قوله تعالى :{ وإذا وقع القول عليهم } وجب العذاب عليهم ، وقال قتادة : إذا غضب الله عليهم ، { أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم } واختلفوا في كلامها ، فقال السدي : تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الإسلام . وقال بعضهم : كلامها أن تقول لواحد : هذا مؤمن ، وتقول لآخر : هذا كافر . وقيل كلامها ما قال الله تعالى : { إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون } . قال مقاتل تكلمهم بالعربية ، فتقول : إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ، تخبر الناس أن أهل مكة لم يؤمنوا بالقرآن والبعث . قرأ أهل الكوفة : أن الناس بفتح الألف ، أي : بأن الناس ، وقرأ الباقون بالكسر على الاستئناف ، أي : أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون قبل خروجها . قال ابن عمر : وذلك حين لا يؤمر بمعروف ولا ينهى عن منكر . وقرأ سعيد بن جبير ، وعاصم الجحدري ، وأبو رجاء العطاردي : تكلمهم بفتح التاء وتخفيف اللام من الكلم وهو الجرح . قال أبو الجوزاء : سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية : تكلمهم أو تكلم ؟ قال : كل ذلك تفعل ، تكلم المؤمن ، وتكلم الكافر .
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أنبأنا أبو الحسن الطيسفوني ، أنبأنا عبد الله بن عمر الجوهري ، أنبأنا أحمد بن علي الكشمهيني ، أنبأنا علي بن حجر ، أنبأنا إسماعيل بن جعفر ، أنبأنا العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بادروا بالأعمال ستاً : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، والدجال ، ودابة الأرض ، وخاصة أحدكم ، وأمر العامة " .
أخبرنا إسماعيل بن عبد الله ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أنبأنا مسلم بن الحجاج ، أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة ، أنبأنا محمد بن بشر ، عن أبي حيان ، عن أبي زرعة ، عن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم :{ إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة على الناس ضحى وأيتهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريباً " .
وأخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا عبد الله الحسين بن أحمد ابن فنجويه ، أنبأنا أبو بكر بن خرجة ، أنبأنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي ، أنبأنا هشيم ابن حماد ، أنبأنا عمرو بن محمد العبقري ، عن طلحة بن عمرو ، عن عبد الله بن عمير الليثي ، عن أبي شريحة الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يكون للدابة ثلاث خرجات من الدهر ، فتخرج خروجاً بأقصى اليمن فيفشو ذكرها في البادية ولا يدخل ذكرها القرية ، يعني مكة ، ثم تمكث زماناً طويلاً ، ثم تخرج خرجة أخرى قريباً من مكة ، فيفشو ذكرها في البادية ، ويدخل ذكرها القرية يعني مكة فبينما الناس يوماً في أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها على الله عز وجل يعني : المسجد الحرام لم يرعهم إلا وهي في ناحية المسجد تدنو وتدنو " كذا قال ابن عمر ، وما بين الركن الأسود إلى باب بني مخزوم عن يمين الخارج في وسط من ذلك فارفض الناس عنها وثبت لها عصابة عرفوا أنهم لم يعجزوا الله ، فخرجت عليهم تنفض رأسها من التراب فمرت بهم فجلت عن وجوههم حتى تركتها كأنها الكواكب الدرية ، ثم ولت في الأرض لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب ، حتى إن الرجل ليقوم فيتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول :يا فلان الآن تصلي ؟ فيقبل عليها بوجهه فتسمه في وجهه ، فيتجاور الناس في ديارهم ، ويصطحبون في أسفارهم ، ويشتركون في الأموال ، يعرف الكافر من المؤمن ، فيقال للمؤمن : يا مؤمن ، ويقال للكافر : يا كافر .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني الحسن بن محمد ، أنبأنا أبو بكر بن مالك العطيفي ، أنبأنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا بهز ، حدثنا حماد ، هو ابن أبي سلمة ، أنبأنا علي بن زيد ، عن أوس بن خالد ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تخرج الدابة ومعها عصا موسى وخاتم سليمان ، فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتحطم أنف الكافر بالخاتم حتى أن أهل الخوان ليجتمعون فيقول هذا يا مؤمن ويقول هذا يا كافر " . وروي عن علي قال : ليست بدابة لها ذنب ، ولكن لا لحية ، كأنه يشير إلى أنه رجل والأكثرون على أنها دابة . وروى ابن جريج عن ابن الزبير أنه وصف الدابة فقال : رأسها رأس الثور وعينها عين الخنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن أيل ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة هر ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعاً ، معها عصا موسى ، وخاتم سليمان ، فلا يبقى مؤمن إلا نكتته في مسجده بعصا موسى نكتة بيضاء يضيء بها وجهه ، ولا يبقى كافر إلا نكتت وجهه بخاتم سليمان فيسود بها وجهه ، حتى إن الناس يتبايعون في الأسواق : بكم يا مؤمن ؟ بكم يا كافر ؟ ثم تقول لهم الدابة : يا فلان أنت من أهل الجنة ، ويا فلان أنت من أهل النار ، فذلك قوله عز وجل : { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض } الآية .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني عقيل بن محمد الجرجاني الفقيه ، أنبأنا أبو الفرج المعافى بن زكريا البغدادي ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، أنبأنا أبو كريب ، أنبأنا الأشجعي ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن ابن عمر قال : " تخرج الدابة من صدع في الصفا كجري الفرس ثلاثة أيام وما خرج ثلثها " . وبه عن محمد بن جرير الطبري قال : حدثني عصام بن داود بن الجراح ، حدثنا أبي ، حدثنا سفيان بن سعيد ، أنبأنا منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة ، قلت : يا رسول الله من أين تخرج ؟ قال : من أعظم المساجد حرمة على الله ، بينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون إذ تضرب الأرض تحتهم ، وتنشق الصفا مما يلي المشعر ، وتخرج الدابة من الصفا أول ما يبدو منها رأسها ملمعة ذات وبر وريش ، لن يدركها طالب ولن يفوتها هارب ، تسمي الناس مؤمناً وكافراً ، أما المؤمن فتترك وجهه كأنه كوكب دري وتكتب بين عينيه مؤمن ، وأما الكافر فتكتب بين عينيه نكتة سوداء ، وتكتب بين عينيه كافر " . وروي عن ابن عباس : أنه قرع الصفا بعصاه وهو محرم ، وقال : إن الدابة لتسمع قرع عصاي هذه . وعن عبد الله بن عمرو ، قال : تخرج الدابة من شعب فيمس رأسها السحاب ورجلاها في الأرض ما خرجتا ، فتمر بالإنسان يصلي فتقول : ما الصلاة من حاجتك ، فتخطمه وعن ابن عمر قال : تخرج الدابة ليلة جمع ، والناس يسيرون إلى منى . وعن سهيل بن صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بئس الشعب شعب أجياد ، مرتين أو ثلاثاً ، قيل : ولم ذلك يا رسول الله ، قال : تخرج منه الدابة فتصرخ ثلاث صرخات يسمعها من بين الخافقين " . وقال وهب : وجهها وجه رجل وسائر خلقها كخلق الطير ، فتخبر من رآها أن أهل مكة كانوا بمحمد والقرآن لا يوقنون .
أي : إذا وقع على الناس القول الذي حتمه الله وفرض وقته . { أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً } خارجة { مِنَ الأرْضِ } أو دابة من دواب الأرض ليست من السماء . وهذه الدابة { تُكَلِّمُهُمْ } أي : تكلم العباد أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ، أي : لأجل أن الناس ضعف علمهم ويقينهم بآيات الله ، فإظهار الله هذه الدابة من آيات الله العجيبة ليبين للناس ما كانوا فيه يمترون .
وهذه الدابة هي الدابة المشهورة التي تخرج في آخر الزمان وتكون من أشراط الساعة كما تكاثرت بذلك الأحاديث [ ولم يأت دليل يدل على كيفيتها ولا من أي : نوع هي وإنما دلت الآية الكريمة على أن الله يخرجها للناس وأن هذا التكليم منها خارق للعوائد المألوفة وأنه من الأدلة على صدق ما أخبر الله به في كتابه والله أعلم ]{[597]}
هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتَرْكِهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق ، يخرج الله لهم دابة من الأرض - قيل : من مكة . وقيل : من غيرها . كما سيأتي تفصيله - فَتُكَلِّم الناس على ذلك .
قال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة - ورُوي عن علي رضي الله عنه - : تكلمهم كلاما أي : تخاطبهم مخاطبة .
وقال عطاء الخراساني : تكلمهم فتقول لهم : إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون . ويروى هذا عن علي ، واختاره ابن جرير . وفي هذا [ القول ]{[22153]} نظر لا يخفى ، والله أعلم .
وقال ابن عباس - في رواية - تجرحهم . وعنه رواية ، قال : كلا{[22154]} تفعل يعني هذا وهذا ، وهو قولٌ حسن ، ولا منافاة ، والله أعلم .
وقد ورد في ذكر الدابة أحاديث وآثار كثيرة ، فلنذكر ما تيسر منها ، والله المستعان :
قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن فُرَات ، عن أبي الطفيل ، عن حُذَيفة بن أسيد الغفاري قال : أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر أمر الساعة فقال : لا تقوم الساعة حتى تَرَوا عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، والدابة ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وخروج عيسى بن مريم ، والدجال ، وثلاثة خسوف : خسف بالمغرب ، وخسف بالمشرق ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قَعر عدن تسوق - أو : تحشر - الناس ، تبيت معهم حيث باتوا ، وتقيل معهم حيث قالوا " {[22155]} .
وهكذا رواه مسلم وأهل السنن ، من طرق ، عن فُرَات القزاز ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، عن حُذَيفة موقوفا{[22156]} . وقال الترمذي : حسن صحيح{[22157]} . ورواه مسلم أيضًا من حديث عبد العزيز بن رُفَيْع ، عن أبي الطفيل ، عنه مرفوعًا{[22158]}-{[22159]} . والله أعلم .
طريق أخرى : قال أبو داود الطيالسي ، عن طلحة بن عمرو ، وجرير بن حازم ، فأما طلحة فقال : أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن عمَير الليثي : أن أبا الطفيل حدثه ، عن حذَيفة بن أسيد الغفاري أبي سَريحَةَ ، وأما جرير فقال : عن عبد الله بن عُبيد ، عن رجل من آل عبد الله بن مسعود - وحديث طلحة أتم وأحسن - قال : ذَكَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال : " لها ثلاث خرجات من الدهر ، فتخرج خَرجة من أقصى البادية ، ولا يدخل ذكرها القرية - يعني : مكة - ثم تكمن زمانًا طويلا ثم تخرج خَرْجة أخرى دون تلك ، فيعلو ذكرها في أهل البادية ، ويدخل ذكرها القرية " يعني : مكة . - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها : المسجد الحرام ، لم يَرُعْهم إلا وهي تَرْغو{[22160]} بين الركن والمقام ، تنفض عن رأسها التراب . فارفض الناس عنها شتَّى ومعًا ، وبقيت عصابة من المؤمنين ، وعرفوا أنهم لم يعجزوا الله ، فبدأت بهم فجَلَت وجوههم حتى جعلتها كأنها الكوكب الدرّي ، وولت في الأرض لا يدركها طالب ، ولا ينجو منها هارب ، حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة ، فتأتيه من خلفه فتقول : يا فلان ، الآن تصلي ؟ فيقبل عليها فَتَسِمُهُ{[22161]} في وجهه ، ثم تنطلق ويشترك الناس في الأموال ، ويصطحبون في الأمصار ، يعرف المؤمن من الكافر ، حتى إن المؤمن ليقول : يا كافر ، اقضني حقي . وحتى إن الكافر ليقول : يا مؤمن ، اقضني حقي " {[22162]} .
ورواه ابن جرير من طريقين ، عن حذيفة بن أُسَيْد موقوفًا{[22163]} فالله أعلم . ورواه من رواية حذيفة بن اليمان مرفوعًا ، وأن ذلك في زمان عيسى بن مريم ، وهو يطوف بالبيت ، ولكن إسناده لا يصح{[22164]} .
حديث آخر : قال مسلم بن الحجاج : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن بشر ، عن أبي حَيَّان ، عن أبي زُرْعَة ، عن عبد الله بن عمرو قال : حَفظْتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا لم أنسه{[22165]} بعد : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة على الناس ضُحى ، وأيتهما ما كانت قبل صاحبتها ، فالأخرى{[22166]} على أثرها قريبًا " {[22167]} .
حديث آخر : روى مسلم في صحيحه من حديث العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب - مولى الحُرَقَة - عن أبيه : عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بادروا بالأعمال ستا{[22168]} : طلوع الشمس من مغربها ، أو الدخان ، أو الدجال ، أو الدابة ، أو خاصة أحدكم ، أو أمر العامة " {[22169]} . وله من حديث قتادة ، عن الحسن ، عن زياد بن رباح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بادروا بالأعمال ستا : الدجال ، والدخان ، ودابة الأرض ، وطلوع الشمس من مغربها ، وأمر العامة وخُويّصة أحدكم " {[22170]} .
حديث آخر : قال ابن ماجه : حدثنا حَرْمَلَة بن يحيى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عَمْرُو بن الحارث وابن لَهِيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سِنَان بن سعد ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بادروا بالأعمال ستًا : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، ودابة الأرض ، والدجال ، وخُوَيّصة أحدكم ، وأمر العامة " . تفرد به{[22171]} .
حديث آخر : قال أبو داود الطيالسي أيضا : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أوس{[22172]} بن خالد ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تخرج دابة الأرض ، ومعها عصا موسى وخاتم سليمان ، عليهما السلام ، فتخطم أنف الكافر بالعصا ، وتُجلي وجه المؤمن بالخاتم ، حتى يجتمع الناس على الخوان يعرف المؤمن من الكافر " .
ورواه الإمام أحمد ، عن بَهْز وعفان ويزيد بن هارون ، ثلاثتهم عن حماد بن سلمة ، به{[22173]} . وقال : " فتخطم أنف الكافر بالخاتم ، وتجلو وجه المؤمن بالعصا ، حتى إن أهل الخوان الواحد ليجتمعون فيقول هذا : يا مؤمن ، ويقول هذا : يا كافر " .
ورواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يونس بن محمد المؤدب ، عن حماد بن سلمة ، به{[22174]} .
حديث آخر : قال ابن ماجه : حدثنا أبو غسان محمد بن عمرو ، حدثنا أبو تُمَيْلة ، حدثنا خالد بن عُبَيْد ، حدثنا عبد الله بن بُرَيدة ، عن أبيه قال : ذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع بالبادية ، قريب من مكة ، فإذا أرض يابسة حولها رمل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تخرج الدابة من هذا الموضع . فإذا فِتْر في شبر " .
قال ابن بُرَيدة : فحججت بعد ذلك بسنين ، فأرانا عصًا له ، فإذا هو بعَصاي هذه{[22175]} ، كذا وكذا{[22176]} .
وقال عبد الرزاق عن مَعْمَر ، عن قتادة ؛ أن ابن عباس قال : هي دابةٌ ذات زَغَب ، لها أربع قوائم ، تخرج من بعض أودية تهامة{[22177]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن رَجَاء ، حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية قال : قال عبد الله : تخرج الدابة من صِدْع من الصفا كجَرْي الفرس ثلاثة أيام ، لم يخرج ثلثها .
وقال محمد بن إسحاق ، عن أبان بن صالح قال : سئل عبد الله بن عمرو عن الدابة ، فقال : الدابة تخرج من تحت صخرة بجياد ، والله لو كنت معهم - أو لو شئت بعصاي الصخرة التي تخرج الدابة من تحتها . قيل : فتصنعُ ماذا يا عبد الله بن عمرو ؟ قال : تستقبل المشرق فتصرخ صرخة تنفُذُه ، ثم تستقبل الشام فتصرخ{[22178]} صرخة تنفذه ، ثم تستقبل المغرب فتصرخ صرخة تنفذه ، ثم تستقبل اليمن فتصرخ صرخة تنفذه ، ثم تروح من مكة فتصبح{[22179]} بعسفان . قيل : ثم ماذا ؟ قال : لا أعلم .
وعن عبد الله بن عمر ، أنه قال : تخرج الدابة ليلة جَمْع{[22180]} . ورواه ابن أبي حاتم . وفي إسناده ابن البيلمان{[22181]} .
وعن وهب بن منبه : أنه حكى من كلام عُزَير ، عليه السلام ، أنه قال : وتخرج من تحت سدوم دابة تكلم الناس كل يسمعها ، وتضع الحبالى قبل التمام ، ويعود الماء العذب أجاجًا ، ويتعادى الأخلاء ، وتُحرَقُ الحكمة ، ويُرفَعُ العلم ، وتكلم الأرض التي تليها . وفي ذلك الزمان يرجو الناس ما لا يبلغون ، ويتعبون فيما لا ينالون ، ويعملون فيما لا يأكلون . رواه ابن أبي حاتم ، عنه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح - كاتب الليث - حدثني معاوية بن صالح ، عن أبي مريم : أنه سمع أبا هريرة ، رضي الله عنه ، يقول : إن الدابة فيها من كل لون ، ما بين قرنيها فرسخ{[22182]} للراكب .
وقال ابن عباس : هي مثل الحربة الضخمة .
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، أنه قال : إنها دابة لها ريش وزغب وحافر ، وما لها ذنب ، ولها لحية ، وإنها لتخرج حُضْر الفرس الجواد ثلاثا ، وما خرج ثلثها{[22183]} . ورواه ابن أبي حاتم .
وقال ابن جُرَيْج ، عن ابن الزبير أنه وصف الدابة فقال : رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن أيَّل ، وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نَمر ، وخاصرتها خاصرة هِرّ ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصلين اثنا [ عشر ]{[22184]} ذراعًا ، تخرج معها عصا موسى ، وخاتم سليمان ، فلا يبقى مؤمن إلا نَكتَت في وجهه بعصا موسى نكتة بيضاء ، فتفشو تلك النكتة حتى يبيضّ لها وجهه ، ولا يبقى كافر إلا نَكَتت في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان ، فتفشو تلك النكتة حتى يسود لها وجهه ، حتى إن الناس يتبايعون في الأسواق : بكم ذا يا مؤمن ، بكم ذا يا كافر ؟ وحتى إنّ أهل البيت يجلسون على مائدتهم ، فيعرفون مؤمنهم من كافرهم ، ثم تقول لهم الدابة : يا فلان ، أبشر ، أنت من أهل الجنة ، ويا فلان ، أنت من أهل النار . فذلك قول الله تعالى : { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ } {[22185]} .
ومعنى قوله { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض } ، إذا انتجز وعد عذابهم الذي تضمنه القول الأزلي من الله تعالى في ذلك أي حتمه عليهم ، وقضاؤه{[9071]} وهذا بمنزلة قوله تعالى :
{ حقت كلمة العذاب }{[9072]} [ الزمر : 71 ] فمعنى الآية وإذا أراد الله أن ينفذ في الكافرين سابق علمه لهم من العذاب أخرج لهم دابة من الأرض ، وروي أن ذلك حين ينقطع الخير ولا يؤمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ولا يبقى منيب ولا تائب ، كما أوحى الله إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن{[9073]} ، ووقع ، عبارة عن الثبوت واللزوم{[9074]} وفي الحديث أن الدابة وطلوع الشمس من المغرب من أول الأشراط وإن لم تعين الأولى وكذلك الدجال{[9075]} .
قال القاضي أبو محمد : وظاهر الأحاديث والروايات أن الشمس آخرها لأن التوبة تنقطع معها وتعطي الحال أن الإيمان لا يبقى إلا في أفراد ، وعليهم تهب الريح التي لا تبقي إيماناً وحينئذ ينفخ في الصور ، ونحن نروي أن الدابة تسم قوماً بالإيمان{[9076]} وتجد أن عيسى ابن مريم يعدل بعد الدجال ويؤمن الناس به وهذه الدابة روي أنها تخرج من جبل الصفا بمكة قاله عبد الله بن عمر ، وقال عبد الله بن عمرو نحوه ، وقال : لو شئت أن أضع قدمي على موضع خروجها لفعلت ، وروي عن قتادة أنها تخرج تهامة ، وروي أنها تخرج من مسجد الكوفة من حيث فار تنور نوح عليه السلام ، وروى بعضهم عن حذيفة بن اليمان أنها تخرج ثلاث خرجات{[9077]} ، وروي أنها دابة مزغبة شعراء ، وروي عن ابن عمر أنها على خلقة الآدميين وهي في السحاب وقوائمها في الأرض ، وروي أنها جمعت من خلق كل حيوان ، وذكر الثعلبي عن أبي الزبير نحوه ، وروي أنها دابة مبثوث نوعها في الأرض فهي تخرج في كل بلد وفي كل قوم ، فعلى هذا التأويل { دابة } إنما هو اسم جنس ، وحكى النقاش عن ابن عباس أنها الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعتها العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة ، وقرأ جمهور الناس «تكلمهم » من الكلام ، وفي مصحف أبيّ «تنبئهم » ، وفسرها عكرمة ب ( تسمهم ) قال قتادة : وفي بعض القراءة تحدثهم .
وقرأ أبو زرعة بن عمرو بن جريج{[9078]} «تكلِمهم »{[9079]} بكسر اللام من الكلم وهو الجرح ، قال أبو الفتح : وهي قراءة ابن عباس وابن جبير ومجاهد والجحدري ، وقال ابن عباس : كلا والله تفعل تكلمهم وتكلمهم{[9080]} .
قال القاضي أبو محمد : وروي في هذا أنها تمر على الناس فتسم الكافر في جبهته وتزجره وتشتمه وربما حطمته{[9081]} وتمسح على وجه المؤمن فتبيضه ويعرف بعد ذلك الإيمان والكفر من أثرها ، وقرأ جمهور القراء «إن الناس » بكسر «إن » وقرأ حمزة والكسائي وعاصم «أن » بفتح الألف ، وفي قراءة عبد الله «تكلمهم بأن » وهذا تصديق للفتح ، وعلى هذه القراءة يكون قوله { إن الناس } إلى آخر القراءة من تمام كلام الدابة ، وروي ذلك عن ابن عباس ويحتمل أن يكون ذلك من كلام الله عز وجل .