غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ إِذۡنِهِۦۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (3)

1

ثم لما أنكر عليهم تعجبهم من الأمور المذكورة وهي الواسطة أراد أن يقيم البرهان عليها بإثبات المبدأ ويبين غايتها بإثبات المعاد وذلك في آيتين متواليتين . وقد مر في الأعراف تفسير قوله : { إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش } فلا حاجة إلى الإعادة .

ثم ذكر ما يدل على مزيد عظمته وجلاله وأنه لا يخرج أمر من الأمور من قضائه وتقديره فقال : { يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه } وإنما فقد العاطف لأنهما كالتفسير والتفصيل لما دل عليه قوله : { إن ربكم الله } الخ . والأمر الشأن أراد به أحوال الخلق وأحوال ملكوت المسوات والأرض والعرش . والمعنى أنه يقضي ويقدر بمقتضى الحكمة ويفعل ما يفعله المصيب في أفعاله الناظر في أدبار الأمور وعواقبها لئلا يدخل في الوجود ما لا ينبغي . قال الزجاج : إن الكفار الذين خوطبوا بهذه الآية كانوا يقولون إن الأصنام شفعاؤنا عند الله فرد الله عليهم بأنه ليس لأحد أن يشفع إليه في شيء إلا بعد إذنه لأنه أعلم بموضع الحكمة والصواب فلا يجوز لهم أن يسألوه ما لا يعلمون أنه صواب وصلاح . ففي قوله : { يدبر الأمر } إشارة إلى استقلاله في التصرف جانب المبدأ ، وفي قوله { ما من شفيع } إشارة إلى استقلاله في طرف المعاد . ويمكن أن يقال : المراد أنه خلق العالم على أحسن الوجوه وأقربها من الأصلح مع أنه ما كان هناك شفيع يشفع في تحصيل المصالح فدل ذلك على أنه محسن إلى عباده مريد للخير والرأفة بهم كامل العناية بأحوالهم . قال أبو مسلم : الشفيع معناه الثاني من الشفع الذي يخالف الوتر أي خلق السموات والأرض وحده ولا حي معه ولا شريك يعينه ثم خلق الملائكة والثقلين ، والمراد أنه لم يدخل في الوجود أحد إلا من بعد أن قال له : «كن » حتى كان وحصل . ثم أشار إلى المعلوم بالأوصاف المذكورة فقال : { ذلكم الله ربكم } الذي يستأهل منكم العبادة بإزاء النعم الجسام من خلق السموات والأرض بما فيهما وعليهما { فاعبدوه } وحده { أفلا تذكرون } فيه تنبيه على وجوب الاعتبار والنظر في الدلائل الدالة على عظمته وجلاله .

/خ10