بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)

قوله تعالى : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله } يعني : ألم يجيء وقت تخاف قلوبهم ، فترق قلوبهم . يقال : إناءً يأني إناءً إذا حان وجاء وقته وأوانه . قال الفقيه : حدّثنا الخليل بن أحمد . ثنا : أبو جعفر محمد بن إبراهيم الدبيلي . قال : حدّثنا أبو عبيد الله . قال : ثنا سفيان ، عن عبد الرحمن بن عبد الله ، عن القاسم قال : ملَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملة ، فقالوا : حدّثنا يا رسول الله ، فأنزل الله تعالى : { نحن نقص عليك أحسن الحديث } [ يوسف : 3 ] ثم ملوا ملَّة أخرى فقالوا : حدّثنا يا رسول الله . فأنزل الله تعالى { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله } ويقال : إن المسلمين قالوا لسلمان الفارسي : حدّثنا عن التوراة ، فإن فيها عجائب . فنزل { الله نزّل أحسن الحديث } [ الزمر : 23 ] فكفوا عن السؤال ، ثم سألوه عن ذلك ، فنزلت هذه الآية { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله } يعني : ترق قلوبهم لذكر الله { وَمَا نَزَلَ مِنَ الحق } يعني : القرآن بذكر الحلال والحرام . قرأ نافع ، وعاصم ، في رواية حفص { وَمَا نَزَلَ } بالتخفيف . والباقون : بالتشديد على معنى التكثير ، والمبالغة .

ثم وعظهم فقال : { وَلاَ يَكُونُواْ كالذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلُ } يعني : ولا تكونوا في القسوة كاليهود ، والنصارى ، من قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم { فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمد } يعني : الأجل . ويقال : خروج النبي صلى الله عليه وسلم { فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } يعني : جفّت ، ويبست قلوبهم عن الإيمان ، فلم يؤمنوا بالقرآن إلا قليل منهم { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فاسقون } يعني : عاصون . ويقال : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } يعني : المنافقين الذين آمنوا بلسانهم دون قلوبهم . وقال أبو الدرداء : استعيذوا بالله من خشوع النفاق . قيل : وما خشوع النفاق ؟ قال : أن ترى الجسد خاشعاً ، والقلب ليس بخاشع .