قوله : { أَلَمْ يَانِ لِلَّذِينَ ءامَنُوا } يقال : أنى لك يأنى أنى : إذا حان . قرأ الجمهور { ألم يأن } وقرأ الحسن ، وأبو السماك : «ألما يأن » وأنشد ابن السكيت :
ألما يأن لي أن تجلى عمايتي *** وأقصر عن ليلى بلى قد أنى ليا
و { أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ } فاعل يأن : أي ألم يحضر خشوع قلوبهم ويجيء وقته ، ومنه قول الشاعر :
ألم يأن لي يا قلب أن أترك الجهلا *** وأن يحدث الشيب المنير لنا عقلا
هذه الآية نزلت في المؤمنين . قال الحسن : يستبطئهم وهم أحبّ خلقه إليه . وقيل : إن الخطاب لمن آمن بموسى وعيسى دون محمد . قال الزجاج : نزلت في طائفة من المؤمنين ، حثوا على الرّقة والخشوع ، فأما من وصفهم الله بالرّقة والخشوع فطبقة فوق هؤلاء . وقال السديّ وغيره : المعنى : ألم يأن للذين آمنوا في الظاهر وأسرّوا الكفر أن تخشع قلوبهم { لِذِكْرِ الله } ، وسيأتي في آخر البحث ما يقوّي قول من قال إنها نزلت في المسلمين ، والخشوع : لين القلب ورقته . والمعنى : أنه ينبغي أن يورثهم الذكر خشوعاً ورقة ، ولا يكونوا كمن لا يلين قلبه للذكر ولا يخضع له { وَمَا نَزَلَ مِنَ الحقّ } معطوف على ذكر الله ، والمراد بما نزل من الحقّ : القرآن ، فيحمل الذكر المعطوف عليه على ما عداه مما فيه ذكر الله سبحانه باللسان ، أو خطور بالقلب ، وقيل : المراد بالذكر هو القرآن ، فيكون هذا العطف من باب عطف التفسير ، أو باعتبار تغاير المفهومين . قرأ الجمهور : { نَزَّلَ } مشدّداً مبنياً للفاعل . وقرأ نافع وحفص بالتخفيف مبنياً للفاعل . وقرأ الجحدري وأبو جعفر والأعمش وأبو عمرو في رواية عنه مشدّداً مبنياً للمفعول . وقرأ ابن مسعود : «أنزل » مبنياً للفاعل { وَلاَ يَكُونُوا كالذين أُوتُوا الكتاب مِن قَبْلُ } قرأ الجمهور بالتحتية على الغيبة جرياً على ما تقدّم . وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة بالفوقية على الخطاب التفاتاً وبها قرأ عيسى وابن إسحاق ، والجملة معطوفة على تخشع : أي ألم يأن لهم أن تخشع قلوبهم ولا يكونوا ؟ والمعنى : النهي لهم عن أن يسلكوا سبيل اليهود والنصارى الذين أوتوا التوراة والإنجيل من قبل نزول القرآن { فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ } أي طال عليهم الزمان بينهم وبين أنبيائهم . قرأ الجمهور : { الأمد } بتخفيف الدال ، وقرأ ابن كثير في رواية عنه بتشديدها : أي الزّمن الطويل ، وقيل : المراد بالأمد على القراءة الأولى : الأجل والغاية ، يقال أمد فلان كذا : أي غايته { فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } بذلك السبب ، فلذلك حرّفوا وبدّلوا ، فنهى الله سبحانه أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يكونوا مثلهم { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فاسقون } أي خارجون عن طاعة الله لأنهم تركوا العمل بما أنزل إليهم وحرّفوا وبدّلوا ولم يؤمنوا بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : هم الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : هم الذين ابتدعوا الرهبانية ، وهم أصحاب الصوامع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.