32- هؤلاء الجاحدون بالله إذا ركبوا في السفن واضطرب بهم البحر وارتفعت أمواجه حتى بدت كأنها تظللهم ، وظنوا أنهم غارقون - لا محالة - لجأوا إلى الله يدعونه في إخلاص وخضوع أن ينجيهم ، فلما نجَّاهم إلى البر كان منهم قليل تذكَّر عهده ، واعتدل في عمله ، ومنهم كثير نسى فضل ربه ، وظل على جحوده به ، ولا ينكر فضل ربه عليه وإحسانه إليه إلا كل إنسان شديد الغدر ، مسرف في الكفر بربه .
قوله تعالى : { وإذا غشيهم موج كالظلل } قال مقاتل : كالجبال . وقال الكلبي : كالسحاب . والظل جمع الظلة شبه بها الموج في كثرتها وارتفاعها ، وجعل الموج ، وهو واحد ، كالظلل وهي جمع ، لأن الموج يأتي منه شيء بعد شيء ، { دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد } أي : عدل موف في البر بما عاهد الله عليه في البحر من التوحيد له ، يعني : ثبت على إيمانه . قيل : نزلت في عكرمة بن أبي جهل هرب عام الفتح إلى البحر فجاءهم ريح عاصف ، فقال عكرمة : لئن أنجانا الله من هذا لأرجعن إلى محمد صلى الله عليه وسلم ولأضعن يدي في يده ، فسكنت الريح ، فرجع عكرمة إلى مكة فأسلم وحسن إسلامه . وقال مجاهد : فمنهم مقتصد في القول مضمر الكفر . وقال الكلبي : مقتصد في القول ، أي : من الكفار ، لأن بعضهم كان أشد قولاً وأعلى في الافتراء من بعض ، { وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور } والختر أسوأ الغدر .
وذكر تعالى حال الناس ، عند ركوبهم البحر ، وغشيان الأمواج كالظل{[675]} فوقهم ، أنهم يخلصون الدعاء [ للّه ]{[676]} والعبادة : { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ } انقسموا فريقين :
فرقة مقتصدة ، أي : لم تقم بشكر اللّه على وجه الكمال ، بل هم مذنبون ظالمون لأنفسهم .
وفرقة كافرة بنعمة اللّه ، جاحدة لها ، ولهذا قال : { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ }{[677]} أي غدار ، ومن غدره ، أنه عاهد ربه ، لئن أنجيتنا من البحر وشدته ، لنكونن من الشاكرين ، فغدر ولم يف بذلك ، { كَفُور } بنعم اللّه . فهل يليق بمن نجاهم اللّه من هذه الشدة ، إلا القيام التام بشكر نعم اللّه ؟
{ وإذا غشيهم } علاهم وغطاهم . { موج كالظلل } كما يظل من جبل أو سحاب أو غيرهما ، وقرئ كالظلال جمع ظلة كقلة وقلال . { دعوا الله مخلصين له الدين } لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد بما دهاهم من الخوف الشديد . { فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد } مقيم على الطريق القصد الذي هو التوحيد ، أو متوسط في الكفر لإنجازه بعض لانزجاره بعض الانزجار . { وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار } غدار فإنه نقض للعهد الفطري ، أو لما كان في البحر والختر أشد الغدر . { كفور } للنعم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.