ثم هدّد العباد بذكر طرف من أشراط الساعة وأهوالها : فقال : { وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم } .
واختلف في معنى وقوع القول عليهم ، فقال قتادة : وجب الغضب عليهم .
وقال مجاهد : حق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون ، وقيل حق العذاب عليهم ، وقيل وجب السخط ، والمعاني متقاربة . وقيل المراد بالقول ما نطق به القرآن من مجيء الساعة وما فيها من فنون الأهوال التي كانوا يستعجلونها ، وقيل وقع القول بموت العلماء ، وذهاب العلم . وقيل إذا لم يأمروا بالمعروف ، وينهوا عن المنكر . والحاصل أن المراد بوقع وجب ، والمراد بالقول مضمونه ، أو أطلق المصدر على المفعول : أي القول ، وجواب الشرط { أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مّنَ الأرض تُكَلّمُهُمْ } .
واختلف في هذه الدابة على أقوال ، فقيل إنها فصيل ناقة صالح يخرج عند اقتراب القيامة ويكون من أشراط الساعة . وقيل هي دابة ذات شعر ، وقوائم طوال يقال لها الجساسة . وقيل هي دابة على خلقة بني آدم ، وهي في السحاب ، وقوائمها في الأرض . وقيل رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن إيَّل ، وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة هرّ ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصل ومفصل اثنا عشر ذراعاً . وقيل هي الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعها العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة ، والمراد أنها هي التي تخرج في آخر الزمان ، وقيل : هي دابة ما لها ذنب ولها لحية ، وقيل هي إنسان ناطق متكلم يناظر أهل البدع ويراجع الكفار . وقيل غير ذلك مما لا فائدة في التطويل بذكره ، وقد رجح القول الأوّل القرطبي في تفسيره .
واختلف من أيّ موضع تخرج ؟ فقيل من جبل الصفا بمكة ، وقيل تخرج من جبل أبي قبيس . وقيل لها ثلاث خرجات : خرجة في بعض البوادي حتى يتقاتل عليها الناس ، وتكثر الدماء ثم تكمن ، وتخرج في القرى ثم تخرج من أعظم المساجد وأكرمها وأشرفها . وقيل : تخرج من بين الركن والمقام . وقيل : تخرج في تهامة . وقيل : من مسجد الكوفة من حيث فار التنور . وقيل من أرض الطائف . وقيل : من صخرة من شعب أجياد . وقيل : من صدع في الكعبة . واختلف في معنى قوله { تكلمهم } فقيل : تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الإسلام . وقيل تكلمهم بما يسوؤهم . وقيل : تكلمهم بقوله تعالى : { أَنَّ الناس كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ } أي بخروجها ؛ لأن خروجها من الآيات . قرأ الجمهور { تكلمهم } من التكليم ، ويدلّ عليه قراءة أبيّ : " تنبئهم " ، وقرأ ابن عباس وأبو زرعة وأبو رجاء والحسن : " تكلمهم " بفتح الفوقية ، وسكون الكاف من الكلم ، وهو الجرح . قال عكرمة : أي تسمهم وسماً ، وقيل : تجرحهم . وقيل : إن قراءة الجمهور مأخوذة من الكلم بفتح الكاف ، وسكون اللام ، وهو الجرح ، والتشديد للتكثير ، قاله أبو حاتم . قرأ الجمهور : { إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون } بكسر إن على الاستئناف ، وقرأ الكوفيون وابن أبي إسحاق بفتح { أن } . قال الأخفش : المعنى على قراءة الفتح : " بأن الناس " .
وكذا قرأ ابن مسعود : " بأن الناس " بالباء . وقال أبو عبيد : موضعها نصب بوقوع الفعل عليها : أي تخبرهم أن الناس ، وعلى هذه القراءة فالذي تكلم الناس به هو قوله : { أَنَّ الناس كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ } كما قدّمنا الإشارة إلى ذلك . وأما على قراءة الكسر فالجملة مستأنفة كما قدّمنا ، ولا تكون من كلام الدابة . وقد صرّح بذلك جماعة من المفسرين ، وجزم به الكسائي والفراء . وقال الأخفش : إن كسر " إن " هو على تقدير القول أي تقول لهم : " إِنَّ الناس " إلخ ، فيرجع معنى القراءة الأولى على هذا إلى معنى القراءة الثانية ، والمراد بالناس في الآية : هم الناس على العموم ، فيدخل في ذلك كل مكلف ، وقيل : المراد الكفار خاصة ، وقيل : كفار مكة ، والأوّل أولى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.