المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ رَجُلٖ مِّنۡهُمۡ أَنۡ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنَّ لَهُمۡ قَدَمَ صِدۡقٍ عِندَ رَبِّهِمۡۗ قَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٞ مُّبِينٌ} (2)

2- ما كان للناس أن يَعجبوا ويُنكروا وحْينا إلى رجل منهم ( محمد ) ، ليُحذّر الناس من عذاب الله ، ويُبَشّر الذين آمنوا منهم بأن لهم منزلة عالية عند ربهم ، لا يتخلف وعد الله ، وما كان لهؤلاء المنكرين أن يقولوا عن محمد - رسولنا - : إنه ساحر واضح أمره .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ رَجُلٖ مِّنۡهُمۡ أَنۡ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنَّ لَهُمۡ قَدَمَ صِدۡقٍ عِندَ رَبِّهِمۡۗ قَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٞ مُّبِينٌ} (2)

قوله تعالى : { أكان للناس عجبا } ، العجب : حالة تعتري الإنسان من رؤية شيء على خلاف العادة . وسبب نزول الآية : أن الله عز وجل لما بعث محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا ، قال المشركون : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا ، فقال تعالى : { أكان للناس } يعني : أهل مكة ، الألف فيه للتوبيخ ، { عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم } ، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، { أن أنذر الناس } ، أي : أعلمهم مع التخويف ، { وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم } ، واختلفوا فيه : قال ابن عباس : أجرا حسنا بما قدموا من أعمالهم . قال الضحاك : ثواب صدق . قال الحسن عمل صالح أسلفوه يقدمون عليه . وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال : هو السعادة في الذكر الأول . وقال زيد بن أسلم : هو شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم . وقال عطاء : مقام صدق لا زوال له ، ولا بؤس فيه . وقيل : منزلة رفيعة . وأضيف القدم إلى الصدق وهو نعته ، كقولهم مسجد الجامع ، وحب الحصيد ، وقال أبو عبيدة : كل سابق في خير أو شر فهو عند العرب قدم ، يقال : لفلان قدم في الإسلام ، وله عندي قدم صدق وقدم سوء ، وهو يؤنث فيقال : قدم حسنة ، وقدم صالحة . { قال الكافرون إن هذا لساحر مبين } . قرأ نافع وأهل البصرة والشام : لسحر بغير ألف يعنون القرآن ، وقرأ ابن كثير وأهل الكوفة : { لساحر } بالألف يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ رَجُلٖ مِّنۡهُمۡ أَنۡ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنَّ لَهُمۡ قَدَمَ صِدۡقٍ عِندَ رَبِّهِمۡۗ قَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٞ مُّبِينٌ} (2)

1

( أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس ، وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ? قال الكافرون . إن هذا لساحر مبين ) :

سؤال استنكاري . يستنكر هذا العجب الذي تلقى به الناس حقيقة الوحي منذ كانت الرسل .

لقد كان السؤال الدائم الذي قوبل به كل رسول : أبعث الله بشرا رسولا ? ومبعث هذا السؤال هو عدم إدراك قيمة " الإنسان " . عدم إدراك الناس أنفسهم لقيمة " الإنسان " الذي يتمثل فيهم . فهم يستكثرون على بشر أن يكون رسول الله ، وأن يتصل الله به - عن طريق الوحي - فيكلفه هداية الناس . إنهم ينتظرون أن يرسل الله ملكا أو خلقا آخر أعلى رتبة من الإنسان عند الله . غير ناظرين إلى تكريم الله لهذا المخلوق ؛ ومن تكريمه أن يكون أهلا لحمل رسالته ؛ وأن يختار من بين أفراده من يتصل بالله هذا الاتصال الخاص . هذه كانت شبهة الكفار المكذبين على عهد الرسول [ ص ] وشبهة أمثالهم في القرون الأولى . فأما في هذا العصر الحديث فيقيم بعض الناس من أنفسهم لأنفسهم شبهة أخرى لا تقل تهافتا عن تلك !

إنهم يسألون : كيف يتم الاتصال بين بشر ذي طبيعة مادية وبين الله المخالف لطبيعة كل شيء مما خلق . والذي ليس كمثله شيء ?

وهو سؤال لا يحق لأحد أن يسأله إلا أن يكون قد أحاط علما بحقيقة الله سبحانه وطبيعة ذاته الإلهية ، كما أحاط علما بكل خصائص الإنسان التي أودعها الله إياه . وهو ما لا يدعيه أحد يحترم عقله ، ويعرف حدود هذا العقل . بل يعرف أن خصائص الإنسان القابلة للكشف ما يزال يكشف منها جديد بعد جديد ، ولم يقف العلم بعد حتى يقال : إنه أدرك كل الخصائص الإنسانية القابلة للإدراك . فضلا على أنه ستبقى وراء إدراك العلم والعقل دائما آفاق من المجهول بعد آفاق !

ففي الإنسان اذن طاقات مجهولة لا يعلمها إلا الله . والله أعلم حيث يجعل رسالته في الإنسان ذي الطاقة التي تحمل هذه الرسالة . وقد تكون هذه الطاقة مجهولة للناس ، ومجهولة لصاحبها نفسه قبل الرسالة . ولكن الله الذي نفخ في هذا الإنسان من روحه عليم بما تنطوي عليه كل خلية ، وكل بنية ، وكل مخلوق ؛ وقادر على أن يطوع الإنسان هذا الاتصال الخاص بكيفية لا يدركها إلا من ذاقها وأوتيها .

ولقد جهد ناس من المفسرين المحدثين في إثبات الوحي عن طريق العلم للتقريب . ونحن لا نقر هذا المنهج من أساسه . فللعلم ميدان . هو الميدان الذي يملك أدواته . وللعلم آفاق هي الآفاق التي يملك أدوات كشفها ومراقبتها . والعلم لم يدع أنه يعرف شيئا حقيقا عن الروح . فهي ليست داخلة في نطاق عمله لأنها ليست شيئا قابلا للاختبار المادي الذي يملك العلم وسائله . لذلك تجنب العلم الملتزم للأصول العلمية أن يدخل في ميدان الروح . أما ما يسمى " بالعلوم الروحانية " فهي محاولات وراءها الريب والشكوك في حقيقتها وفي أهدافها كذلك ! ولا سبيل إلى معرفة شيء يقيني في هذا الميدان إلا ما جاءنا من مصدر يقيني كالقرآن والحديث وفي الحدود التي جاء فيها بلا زيادة ولا تصرف ولا قياس . إذ أن الزيادة والتصرف والقياس عمليات عقلية .

والعقل هنا في غير ميدانه ، وليس معه أدواته . لأنه لم يزود بأدوات العمل في هذا الميدان .

( أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ? ) .

فهذه خلاصة الوحي : إنذار الناس بعاقبة المخالفة ، وتبشير المؤمنين بعقبى الطاعة . وهذا يتضمن بيان التكاليف الواجبة الاتباع وبيان النواهي الواجبة الاجتناب . فهذا هو الإنذار والتبشير ومقتضياتهما على وجه الإجمال .

والإنذار للناس جميعا . فكل الناس في حاجة إلى التبليغ والبيان والتحذير : والبشرى للذين آمنوا وحدهم . وهو يبشرهم هنا بالطمأنينة والثبات والاستقرار . . تلك المعاني التي توحي بها كلمة [ صدق ] مضافة إلى القدم . في جو الإنذار والتخويف . . " قدم صدق " . . قدم ثابتة راسخة موقنة لا تتزعزع ولا تضطرب ولا تتزلزل ولا تتردد ، في جو الإنذار وفي ظلال الخوف ، وفي ساعات الحرج . . ( قدم صدق عند ربهم ) . . في الحضرة التي تطمئن فيها النفوس المؤمنة . حينما تتزلزل القلوب والأقدام .

وحكمة الله واضحة في الإيحاء إلى رجل منهم . رجل يعرفهم ويعرفونه ، يطمئنون إليه ويأخذون منه ويعطونه ، بلا تكلف ولا جفوة ولا تحرج . أما حكمته في إرسال الرسل فهي أوضح ، والإنسان مهيأ بطبعه للخير والشر ، وعقله هو أداته للتمييز . ولكن هذا العقل في حاجة إلى ميزان مضبوط يعود إليه دائما كلما غم عليه الأمر ، وأحاطت به الشبهات ، وجذبته التيارات والشهوات ، وأثرت فيه المؤثرات العارضة التي تصيب البدن والأعصاب والمزاج ، فتتغير وتتبدل تقديرات العقل أحيانا من النقيض إلى النقيض . هو في حاجةإلى ميزان مضبوط لا يتأثر بهذه المؤثرات ليعود إليه ، وينزل على إرشاده ، ويرجع إلى الصواب على هداه .

وهذا الميزان الثابت العادل هو هدى الله وشريعة الله .

وهذا يقتضي أن تكون لدين الله حقيقة ثابتة يرجع إليها العقل البشري بمفهوماته كلها ؛ فيعرضها على هذا الميزان الثابت ، وهناك يعرف صحيحها من خاطئها . . والقول بأن دين الله هو دائما " مفهوم البشر لدين الله " وأنه من ثم " متطور في أصوله " يعرض هذه القاعدة الأساسية في دين الله - وهي ثبات حقيقته وميزانه - لخطر التميع والتأرجح والدوران المستمر مع المفهومات البشرية . بحيث لا يبقي هنالك ميزان ثابت تعرض عليه المفهومات البشرية . .

والمسافة قصيرة بين هذا القول ، والقول بأن الدين من صنع البشر . . فالنتيجة النهائية واحدة ، والمزلق خطر وخطير للغاية ، والمنهج بجملته يستوجب الحذر الشديد . . منه ومن نتائجه القريبة والبعيدة . .

ومع وضوح قضية الوحي على هذا النحو ، فإن الكافرين يستقبلونها كما لو كانت أمرا عجيبا :

( قال الكافرون : إن هذا لساحر مبين ) . .

ساحر لأن ما ينطق به معجز . وأولى لهم - لو كانوا يتدبرون - أن يقولوا : نبي يوحى إليه لأن ما ينطق به معجز . فالسحر لا يتضمن من الحقائق الكونية الكبرى ومن منهج الحياة والحركة ، ومن التوجيه والتشريع ما يقوم به مجتمع راق ، وما يرتكز عليه نظام متفرد . .

ولقد كان يختلط عندهم الوحي بالسحر ، لاختلاط الدين بالسحر في الوثنيات كلها ؛ ولم يكن قد وضح لهم ما يتضح للمسلم حين يدرك حقيقة دين الله ؛ فينجو من هذه الوثنيات وأوهامها وأساطيرها .