الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)

أخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه أنه قرأ «ألمايان للذين آمنوا » .

وأخرج ابن مردويه عن أنس لا أعلمه إلا مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : «استبطأ الله قلوب المهاجرين بعد سبع عشرة من نزول القرآن ، فأنزل الله { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } الآية » .

وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفر من أصحابه في المسجد وهم يضحكون فسحب رداءه محمراً وجهه فقال : أتضحكون ولم يأتكم أمان من ربكم بأنه قد غفر لكم ولقد أنزل عليّ في ضحككم آية { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } قالوا يا رسول الله : فما كفارة ذلك ؟ قال : تبكون قدر ما ضحكتم » .

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } قال : ذكر لنا أن شداد بن أوس كان يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : «أول ما يرفع من الناس الخشوع » .

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم } يقول : ألم يحن للذين آمنوا .

وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود قال : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } إلا أربع سنين .

وأخرج ابن المنذر وابن مردويه والطبراني والحاكم وصححه عن عبدالله بن الزبير أن ابن مسعود أخبره أنه لم يكن بين إسلامهم وبين أن نزلت هذه الآية يعاتبهم الله بها إلا أربع سنين ، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون .

وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } الآية . أقبل بعضنا على بعض أي شيء أحدثنا ؟ أي شيء صنعنا ؟

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : إن الله استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن فقال : { ألم يأن للذين آمنوا } الآية .

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عبد العزيز بن أبي رواد أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ظهر منهم المزاح والضحك فنزلت { ألم يأن للذين آمنوا } الآية .

وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذوا في شيء من المزاح فأنزل الله { ألم يأن للذين آمنوا } الآية .

وأخرج ابن المبارك وعبد الرزاق وابن المنذر عن الأعمش قال : لما قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأصابوا من لين العيش ما أصابوا بعدما كان بهم من الجهد ، فكأنهم فتروا عن بعض ما كانوا عليه ، فعوتبوا ، فنزلت { ألم يأن للذين آمنوا } الآية .

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن القاسم قال : ملّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ملة فقالوا : حدثنا يا رسول الله فأنزل الله { نحن نقص عليك أحسن القصص } [ يوسف : 3 ] ثم ملوا ملة فقالوا حدثنا يا رسول الله فأنزل الله { ألم يأن للذين آمنوا } الآية .

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم ألا أن كل ما هو آت قريب ، ألا إنما البعيد ما ليس بآت » .

وأخرجه ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعاً .

وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في الشعب عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد قست قلوبهم اخترعوا كتاباً من عند أنفسهم استهوته قلوبهم ، واستحلته ألسنتهم وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون فقالوا : أعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل فإن تابعوكم فاتركوهم ، وإن خالفوكم فاقتلوهم ، قالوا : لا بل أرسلوا إلى فلان رجل من علمائهم فاعرضوا عليه هذا الكتاب ، فإن تابعكم فلن يخالفكم أحد بعده ، وإن خالفكم فاقتلوه فلن يختلف عليكم أحد بعده ، فأرسلوا إليه فأخذ ورقة وكتب فيها كتاب الله ثم علقها في عنقه ، ثم لبس عليه الثياب فعرضوا عليه الكتاب فقالوا : أتؤمن بهذا ؟ فأومأ إلى صدره فقال : آمنت بهذا وما لي لا أومن بهذا ؟ يعني الكتاب الذي فيه القرآن فخلوا سبيله ، وكان له أصحاب يغشونه ، فلما مات وجدوا الكتاب الذي فيه القرآن معلق عليه فقالوا : ألا ترون إلى قوله : آمنت بهذا وما لي لا أومن بهذا ؟ إنما عنى هذا الكتاب ، فاختلف بنو إسرائيل على بضع وسبعين ملة وخير مللهم أصحاب ذي القرآن . قال عبدالله : وإن من بقي منكم سيرى منكراً وبحسب امرئ يرى منكراً لا يستطيع أن يغيره أن يعلم الله من قلبه أنه كاره له .

وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا تلا هذه الآية { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } ثم قال : بلى يا رب بلى يا رب .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في الآية قال شداد بن أوس : أول ما يرفع من الناس الخشوع .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { الأمد } قال : الدهر .

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال : جمع أبو موسى الأشعري القراء فقال : لا يدخلن عليكم إلا من جمع القرآن ، فدخلنا ثلاثمائة رجل فوعظنا وقال : أنتم قراء هذه البلد والله ليطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب أهل الكتاب .