النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)

{ أَلَمْ يَأنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ } وفيه{[2912]} ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها نزلت في قوم موسى عليه السلام قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن حيان .

الثاني : في المنافقين آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم ، قاله الكلبي .

الثالث : أنها في المؤمنين من أمتنا ، قاله ابن عباس وابن مسعود ، والقاسم بن محمد .

ثم اختلف فيها على ثلاثة أقاويل :

أحدها : ما رواه أبو حازم عن عون بن عبد الله عن ابن مسعود قال : ما كان بين أن أسلمنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين ، فجعل ينظر بعضنا إلى بعض ويقول ما أحدثنا{[2913]} . قال الحسن : يستبطئهم وهم أحب خلقه إليه .

الثاني : ما رواه قتادة عن ابن عباس أن الله استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة ، فقال تعالى : { أَلَمْ يَأنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا } الآية .

الثالث : ما رواه المسعودي عن القاسم قال : مل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة فقالوا يا رسول الله حدثنا ، فأنزل الله تعالى : { نَحنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسنَ القصَصِ } ثم ملوا مرة فقالوا : حدثنا يا رسول الله ، فأنزل الله { أَلَمْ يَأنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ } .

قال شداد بن أوس : كان يروى لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أَوَّلُ مَا يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ الخُشُوعُ{[2914]} " . ومعنى قوله : { أَلَمْ يَأنِ } ألم يحن ، قال الشاعر{[2915]} :

ألم يأن لي يا قلب أن اترك الجهلا *** وأن يحدث الشيب المبين لنا عقلا

وفي { أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكْر اللَّهِ } ثلاثة تأويلات :

أحدها : أن تلين قلوبهم لذكر الله .

الثاني : أن تذل قلوبهم من خشية الله .

الثالث : أن تجزع قلوبهم من خوف الله .

وفي ذكر الله ها هنا وجهان :

أحدهما : أنه القرآن ، قاله مقاتل .

الثاني : أنه حقوق الله ، وهو محتمل .

{ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : القرآن ، قاله مقاتل .

الثاني : الحلال والحرام ، قاله الكلبي .

الثالث : يحتمل أن يكون ما أنزل من البينات والهدى .


[2912]:أي فيمن نزلت هذه الآية ثلاثة أقوال.
[2913]:رواه مسلم، وليس فيه "فجعل ينظر بعضنا إلى بعض".
[2914]:رواه الترمذي في العلم، والدارمي في المقدمة.
[2915]:هو كثير عزة كما ذكر سيبويه 1/ 38 وليس في ديوان كثير.