تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)

خشوع القلوب

{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ( 16 ) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ( 17 ) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ( 18 ) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ( 19 ) }

16

المفردات :

ألم يأن : ألم يجيء ويحن الوقت ؟ الآن الآن قبل ألا يكون آن .

الخشوع : الخشية والخوف .

ذكر الله : مواعظه .

الحق : القرآن .

الذين أوتوا الكتاب : اليهود والنصارى .

الأمد : الزمن الممتد .

قست قلوبهم : صلبت وصارت كالحجارة أو أشد قسوة .

فاسقون : خارجون على حدود دينهم ، رافضون لما جاء فيه من أوامر ونواه .

التفسير :

16- { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } .

القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد ، وتحتاج إلى التذكير والموعظة لتقلع عن الغرور بالدنيا والارتكان إليها ، ولتذكر الآخرة ومواقفها والعمل لها .

ومعنى الآية :

ألم يأن الأوان ، ألم يحن الوقت ليجدد المؤمنون التوبة إلى الله تعالى ، والرجوع إليه ، والاعتصام بحبله ، واتباع أوامره ، واجتناب نواهيه ؟

أما حان الوقت لتخشع قلوب المؤمنين لمواعظ الله وآياته ، التي ترقّق القلوب ، وتدمع العيون ، وتذكّر الآخرة ؟

أما حان الوقت للنظر في كتاب الله نظر تأمل وعبادة ، ورقّة وطاعة ؟

أما حان الوقت للتمسك بالقرآن ، وبعُرى الإسلام ، والابتعاد عن اتباع اليهود والنصارى الذين طال عليهم العهد ، وبعدت المدة الزمنية بينهم وبين أنبيائهم ، فقست قلوبهم وتحجّرت ، فهي كالحجارة أو أشد قسوة ، لا ترق ولا تلين لسماع التوراة والإنجيل ؟

{ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } .

وكثير من أهل الكتاب خارجون على تعاليم السماء ، ضعفت صلتهم بكتب الله ، واتخذوا كتاب الله وراءهم ظهريا .

قال ابن كثير :

نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم ، من اليهود والنصارى ، لمّا تطاول عليهم الزمن بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم ، ونبذوه وراء ظهورهم ، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، فعند ذلك قست قلوبهم ، فلا يقبلون موعظة ، ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد " 12 .

وقال ابن عباس : استبطأ الله قلوب المؤمنين ، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن ، فقال : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ . . . 13 } الآية .