المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)

16- ألم يحن الوقت للذين آمنوا أن ترق قلوبهم لذكر الله والقرآن الكريم ، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى ، عملوا به مدة فطال عليهم الزمن ، فجمدت قلوبهم وكثير منهم خارجون عن حدود دينهم ؟ .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)

قوله عز وجل : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } قال الكلبي ومقاتل : نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة ، وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا : حدثنا عن التوراة ، فإن فيها العجائب ، فنزلت : { نحن نقص عليك أحسن القصص }( يوسف- 3 ) ، فأخبرهم أن القرآن أحسن قصصاً من غيره ، فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ، ثم عادوا فسألوا سلمان عن مثل ذلك فنزل : { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً }( الزمر- 23 ) ، فكفوا عن سؤاله ما شاء الله ثم عادوا فقالوا : حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت هذه الآية . فعلى هذا التأويل ، قوله { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } يعني في العلانية وباللسان . وقال الآخرون نزلت في المؤمنين . قال عبد الله بن مسعود : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } إلا أربع سنين . وقال ابن عباس : إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن ، فقال : { ألم يأن } ألم يحن { للذين آمنوا أن تخشع } : ترق وتلين وتخضع قلوبهم لذكر الله ، { وما نزل } قرأ نافع ، وحفص عن عاصم بتخفيف الزاي ، وقرأ الآخرون بتشديدها ، { من الحق } وهو القرآن ، { ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل } وهم اليهود والنصارى ، { فطال عليهم الأمد } الزمان بينهم وبين أنبيائهم ، { فقست قلوبهم } قال ابن عباس : مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ الله ، والمعنى أن الله عز وجل ينهى المؤمنين أن يكونوا في صحبة القرآن كاليهود والنصارى الذين قست قلوبهم لما طال عليهم الدهر . روي أن أبا موسى الأشعري بعث إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرؤوا القرآن فقال لهم : أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم . { وكثير منهم فاسقون } يعني الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام . { اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)

{ 16-17 } { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

لما ذكر حال المؤمنين والمؤمنات والمنافقين والمنافقات في الدار الآخرة ، كان ذلك مما يدعو القلوب إلى الخشوع لربها ، والاستكانة لعظمته ، فعاتب الله المؤمنين [ على عدم ذلك ] ، فقال : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ }

أي : ألم يجئ{[983]}  الوقت الذي تلين به قلوبهم{[984]}  وتخشع لذكر الله ، الذي هو القرآن ، وتنقاد لأوامره وزواجره ، وما نزل من الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ؟ وهذا فيه الحث على الاجتهاد على خشوع القلب لله تعالى ، ولما أنزله من الكتاب والحكمة ، وأن يتذكر المؤمنون المواعظ الإلهية والأحكام الشرعية كل وقت ، ويحاسبوا أنفسهم على ذلك ، { وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ } أي : ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب والانقياد التام ، ثم لم يدوموا عليه ، ولا ثبتوا ، بل طال عليهم الزمان واستمرت بهم الغفلة ، فاضمحل إيمانهم وزال إيقانهم ، { فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } فالقلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تذكر بما أنزل له الله ، وتناطق بالحكمة ، ولا ينبغي الغفلة عن ذلك ، فإن ذلك{[985]}  سبب لقسوة القلب وجمود العين .


[983]:- في ب: ألم يأت.
[984]:- في ب: الذي به تلين قلوبكم.
[985]:- في ب: فإنه.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)

وقوله تعالى : { ألم يأن } الآية ابتداء معنى مستأنف ، وروي أنه كثر المزاح والضحك في بعض تلك المدة في قوم من شبان المسلمين فنزلت هذه الآية . وقال ابن مسعود : مل الصحابة ملة فنزلت الآية . ومعنى : { ألم يأن } ألم يحن ، ويقال : أنى الشيء يأني ، إذا حان ومنه قول الشاعر : [ الوافر ]

تمخضت المنون له بيوم . . . أنى ولكل حاملة تمام{[10976]}

وقرأ الحسن بن أبي الحسن : «ألما يأن » . وروي عنه أنه قرأ «ألم يين » .

وهذه الآية على معنى الحض والتقريع ، قال ابن عباس : عوتب المؤمنون بهذه الآية بعد ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن ، وسمع الفضل بن موسى قارئاً يقرأ هذه الآية ، والفضل يحاول معصية ، فكانت الآية سبب توبته . وحكى الثعلبي عن ابن المبارك أنه في صباه حرك العود ليضربه ، فإذا به قد نطق بهذه الآية ، فتاب ابن المبارك وكسر العود وجاءه التوفيق{[10977]} . والخشوع : الإخبات والتطامن ، وهي هيئة تظهر في الجوارح متى كانت في القلب ، فلذلك خص تعالى القلب بالذكر . وروى شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أول ما يرفع من الناس الخشوع »{[10978]} .

وقوله تعالى : { لذكر الله } أي لأجل ذكر الله ووحيه الذي بين أظهرهم ، ويحتمل أن يكون المعنى : لأجل تذكير الله إياهم وأوامره فيهم .

وقرأ عاصم في رواية حفص ونافع : «وما نزَل » مخفف الزاي . وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم : «نزّل » بشد الزاي على معنى : نزّل الله من الحق . وقرأ أبو عمرو في رواية عباس وهي قراءة الجحدري وابن القعقاع : «نزِّل » بكسر الزاي وشدها . وقرأ نافع وأبو عمرو والأعرج وأبو جعفر : «ولا يكونوا » بالياء على ذكر الغيب .

وقرأ حمزة فيما روى عنه سليم : ولا تكونوا «بالتاء على مخاطبة الحضور .

والإشارة في قوله : { أوتوا الكتاب } إلى بني إسرائيل المعاصرين لموسى عليه السلام ، وذلك قال : { من قبل } وإنما شبه أهل عصر نبي بأهل عصر نبي . و : { الأمد } قيل معناه : أمد انتظار الفتح ، وقيل أمد انتظار القيامة وقيل أمد الحياة . و : { قست } معناه : صلبت وقل خيرها وانفعالها للطاعات وسكنت إلى معاصي الله ، ففعلوا من العصيان والمخالفة ما هو مأثور عنهم .


[10976]:هذا البيت في اللسان غير منسوب، وفي التاج منسوبا إلى عمرو بن حسان بن ثابت، وتمخض: تحرك وتهيأ، والمنون: المنية، وأنى: حان، يقول: إن المنون أتت له بهذا اليوم الذي لابد أن يأتي، وقد أدرك وبلغ كما أن كل حاملة لابد أن يتم حملها.
[10977]:ابن المبارك: هو عبد الله بن المبارك المروزي، من بني حنظلة، وحكاية الثعلبي بهذه الصيغة غير منطقية ولا صحيحة، ولهذا جاءت في بعض النسخ بصيغة أخرى هي: "حرك العود ليضربه فسمع قارئا ينطق بهذه الآية..." الخ.
[10978]:أخرجه الطبراني في الكبير عن شداد بن أوس، وقد رمز له الإمام السيوطي في الجامع الصغير بأنه حديث حسن، وزاد في الدر المنثور نسبته إلى ابن المنذر، وعبد بن حميد. وعبد الرزاق.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"أَلمْ يَأَنِ للّذِينَ آمَنُوا": ألم يحن للذين صدّقوا الله ورسوله أن تلين قلوبهم لذكر الله، فتخضع قلوبهم له، ولما نزل من الحقّ، وهو هذا القرآن الذي نزّله على رسوله صلى الله عليه وسلم...

وقوله: "وَلا يَكُونُوا كالّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْل فَطالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ "يقول تعالى ذكره: ألم يأن لهم أن ولا يكونوا، يعني الذين آمنوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم "كالّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ" يعني من بني إسرائيل، ويعني بالكتاب الذي أوتوه من قبلهم التوراة والإنجيل... عن إبراهيم، قال: جاء عتريس ابن عرقوب إلى ابن مسعود، فقال: يا عبد الله هلك من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر، فقال عبد الله: هلك من لم يعرف قلبه معروفا، ولم ينكر قلبه منكرا...

ويعني بقوله: "فَطالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ" ما بينهم وبين موسى صلى الله عليه وسلم، وذلك الأمد الزمان...

وقوله: "فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ" عن الخيرات، واشتدّت على السكون إلى معاصي الله. "وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ" يقول جلّ ثناؤه: وكثير من هؤلاء الذين أوتوا الكتاب من قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم فاسقون.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

الآية في المؤمنين الذين حققوا الإيمان بالله ورسوله، وهو مخرج على وجهين:

أحدهما: {ألم يأن} أي قد أنى {أن تخشع قلوبهم لذكر الله} بالنظر والتأمل في ذلك، فيحملهم ذلك على خشوع قلوبهم، كقوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون} [الأنفال: 2] جعل وصف المؤمنين أن توجل قلوبهم عند ذكر الله، ويزداد لهم الإيمان واليقين بالنظر فيه والتفكر وفهم ما فيه، والله أعلم.

والثاني: {ألم يأن} أي قد أنى {للذين آمنوا أن} تقطع شهواتهم وأمانيهم في الدنيا، وتخشع قلوبهم لذكر الله {ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب} أي لا تغفلوا عن كتاب الله وذكره، ولا تتركوا النظر فيه والتفكر، فتغفلوا عما فيه {فقست قلوبهم} فلا تكونوا أنتم كهم، فتقسو قلوبكم كما قست قلوبهم.

{وكثير منهم فاسقون} أي كثير من أولئك الذين أوتوا الكتاب فاسقون لتركهم النظر في الكتاب...

أحكام القرآن للجصاص 370 هـ :

{فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ} الآية، يدل على أن كثرة المعاصي ومساكنتها وأُلْفَها تقسّي القلب وتبعد من التوبة، وهو نحو قوله: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} [المطففين: 14]...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

وفي {أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكْر اللَّهِ} ثلاثة تأويلات:

...

...

...

...

...

...

...

....

الثاني: أن تذل قلوبهم من خشية الله.

الثالث: أن تجزع قلوبهم من خوف الله.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{أَلَمْ يَأْنِ} من أنى الأمر يأني، إذا جاء إناه، أي: وقته...وعن الحسن رضي الله عنه: أما والله لقد استبطأهم وهم يقرؤون من القرآن أقل مما تقرؤون، فانظروا في طول ما قرأتم منه وما ظهر فيكم من الفسق...

وأنزل {وَلاَ يَكُونُواْ} عطف على تخشع... فإن قلت: ما معنى: {لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الحق}؟ قلت: يجوز أن يراد بالذكر وبما نزل من الحق: القرآن؛ لأنه جامع للأمرين: للذكر والموعظة، وأنه حق نازل من السماء، وأن يراد خشوعها إذا ذكر الله وإذا تلى القرآن...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{ألم يأن} الآية ابتداء معنى مستأنف، وروي أنه كثر المزاح والضحك في بعض تلك المدة في قوم من شبان المسلمين فنزلت هذه الآية...

وهذه الآية على معنى الحض والتقريع.. والخشوع: الإخبات والتطامن، وهي هيئة تظهر في الجوارح متى كانت في القلب، فلذلك خص تعالى القلب بالذكر. وقوله تعالى: {لذكر الله} أي لأجل ذكر الله ووحيه الذي بين أظهرهم، ويحتمل أن يكون المعنى: لأجل تذكير الله إياهم وأوامره فيهم.

{قست} معناه: صلبت وقل خيرها...

زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :

{أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} المعنى: أنه يجب أن يورثهم الذكر خشوعا...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

عتاب فيه الود، وفيه الحض، وفيه الاستجاشة إلى الشعور بجلال الله، والخشوع لذكره، وتلقي ما نزل من الحق بما يليق بجلال الحق من الروعة والخشية والطاعة والاستسلام، مع رائحة التنديد والاستبطاء في السؤال: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق؟).. وإلى جانب التحضيض والاستبطاء تحذير من عاقبة التباطؤ والتقاعس عن الاستجابة، وبيان لما يغشى القلوب من الصدأ حين يمتد بها الزمن بدون جلاء، وما تنتهي إليه من القسوة بعد اللين حين تغفل عن ذكر الله، وحين لا تخشع للحق: (ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل، فطال عليهم الأمد، فقست قلوبهم، وكثير منهم فاسقون).. وليس وراء قسوة القلوب إلا الفسق والخروج. إن هذا القلب البشري سريع التقلب، سريع النسيان. وهو يشف ويشرق فيفيض بالنور، ويرف كالشعاع؛ فإذا طال عليه الأمد بلا تذكير ولا تذكر تبلد وقسا، وانطمست إشراقته، وأظلم وأعتم! فلا بد من تذكير هذا القلب حتى يذكر ويخشع، ولا بد من الطرق عليه حتى يرق ويشف؛ ولا بد من اليقظة الدائمة كي لا يصيبه التبلد والقساوة.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والمقصود من {الذين آمنوا}: إما بعض منهم ربما كانوا مقصرين عن جمهور المؤمنين يومئذٍ بمكة فأراد الله إيقاظ قلوبهم بهذا الكلام المجمل على عادة القرآن وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم في التعريض...

فالمراد ب {الذين آمنوا} المؤمنون حقاً لا من يُظهرون الإيمان من المنافقين إذ لم يكن في المسلمين بمكة منافقون ولا كان دَاع إلى نِفاق بعضهم. وعن ابن مسعود « لما نزلت جعل بَعضنا ينظر إلى بعض ونَقول: ما أحدثْنا». وإما أن يكون تحريضاً للمؤمنين على مراقبة ذلك والحذرِ من التقصير. والهمزة في {ألم يأن} للاستفهام وهو استفهام مستعمل في الإنكار، أي إنكار نفي اقتراب وقت فاعل الفعل. ويجوز أن يكون الاستفهام للتقرير على النفي...

{ذِكْر الله} ما يذكرهم به النبي صلى الله عليه وسلم أو هو الصلاة.

ويجوز أن تجعل (لا) حرف نهي وتعلق النهي بالغائب التفاتاً أو المراد: أَبْلِغْهم أن لا يكونوا. وفاء {فطال عليهم الأمد} لتفريع طول الأمد على قسوة القلوب من عدم الخشوع، فهذا التفريع خارج عن التشبيه الذي في قوله: {كالذين أوتوا الكتاب من قبل}، ولكنه تنبيه على عاقبة ذلك التشبيه تحذيراً من أن يصيبهم مثل ما أصاب الذين أوتوا الكتاب من قبل والأمد: الغاية من مكان أو زمان والمراد به هنا: المدة التي أوصوا بأن يحافظوا على اتباع شرائعهم فيها المغيَّاةُ بمجيء الرسول صلى الله عليه وسلم المبشر في الشرائع...والمعنى: أنهم نَسُوا ما أوصوا به فخالفوا أحكام شرائعهم ولم يخافوا عقاب الله يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً، وصار ديدناً لهم رويداً رويداً حتى ضرئوا بذلك، فقست قلوبهم، أي تمردت على الاجتراء على تغيير أحكام الدين.وجملة {وكثير منهم فاسقون} اعتراض في آخر الكلام. والمعنى: أن كثيراً منهم تجاوزوا ذلك الحَدَّ من قسوة القلوب فنبذوا دينهم وبدلوا كتابهم وحرفوه وأفسدوا عقائدهم فبلغوا حدّ الكفر. فالفسق هنا مراد به الكفر...وبين قوله: {فقست} وقوله: {فاسقون} محسّن الجناس. وهذا النوع فيه مركب مما يسمى جناس القلب وما يسمى الجناس الناقص وقد اجتمعا في هذه الآية.

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

عبارة الآية واضحة. وقد تضمنت سؤالا استنكاريا ينطوي على معنى التنديد عما إذا كان لم يحن الوقت الذي تخشع فيه قلوب المؤمنين لذكر الله ويخضعون للحق الذي أنزله الله على رسوله. وأن يحذروا من أن يكونوا كمن سبقهم من أهل الكتاب الذين قست قلوبهم بمرور الزمن فانحرف كثير منهم عن جادة الحق وتمردوا على أوامر الله تعالى وكانوا فاسقين...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

«تخشع» من مادّة «خشوع» بمعنى حالة التواضع مقترنة بالأدب الجسمي والروحي، حيث تنتاب الإنسان هذه الحالة عادةً مقابل حقيقة مهمّة أو شخصية كبيرة.ومن الواضح أنّ ذكر الله عز وجل إذا دخل أعماق روح الإنسان، وسماع الآيات القرآنية بتدبّر فإنّها تكون سبباً للخشوع، والقرآن الكريم هنا يلوم بشدّة قسماً من المؤمنين لعدم خشوعهم أمام هذه الاُمور. لأنّه قد ابتلى كثير من الأمم السابقة بمثل هذا من الغفلة والجهل. وهذه الغفلة تؤدّي إلى قساوة القلب وبالتالي إلى الفسق والعصيان. ولهذا هل نقتنع بادّعاء الإيمان، والعيش في رفاه والانشغال بالأكل والشرب ونمرّ أمام هذه المسائل المهمّة ببساطة؟ وهل أنّ أعمالنا ومسؤولياتنا تتناسب مع الإيمان الذي ندّعيه؟