جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ إِذۡنِهِۦۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (3)

{ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام } كهذه الأيام أو كل يوم كألف سنة ، { ثم استوى{[2127]} على العرش } ، الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والسؤال عنه بدعة ، { يدبر الأمر } : يقدر أمر الكائنات على مقتضى حكمته ، { ما من شفيع إلا من بعد إذنه{[2128]} }رد على المشركين أن آلهتهم شفعاء لهم ، { ذلكم الله } أي : الموصوف بتلك الصفات العظيمة ، { ربكم } لا غير ، { فاعبدوه } وحده ، { أفلا تذكرون } في أمركم أيها المشركون .


[2127]:قال البخاري في صحيحه في كتاب الرد على الجهمية قال أبو العالية: استوى على السماء ارتفع، وقال مجاهد: استوى على العرش علا على العرش وقعت هذه العبارة في النسخة المطبوعة الأحمدي، وقال محي السنة في معالم التنزيل: قال الكلبي ومقاتل: استقر، وقال أبو عبيدة: صعد، وأولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء، فأما أهل السنة يقولون: الاستواء على العرش صفة لله تعالى بلا كيف يجب على الرجل الإيمان به وبكل العلم فيه إلى الله عز وجل، وقال أيضا في سورة البقرة تحت قوله تعالى: "ثم استوى السماء" (البقرة: 29)، قال ابن عباس، وأكثر مفسري السلف: أي ارتفع إلى السماء ونقل الحافظ الذهبي في كتاب العلو عن إسحاق بن راهويه أنه قال: سمعت غير واحد من المفسرين يقول: "الرحمن على العرش استوى"، أي: ارتفع ونقل عن محمد بن جرير الطبري أنه قال: "ثم استوى على العرش الرحمن" (طه: 5)، أي: علا وارتفع، قال الشيخ سلام الله بن الشيخ عبد الحق الدهلوي في حاشية على الجلالين المعروف بالكمالين عن أم سلمة والإمام جعفر الصادق والحسن وأبي حنيفة ومالك أن الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وروى البيهقي عن أبي حنيفة أن الله في السماء دون الأرض وعنه قال: من أنكر الله في السماء فقد كفر، وقال الشافعي إن الله على عرشه في سماءه يقرب من خلقه كيف شاء، ونزل كيف شاء، وثل ذلك قال أحمد، وقال إسحاق: إنه أجمع أهل العلم أنه فوق العرش استوى ويعلم كل شيء وهو قول المزني والبخاري وأبي داود والترمذي وابن ماجه وأبي يعلى والبيهقي وغيرهم من أئمة الحديث، وقال إبراهيم: من الحلية طريقنا طريق السلف المتبعين لكتاب الله والإجماع ومما اعتقدوه أن الله لم يزل كاملا بجميع صفاته إلى أن قال: إن الأحاديث التي يثبت في العرش والاستواء عليه يقولون بها و يثبتونها من غير تكييف ولا تمثيل وأنه بائن من خلقه انتهى ما في الكمالين بلفظه، وقال شيخ الإسلام صفوة العارفين أبو محمد عبد القادر الجيلاني في كتاب الغنيمة الموجود بأيدي الناس: أما معرفة الصانع أن تعرف وتوقن أن الله واحد أحد إلى أن قال: وهو بجهة العلو مستوي على العرش محيط علمه بالأشياء "إليه يصعد الكلم الطيب" (فاطر: 10)، "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه" الآية (السجدة: 5)، ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، بل يقال: إنه في السماء على العرش كما قال: {الرحمن على العرش استوي} (طه:5)، وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل وأنه استواء الذات على العرش و كونه سبحانه و تعالى على العرش – مذكور في كل كتاب أنزل على نبي أرسل- بلا كيف وذكر كلاما طولا اختصرته من شاء الاطلاع على تمامه فيرجع إلى كتابه المذكور المطبوع المتداول بين الناس والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
[2128]:تقرير لعظمته وعز جلاله ورد على من زعم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله وفيه إثبات الشفاعة لمن أذن/ بيضاوي.