المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ إِذۡنِهِۦۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (3)

3- إن ربكم - أيها الناس - هو الله الذي خلق السماوات والأرض وما فيهما في ستة أيام{[88]} لا يعلم إلا الله مداها . ثم هيْمن - بعظيم سلطانه - وحده ، ودبَّر أمور مخلوقاته ، فليس لأحد سلطان مع الله في شيء ، ولا يستطيع أحد من خلقه أن يشفع لأحد إلا بإذنه . ذلكم الله الخالق ، هو ربكم وولي نعمتكم فاعبدوه - وحده - وصدقوا رسوله ، وآمنوا بكتابه . فعليكم أن تذكروا نعمة الله وتتدبروا آياته الدالة على وحدانيته .


[88]:خلق الله الكون بأسره في ست مراحل، وتتضمن المرحلة أحقابا برمتها، وتلك المراحل التي عبر عنها بالأيام الستة تسخير للشمس والقمر والنجوم لفائدة البشر، وكذلك تعاقب الليل والنهار، وأن النهار طارئ على ظلام السماء، وذكر الليل أولا لأن الظلام هو الأصل، فأما النهار: فقد نشأ بسبب تناثر ضوء الشمس في جو الأرض التي تدور حول نفسها وتعرضه للإشعاع الشمسي.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ إِذۡنِهِۦۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (3)

قوله تعالى : { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر } ، يقضيه وحده ، { ما من شفيع إلا من بعد إذنه } ، معناه : أن الشفعاء لا يشفعون إلا بإذنه ، وهذا رد عل النضر بن الحارث فإنه كان يقول : إذا كان يوم القيامة تشفعني اللات والعزى .

قوله تعالى : { ذلكم الله ربكم } ، يعنى : الذي فعل هذه الأشياء ربكم لا رب لكم سواه ، { فاعبدوه أفلا تذكرون } ، تتعظون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ إِذۡنِهِۦۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (3)

1

( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، ثم استوى على العرش ، يدبر الأمر ، ما من شفيع إلا من بعد إذنه . ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون ? إليه مرجعكم جميعا ، وعد الله حقا ، إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ، ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ، والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون . هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب . ما خلق الله ذلك إلا بالحق ، يفصل الآيات لقوم يعلمون ، إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون ) .

وهذه هي القضية الأساسية الكبرى في العقيدة . قضية الربوبية . . فقضية الألوهية لم تكن محل إنكار جدي من المشركين . فهم كانوا يعتقدون بوجود الله - لأن الفطرة البشرية لا تستطيع التخلي عن الاعتقاد بوجود إله لهذا الكون إلا في حالات نادرة منحرفة شديدة الانحراف - ولكنهم كانوا يشركون مع الله أربابا يتوجهون إليهم بالعبادة .

إما ليقربوهم إلى الله زلفى ويكونوا لهم شفعاء عنده كما كانوا يزاولون خصائص الربوبية فيشرعون لأنفسهم ما لم يأذن به الله .

والقرآن الكريم لا يدخل في جدل ذهني جاف بصدد قضية الألوهية والربوبية - كالذي جد فيما بعد بتأثير المنطق اليوناني والفلسفة الإغريقية - إنما يلمس المنطق الفطري الواضح البسيط المباشر :

إن الله هو الذي خلق السماوات والأرض وما فيهن . وجعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل . وقدر اختلاف الليل والنهار . . هذه الظواهر البارزة التي تلمس الحس ، وتوقظ القلب لو تفتح وتدبرهاتدبر الواعي المدرك . . إن الله الذي خلق هذا ودبره هو الذي يليق أن يكون رباً يدين له البشر بالعبودية ولا يشركون به شيئاً من خلقه . . أليست قضية منطقية حية واقعية ، لا تحتاج إلى كد ذهن ، ولا إلى بحث وراء الأقيسة الجدلية التي يعلكها الذهن باردة جافة ، ولا تدفئ القلب مرة ولا تستجيش الوجدان ? !

إن هذا الكون الهائل . سماواته وأرضه . شمسه وقمره . ليله ونهاره . وما في السماوات والأرض من خلق ، ومن أمم ومن سنن ، ومن نبات ومن طير ومن حيوان ، كلها تجري على تلك السنن . .

إن هذا الليل الطامي السادل الشامل ، الساكن إلا من دبيب الرؤى والأشباح . وهذا الفجر المتفتح في سدف الليل كابتسامة الوليد الراضي . وهذه الحركة يتنفس بها الصبح فيدب النشاط في الحياة والأحياء . وهذه الظلال الساربة يحسبها الرائى ساكنة وهي تدب في لطف . وهذا الطير الرائح الغادي القافز الواثب الذي لا يستقر على حال . وهذا النبت النامي المتطلع أبدا إلى النمو والحياة . وهذه الخلائق الذاهبة الآيبة في تدافع وانطلاق . وهذه الأرحام التي تدفع والقبور التي تبلغ ، والحياة ماضية في طريقها كما شاء الله . .

إن هذا الحشد من الصور والظلال ، والأنماط والأشكال ، والحركات والأحوال ، والرواح والذهاب ، والبلى والتجدد ، والذبول والنماء ، والميلاد والممات ، والحركة الدائبة في هذا الكون الهائل التي لا تني ولا تتوقف لحظة من ليل أو نهار . .

إن هذا كله ليستجيش كل خالجة في كيان الإنسان للتأمل والتدبر والتأثر ، حين يستيقظ القلب ، ويتفتح لمشاهدة الآيات المبثوثة في ظواهر الكون وحناياه . . والقرآن الكريم يعمد مباشرة إلى إيقاظ القلب والعقل لتدبر هذا الحشد من الصور والآيات .

( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ) . .

إن ربكم الذي يستحق الربوبية والعبادة هو هذا الخالق ، الذي خلق السماوات والأرض . خلقها في تقدير وحكمه وتدبير :

( في ستة أيام ) .

حسب ما اقتضت حكمته أن يتم تركيبها وتنسيقها وتهيئتها لما أراده الله .

ولا ندخل في تحديد هذه الأيام الستة ، فهي لم تذكر هنا لنتجه إلى تحديد مداها ونوعها . إنما ذكرت لبيان حكمة التقدير والتدبير في الخلق حسب مقتضيات الغاية من هذا الخلق ، وتهيئته لبلوغ هذه الغاية . .

وعلى أية حال فالأيام الستة غيب من غيب الله ، الذي لا مصدر لإدراكه إلا هذا المصدر . فعلينا أن نقف عنده ولا نتعداه . والمقصود بذكرها هو الإشارة إلى حكمة التقدير والتدبير والنظام ، الذي يسير به الكون من بدئه إلى منتهاه .

( ثم استوى على العرش ) . .

والاستواء على العرش . كناية عن مقام السيطرة العلوية الثابتة الراسخة ، باللغة التي يفهمها البشر ويتمثلون بها المعاني ، على طريقة القرآن في التصوير [ كما فصلنا هذا في فصل التخييل الحسي والتجسيم من كتاب التصوير الفني في القرآن ] .

و( ثم )هنا ليست للتراخي الزماني ، إنما هي للبعد المعنوي . فالزمان في هذا المقام لا ظل له . وليست هناك حالة ولا هيئة لم تكن لله - سبحانه - ثم كانت . فهو - سبحانه - منزه عن الحدوث وما يتعلق به من الزمانوالمكان . لذلك نجزم بأن( ثم )هنا للبعد المعنوي ، ونحن آمنون من أننا لم نتجاوز المنطقة المأمونة التي يحق فيها للعقل البشري أن يحكم ويجزم . لأننا نستند إلى قاعدة كلية في تنزيه الله سبحانه عن تعاقب الهيئات والحالات ، وعن مقتضيات الزمان والمكان .

( يدبر الأمر ) . .

ويقدر أوائله وأواخره ، وينسق أحواله ومقتضياته ، ويرتب مقدماته ونتائجه ، ويختار الناموس الذي يحكم خطواته وأطواره ومصائره .

( ما من شفيع إلا من بعد إذنه ) .

فالأمر كله له ، والحكم كله إليه . وما من شفعاء يقربون إلى اللّه زلفى . وما من شفيع من خلقه إلا حيث يأذن له بالشفاعة ، وفقاً لتدبيره وتقديره ، واستحقاق الشفاعة بالإيمان والعمل الصالح ، لا بمجرد التوسل بالشفعاء . . وهذا يواجه ما كانوا يعتقدونه من أن للملائكة التي يعبدون تماثيلها شفاعة لا ترد عند الله !

ذلكم اللّه الخالق المدبر الحاكم الذي لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه . . ( ذلكم الله ربكم ) . . الخليق بالربوبية( فاعبدوه )فهو الذي يستحق الدينونة له دون سواه . . ( أفلا تذكرون )? . . فالأمر من الثبوت والوضوح بحيث لا يحتاج إلا لمجرد التذكر لهذه الحقيقة المعروفة . .

ونقف لحظة أمام قوله تعالى بعد عرض دلائل الألوهية في السماوات والأرض :

( ذلكم الله ربكم فاعبدوه ) . .

وقد قلنا : إن قضية الألوهية لم تكن محل إنكار جدي من المشركين ، فقد كانوا يعترفون بأن الله - سبحانه - هو الخالق الرازق المحي المميت المدبر المتصرف القادر على كل شيء . . ولكن هذا الاعتراف لم تكن تتبعه مقتضياته . فلقد كان من مقتضى هذا الاعتراف بألوهية الله على هذا المستوى أن تكون الربوبية له وحده في حياتهم . . والربوبية تتمثل في الدينونة له وحده ؛ فلا يتقدمون بالشعائر التعبدية إلا له ؛ ولا يحكمون في أمرهم كله غيره . . وهذا معنى قوله تعالى :

( ذلكم الله ربكم فاعبدوه ) . .

فالعبادة هي العبودية ، وهي الدينونة ، وهي الاتباع والطاعة ، مع إفراد الله سبحانه بهذه الخصائص كلها ، لأنها من مقتضيات الاعتراف بالألوهية .

وفي الجاهليات كلها ينحسر مجال الألوهية . ويظن الناس أن الاعتراف بالألوهية في ذاته هو الإيمان ؛ وأنه متى اعترف الناس بأن الله إلههم فقد بلغوا الغاية ؛ دون أن يرتبوا على الألوهية مقتضاها وهو الربوبية . . أي الدينونة لله وحده ليكون هو ربهم الذي لا رب غيره ، وحاكمهم الذي لا سلطان لأحد إلا بسلطانه . .

كذلك ينحسر معنى " العبادة " في الجاهلية ، حتى يقتصر على مجرد تقديم الشعائر . ويحسب الناس أنهم متى قدموا الشعائر لله وحده ، فقد عبدوا الله وحده . . بينما كلمة العبادة ابتداء مشتقة من عبد . و " عبد " تفيد ابتداء " دان وخضع " . وما الشعائر إلا مظهر واحد من مظاهر الدينونة والخضوع لا يستغرق كل حقيقة الدينونة ولا كل مظاهرها .

والجاهلية ليست فترة من الزمان ، ولا مرحلة من المراحل . إنما هي انحسار معنى الألوهية على هذا النحو ، ومعنى العبادة . هذا الانحسار الذي يؤدي بالناس إلى الشرك وهم يحسبون أنهم في دين الله ! كما هو الحال اليوم في كل بلاد الأرض ، بما فيها البلاد التي يتسمى أهلها بأسماء المسلمين ، ويؤدون الشعائر للّه ، بينما أربابهم غير اللّه ، لأن ربهم هو الذي يحكمهم بسلطانه وشريعته ، وهو الذي يدينون له ويخضعون لأمره ونهيه ، ويتبعون ما يشرعه لهم ، وبذلك يعبدونه كما قال رسول الله [ ص ] " . . . فاتبعوهم . فذلك عبادتهم إياهم " . [ في حديث عدي بن حاتم الذي أخرجه الترمذي ] .

ولتوكيد معنى العبادة المقصود جاء في السورة ذاتها قوله تعالى : ( قل : أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا . قل : آلله أذن لكم أم على الله تفترون ? ) . .

وما نحن فيه اليوم لا يفترق في شيء عما كان عليه أهل الجاهلية هؤلاء الذين يناديهم الله بقوله :

( ذلكم الله ربكم فاعبدوه . أفلا تذكرون ! ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ إِذۡنِهِۦۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (3)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ رَبّكُمُ اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَىَ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبّرُ الأمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكّرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : إن ربكم الذي له عبادة كلّ شيء ، ولا تنبغي العبادة إلا له ، هو الذي خلق السموات السبع والأرضين السبع في ستة أيام ، وانفرد بخلقها بغير شريك ولا ظهير ، ثم استوى على عرشه مدبرا للأمور وقاضيا في خلقه ما أحبّ ، لا يضادّه في قضائه أحد ولا يتعقب تدبيره متعقب ولا يدخل أموره خلل . ما مِنْ شَفِيعٍ إلاّ مِنْ بَعْدِ إذْنِهِ يقول : لا يشفع عنده شافع يوم القيامة في أحد إلا من بعد أن يأذن في الشفاعة . ذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمْ يقول جلّ جلاله : هذا الذي هذه صفته سيدكم ومولاكم لا من لا يسمع ، ولا يبصر ، ولا يدبر ، ولا يقضي من الاَلهة والأوثان . فاعْبُدُوهُ يقول : فاعبدوا ربكم الذي هذه صفته ، وأخلصوا له العبادة ، وأفردوا له الألوهة والربوبية بالذلة منكم له دون أوثانكم وسائر ما تشركون معه في العبادة . أفَلا تَذَكّرُونَ يقول : أفلا تتعظون وتعتبرون بهذه الاَيات والحجج ، فتنيبون إلى الإذعان بتوحيد ربكم وإفراده بالعبادة ، وتجمعون الأنداد وتبرءون منها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يُدَبّرُ الأمْرَ قال : يقضيه وحده .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الأعلى ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد : يُدَبّرُ الأمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إلاّ مِنْ بَعْدِ إذْنِهِ قال : يقضيه وحده .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يُدَبّرُ الأمْرَ قال : يقضيه وحده .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ إِذۡنِهِۦۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (3)

{ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض } التي هي أصول الممكنات . { في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبّر الأمر } يقدر أمر الكائنات على ما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته ويهيئ بتحريكه أسبابها وينزلها منه ، والتدبير النظر في أدبار الأمور لتجيء محمودة العاقبة . { ما من شفيع إلا من بعد إذنه } تقرير لعظمته وعز جلاله ، ورد على من زعم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله وفيه إثبات الشفاعة لمن أذن له { ذلكم الله } أي الموصوف بتلك الصفات المقتضية للألوهية والربوبية . { ربكم } لا غير إذ لا يشاركه أحد في شيء من ذلك . { فاعبدوه } وحدوه بالعبادة . { أفلا تذكّرون } تتفكرون أدنى تفكر فينبهكم على أنه المستحق للربوبية والعبادة لا ما تعبدونه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ إِذۡنِهِۦۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (3)

هذا ابتداء دعاء إلى عبادة الله عز وجل وإعلام بصفاته ، والخطاب بها لجميع الناس ، و { خلق السماوات والأرض } هو على ما تقرر أن الله عز وجل خلق الأرض { ثم استوى } إلى السماء وهي دخان فخلقها ، ثم دحا الأرض بعد ذلك ، وقوله { في ستة أيام } قيل هي من أيام الآخرة ، وقال الجمهور ، وهو الصواب : بل من أيام الدنيا .

قال القاضي أبو محمد : وذلك في التقدير لأن الشمس وجريها لم يتقدم حينئذ وقول النبي صلى الله عليه وسلم في خلق الله المخلوقات ( إن الله ابتدأ يوم الأحد كذا ويوم كذا كذا ) إنما هو على أن نقدر ذلك الزمان ونعكس إليه التجربة من حين ابتدأ ترتيب اليوم والليلة ، والمشهور أن الله ابتدأ بالخلق يوم الأحد ، ووقع في بعض الأحاديث في كتاب مسلم وفي الدلائل أن البداءة وقعت يوم السبت{[6008]} وذكر بعض الناس أن الحكمة في خلق الله تعالى هذه الأشياء في مدة محدودة ممتدة وفي القدرة أن يقول كن فيكون إنما هو ليعلم عباده التؤدة والتماهل في الأمور .

قال القاضي أبو محمد : وهذا مما لا يوصل إلى تعليله ، وعلى هذا هي الأجنة في البطون وخلق الثمار وغير ذلك ، والله عز وجل قد جعل لكل شيء قدراً وهو أعلم بوجه الحكمة . وقوله { ثم استوى على العرش } قد تقدم القول فيه في { المص } [ الأعراف : 1 ] وقوله { يدبر الأمر } يصح أن يريد ب { الأمر } اسم الجنس من الأمور ويحتمل أن يريد { الأمر } الذي هو مصدر أمر يأمر ، وتدبيره لا إله إلا هو إنما هو الإنفاذ لأنه قد أحاط بكل شيء علماً ، وقال مجاهد : { يدبر الأمر } معناه يقضيه وحده ، وقوله { ما من شفيع الا من بعد إذنه } رد على العرب في اعتقادها أن الأصنام تشفع لها{[6009]} ، وقوله { ذلكم } إشارة الى الله تعالى أي هذا الذي هذه صفاته فاعبدوه ، ثم قررهم على هذه الآيات والعبر فقال { أفلا تذكرون } أي فيكون التذكر سبباً للاهتداء ، واختصار القول في قوله { ثم استوى على العرش } [ إما ] أن يكون { استوى } بقهره وغلبته وإما أن يكون { استوى } بمعنى استولى إن صحت اللفظة في اللسان ، فقد قيل في قول الشاعر :

قد استوى بشر على العراق*** من غير سيف ودم مهراق

إنه بيت مصنوع . وإما أن يكون فعل فعلاً في العرش سماه { استوى } واستيعاب القول قد تقدم{[6010]} .


[6008]:- عبارة ابن عطية هنا تدل على أنه يشك في صحة هذه الرواية، بدليل قوله: "ووقع في بعض الأحاديث"، والحقيقة المشهورة عند العلماء أن الله بدأ الخلق يوم الأحد، وأن مدة الخلق كانت ستة أيام بنص القرآن الكريم. ومعنى ذلك أن هذه الرواية تتعارض مع الآية فلا بد من إسقاطها أو تأويلها، ولا يمنع من ذلك ورودها في صحيح مسلم غفر الله لنا وله، وقد تكلم كثير من الحفاظ في هذا الحديث. والله أعلم.
[6009]:- قال بعض العلماء: فماذا إذا ادّعوا الإذن لها وقالوا: إنها تشفع بعد أن يؤذن لها، والآية لا تنفي الإذن؟ يقال: ولن يأذن لها لأنها ليست أهلا للشفاعة.
[6010]:- في الآية (54) من سورة (الأعراف). واللغويون لهم آراء كثيرة في معنى (استوى) أشهرها أنه بمعنى: استولى وظهر، وقد سئل مالك بن أنس رضي الله عنه: كيف استوى؟ فقال: "الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ إِذۡنِهِۦۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (3)

استئناف ابتدائي للاستدلال على تفرد الله تعالى بالإلهية . وإنما أوقع هنا لأن أقوى شيء بَعثَ المشركين على ادعاء أن ما جاء به النبي سحر هو أنه أبطل الشركاء لله في الإلهية ونفاها عن آلهتهم التي أشركوا بها فقالوا : { أجعل الآلهةَ إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب } [ ص : 5 ] فلا جرم أن أعقب إنكار إحالتهم ذلك بإقامة الدليل على ثبوته .

والخطاب للمشركين ، ولذلك أكد الخبر بحرف التوكيد ، وأوقع عقبه { أفلا تذكرون } [ يونس : 2 ] ، فهو التفات من الغيبة في قوله : { أكَانَ للناس عجباً وقوله قال الكافرون } . وقد مضى القول في نظير صدر هذه الآية في سورة الأعراف إلى قوله : { ثم استوى على العرش } .

وقوله : { الله } خبر { إن } ، كما دل عليه قوله بعده : { ذالكم الله ربكم فاعبدوه } .

وجملة { يدبر الأمر } في موضع الحال من اسم الجلالة ، أو خبر ثان عن { ربكم } .

والتدبير : النظر في عواقب المقدرات وعوائقها لقصد إيقاعها تامة فيما تقصد له محمودةَ العاقبة .

والغاية من التدبير الإيجاد والعملُ على وفق ما دُبر . وتدبير الله الأمور عبارة عن تمام العلم بما يخلقها عليه ، لأن لفظ التدبير هو أوفى الألفاظ اللغوية بتقريب إتقان الخلق .

والأمر : جنس يعم جميع الشؤون والأحوال في العالم . وتقدم في قوله { وقلَّبوا لك الأمور } في سورة [ براءة : 48 ] .

وفي إجراء هذه الصفات على الله تعالى تعريض بالرد على المشركين إذ جعلوا لأنفسهم آلهة لا تخلق ولا تعلم ؛ كما قال تعالى : { لا يخلُقون شيئاً وهم يخلقون } [ النحل : 20 ] . ولذلك حسن وقع جملة { ما من شفيع إلا من بعد إذنه } عقب جملة : { الذي خلق } بتمامها ، لأن المشركين جعلوا آلهتهم شفعاء فإذا أنذروا بغضب الله يقولون : { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } [ يونس : 18 ] ، أي حُماتنا من غضبه . فبعد أن وُصف الإله الحق بما هو منتف عن آلهتهم نُفِي عن آلهتهم وصْف الشفاعة عند الله وحماية المغضوب عليهم منه .

وأكد النفي ب { من } التي تقع بعد حرف النفي لتأكيد النفي وانتفاء الوصف عن جميع أفراد الجنس الذي دخلت ( من ) على اسمه بحيث لم تبق لآلهتهم خصوصية .

وزيادة { إلاّ مِنْ بعد إذنه } احتراس لإثبات شفاعة محمَّد صلى الله عليه وسلم بإذن الله ، قال تعالى : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } [ الأنبياء : 28 ] . والمقصود من ذلك نفي الشفاعة لآلهتهم من حيث إنهم شركاء لله في الإلهية ، فشفاعتهم عنده نافذة كشفاعة الند عند نده . والشفاعة تقدمت عند قوله تعالى : { ولا يقبل منها شفاعة } في سورة [ البقرة : 48 ] . وكذلك الشفيع تقدم عند قوله : { فهل لنا من شفعاء } في سورة [ الأعراف : 53 ] .

وموقع جملة : { ما من شفيع } مثل موقع جمله : { يدبر الأمر } .

وجملة : { ذلكم الله ربكم } ابتدائية فذلكةٌ للجمل التي قبلها ونتيجة لها ، وهي معترضة بين تلك الجمل وبين الجملة المفرعَة عليها ، وهي جملة : { فاعبدوه } ، وتأكيد لمضمون الجملة الأصلية وهي جملة : { إن ربكم الله } .

والإتيان في صدرها باسم الإشارة لتمييزه أكمل تمييز ، لأنهم امتروا في صفة الإلهية وضلوا فيها ضلالاً مبيناً ، فكانوا أحرياء بالإيقاظ بطريق اسم الإشارة ، وللتنبيه على أن المشار إليه حقيق بما سيذكر بعد اسم الإشارة من حيث إنه اتصف بتلك الأوصاف التي أشير إليه من أجلها ، فإن خالق العوالم بغاية الإتقان والمقدرة ومالك أمرها ومدبر شؤونها والمتصرفَ المطلق مستحقٌ للعبادة نظير الإشارة في قوله : { أولئك على هدى من ربهم } [ البقرة : 5 ] بعد قوله : { للمتقين الذين يؤمنون بالغيب إلى قوله : هم يوقنون } [ البقرة : 2 4 ] .

وفُرّع على كونه ربهم أن أمروا بعبادته ، والمفرَّعُ هو المقصود من الجملة وما قبله مؤكد لجملة : { إن ربكم الله } تأكيداً بفذلكة وتحصيل . والتقديرُ : إن ربكم الله إلى قوله : { فاعبدوه } ، كقوله : { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحُوا } [ يونس : 58 ] إذ وقع قوله ( فبذلك ) تأكيداً لجملة بفضل الله وبرحمته . وأوقع بعده الفرع وهو ( فليفرحوا ) . والتقدير : قل بفضل الله وبرحمته فليفرحوا بذلك .

والمقصود من العبادة العبادة الحق التي لا يشرك معه فيها غيره ، بقرينة تفريع الأمر بها على الصفات المنفرد بها الله دون معبوداتهم .

وجملة : { أفلا تذَّكَّرون } ابتدائية للتقريع . وهو غرض جديد ، فلذلك لم تعطف ، فالاستفهام إنكار لانتفاء تذكرهم إذْ أشركوا معه غيره ولم يتذكروا في أنه المنفرد بخلق العوالم وبملكها وبتدبير أحوالها .

والتذكُّر : التأمل . وهو بهذه الصيغة لا يطلق إلا على ذكر العقل لمعقولاته ، أي حركته في معلوماته ، فهو قريب من التفكر ؛ إلا أن التذكر لما كان مشتقاً من مادة الذكر التي هي في الأصل جريَان اللفظ على اللسان ، والتي يعبر بها أيضاً عن خطور المعلوم في الذهن بعد سهوه وغيبته عنه كان مشعراً بأنه حركة الذهن في معلومات متقررة فيه من قبل .

فلذلك أوثر هنا دون { لعلكم تتفكرون } [ البقرة : 219 ] للإشارة إلى أن الاستدلال على وحدانية الله تعالى قد تقررَ في النفوس بالفطرة ، وبما تقدم لهم من الدعوة والأدلة فيكفي في الاستدلال مجرد إخطار هذه الأدلة في البال .