تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)

الآية 16 وقوله تعالى : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق } وما نزل قرئ مخففا ومثقلا{[20621]} ؛ فمن شدد شدد لما سبق من ذكر الله تعالى ، ومن خفف جعل الفعل للحق .

ثم الآية تحتمل وجوها :

أحدها : ما قال بعض أهل التأويل : إنها نزلت في المنافقين الذين أظهروا الإيمان ، وأضمروا الكفر : { ألم يأن } أي قد أنى للذين آمنوا ظاهرا ، وأظهروا الموافقة للمؤمنين { أن تخشع قلوبهم لذكر الله } أي إذا ذكر الله { وما نزل من الحق } أي القرآن إذا يتلى عليهم أن ترق قلوبهم ، وتؤمن به ، لأنهم كانوا يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم الدوائر/550-أ/ويطمعون بهلاكه .

أمّن الله تعالى المؤمنين من ذلك ، وآيس أولئك مما تربصوا فيه من نزول الدوائر ، فقال تعالى : { ألم يأن للذين آمنوا } ظاهرا { أن تخشع قلوبهم لذكر الله } والقرآن ، وترق لذلك ، وتؤمن به ؟ والله أعلم .

وقال{[20622]} تعالى : { ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم } على هذا التأويل ؛ أي لا تكونوا كأولئك الذين تمادوا في الضلال وقساوة القلوب لما طال عليهم الوقت ، وتركوا النظر في الكتب .

[ والثاني ]{[20623]} : أن تكون الآية في أهل الكتاب الذين كانوا مؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث .

فيقول تعالى : { ألم يأن للذين آمنوا } به من قبل أن يبعث { أن تخشع قلوبهم لذكر الله } أي كتابهم { وما نزل من الحق } وهو القرآن أن يؤمنوا به كما كانوا آمنو به لما وجدوا بعثه في كتابهم .

ويقول{[20624]} تعالى : { ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل } أي لا تكونوا كالذين كانوا من قبلكم من أهل الكتاب { فطال عليهم الأمد } أي طال عليهم أن ينظروا في كتبهم { فقست قلوبهم } بطول ترك نظرهم فيها ، والله أعلم .

[ والثالث ]{[20625]} : أن تكون الآية في المؤمنين الذين حققوا الإيمان بالله ورسوله ، وهو مخرج على وجهين :

أحدهما : { ألم يأن } أي قد أنى { أن تخشع قلوبهم لذكر الله } بالنظر والتأمل{[20626]} في ذلك ، فيحملهم ذلك على خشوع قلوبهم [ كقوله تعالى : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون } [ الأنفال : 2 ] جعل وصف المؤمنين أن توجل قلوبهم ]{[20627]} عند ذكر الله ، ويزداد لهم الإيمان واليقين بالنظر فيه والتفكر وفهم ما فيه ، والله أعلم .

والثاني : { ألم يأن } أي قد أنى{ للذين آمنوا أن } تقطع شهواتهم وأمانيهم في الدنيا ، وتخشع قلوبهم لذكر الله { ولا يكونوا كالذين أوتو الكتاب } أي لا تغفلوا عن كتاب الله وذكره ، ولا تتركوا النظر فيه والتفكر ، فتغفلوا عما فيه { فقست قلوبهم } فلا تكونوا أنتم كهم ، فتقسو قلوبكم كما قست قلوبهم .

وقوله تعالى : { وكثير منهم فاسقون } أي كثير من أولئك الذين أوتوا الكتاب فاسقون لتركهم النظر في الكتاب .

وجائز : { وكثير منهم فاسقون } أي المعاندون ، والقليل منهم المقلدون ، وهو كقوله تعالى : { وأكثرهم للحق كارهون } [ المؤمنون : 70 والزخرف : 78 ] أي معاندون ، وهم الرؤساء ، والقادة الذين كابروا رسل الله ، وعاندوهم إلا قليلا{[20628]} منهم اتبعوهم ، وقلدوهم .


[20621]:انظر معجم القراءات القرآنية ج7/86.
[20622]:في الأصل و م: ثم قوله.
[20623]:في الأصل و م: ويحتمل.
[20624]:في الأصل و م: ثم وقوله.
[20625]:في الأصل و م: ويحتمل.
[20626]:من م، في الأصل: و التأويل.
[20627]:ساقطة من م.
[20628]:في الأصل و م: قليل.