمانية وهي العبورُ، وكانت معظمة عند العرب وعَبدتْها خُزاعة.
ويجوز أن يكون المراد ب {النجم}: الشهاب، وبهُويه: سقوطه من مكانه إلى مكان آخر، قال تعالى: {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظاً من كل شيطان مارد} [الصافات: 6، 7] وقال: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين} [الملك: 5].
والقَسَم ب {النجم} لما في خَلقه من الدلالة على عظيم قدرة الله تعالى، ألا ترى إلى قول الله حكاية عن إبراهيم {فلما جَنّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي} [الأنعام: 76].
وتقييد القَسَم بالنجم بوقت غروبه لإِشعار غروب ذلك المخلوق العظيم بعد أَوْجه في شرف الارتفاع في الأفق على أنه تسخير لقدرة الله تعالى، ولذلك قال إبراهيم: {لا أحب الآفلين} [الأنعام: 76].
والوجه أن يكون {إذا هوى} بدل اشتمال من النجم، لأن المرَاد من النجم أحواله الدالة على قدرة خالقه ومصرفه ومن أعظم أحواله حال هُويِّه...
والهُوِيّ: السقوط، أطلق هنا على غروب الكوكب، استعير الهُوِيُّ إلى اقتراب اختفائه ويجوز أن يراد بالهوِيّ: سقوط الشهاب حين يلوح للناظر أنه يجري في أديم السماء، فهو هويّ حقيقي فيكون قد استعمل في حقيقته ومجازه.
وفي ذكر {إذا هوى} احتراس من أن يتوهم المشركون أن في القسم بالنجم إقراراً لعبادة نجم الشعرى، وأن القسم به اعتراف بأنه إله إذ كان بعض قبائل العرب يعبدونها، فإن حالة الغروب المعبر عنها بالهُوِيِّ حالة انخفاض ومغيب في تخيّل الرّائي لأنهم يعُدُّون طلوع النجم أوجاً لشرفه ويعدون غروبه حَضيضاً، ولذلك قال الله تعالى: {فلما أفل قال لا أحب الآفلين} [الأنعام: 76].
ومَن مناسبات هذا يجيء قوله: {وأنه هو رب الشعرى} في هذه السورة {49}، وتلك اعتبارات لهم تخيلية شائعة بينهم فمن النافع موعظة الناس بذلك لأنه كاف في إقناعهم وصولاً إلى الحق.
فيكون قوله: {إذا هوى} إشعاراً بأن النجوم كلها مسخرة لقدرة الله مسيّرة في نظام أوْجدها عليه ولا اختيار لها فليست أهلاً لأن تعبد فحصل المقصود من القسم بما فيها من الدلالة على القدرة الإِلهية مع الاحتراس عن اعتقاد عبادتها.
وقال الراغب: قيل أراد بذلك أي ب {النجم} القرآن المنزل المنجم قدراً فقدراً، ويعني بقوله: {هوى} نزوله اهـ.
ومناسبة القسم ب {النجم إذا هَوَى}، أن الكلام مسوق لإثباتِ أن القرآن وحي من الله منزل من السماء فشابَه حالُ نزوله الاعتباريِّ حال النجم في حالة هويِّه مشابهة تمثيلية حاصلة من نزول شيء منيرٍ إنارة معنوية نازل من محل رفعة معنوية، شبه بحالة نزول نجم من أعلى الأفق إلى أسفله وهو من تمثيل المعقول بالمحسوس، أو الإِشارة إلى مشابهة حالة نزول جبريل من السماوات بحالة نزول النجم من أعلى مكانه إلى أسفله، أو بانقضاض الشهاب تشبيه محسوس بمحسوس...