الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِمۡ أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ} (82)

ومعنى قوله تعالى { وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم } [ النمل : 82 ] .

أي : إذا انْتَجَزَ وعدُ عذابِهمُ الذي تَضَمَّنَه القولُ الأزلي من اللّه في ذلك ، وهذا بمنزلة قوله تعالى : { حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب } [ الزمر : 71 ] .

فمعنى الآية وإذا أراد اللّهُ أن يُنْفذَ في الكافرينَ سَابقَ عِلمِهِ لَهُم من العذابِ أخْرَجَ لهم دابَّةً من الأرض ، ورُوِيَ أَن ذلك حين ينقطعُ الخيرُ ، ولا يؤمَر بمعروف ، ولا يُنْهى عن منكر ، ولا يِبْقَى مَنيبٌ ولا تائبٌ ، و و{ وَقَعَ } عبارةٌ عن الثبوت واللُّزُوم ، وفي الحديث ( إن الدابةَ وطلوعَ الشمسِ من المغْرِب مِنْ أولِ الأشراط ) وهذه الدَّابَّةُ رُوِيَ أنَّها تَخْرُجُ من الصَّفَا بمكَّةَ ، قاله ابن عمر وغيره ، وقيل غيرُ هذا .

وقرأ الجمهور : { تُكَلِّمُهُمْ } من الكلام ، وقرأ ابن عباس وغيرُه ، { تُكَلّمُهُمْ } بفَتْحِ التاءِ وتخفيفِ اللام ، من الكَلْمِ وهو الجُرْحُ ، وسئل ابن عباس عن هذه الآية «تكلمهم أو تكلمهم » ؟ فقال : كل ذلك ، واللّهِ تفعلُ : تُكَلِّمُهُمْ وَتَكْلُمُهُمْ ، وروي أنها تَمُرُّ على الناسِ فَتَسِمُ الكافرَ فِي جبهتِه وتَزْبُرُهُ وتَشْتُمُه وربما خَطَمَتْه ، وَتَمْسَحُ على وجهِ المؤمنِ فتبيضه ، ويعرفُ بعدَ ذلكَ الإيمانُ والكفرُ مِن أثرها ، وفي الحديث : ( تَخْرُجُ الدَّابَّةُ وَمَعَهَا خَاتَمُ سُلَيْمَانَ وَعَصَا مُوسَى ، فَتَجْلُو وُجُوهَ المؤمِنِينَ بالعَصَا وتَخْتِمُ أَنْفَ الكَافِرِ بِالخَاتِمِ ، حَتَّى أنَّ النَّاسَ لَيَجْتَمِعُونَ ، فَيَقُولُ هَذَا : يَا مُؤْمِنُ ، وَيَقُولُ هَذا : يَا كَافِرُ ) رواه البَزَّار ، انتهى من «الكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ » .

وقرأ الجمهور : «إنَّ النَّاسَ » بكسر «إن » .

وقرأ حمزةُ والكسائيّ وعاصمٌ : «أنَّ » بفتحها ، وفي قراءة عبد اللّه : «تُكَلِّمُهُمْ بَأَنَّ » ، وعلى هذه القراءة فيكونُ قوله : «أَنَّ النَّاسَ » إلى آخرها مِنْ كلامِ الدابَّةِ ، وروي ذلك عن ابن عَبَّاس . ويحتملُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلاَمِ اللّهِ تعالى .