قوله تعالى : { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً } . يعني مكة وقيل : الحرم أي ذا أمن يأمن فيه أهله .
قوله تعالى : { وارزق أهله من الثمرات } . إنما دعا بذلك لأنه كان بواد غير ذي زرع ، وفي القصص أن الطائف كانت من بلاد الشام بأردن ، فلما دعا إبراهيم عليه السلام هذا الدعاء أمر الله تعالى جبريل عليه السلام حتى قلعها من أصلها ، وأدارها حول البيت سبعاً ثم وضعها موضعها الذي هي الآن فيه ، فمنها أكثر ثمرات مكة .
قوله تعالى : { من آمن منهم بالله واليوم الآخر } . دعاء للمؤمنين خاصة .
قوله تعالى : { قال } . الله تعالى .
قوله تعالى : { ومن كفر فأمتعه } . قرأ ابن عامر فأمتعه خفيفاً بضم الهمزة والباقون مشدداً ومعناهما واحد .
قوله تعالى : { قليلاً } . أي سأرزق الكافر أيضاً قليلاً إلى منتهى أجله ، وذلك أن الله تعالى وعد الرزق للخلق كافة مؤمنهم وكافرهم ، وإنما قيد بالقلة لأن متاع الدنيا قليل .
قوله تعالى : { ثم أضطره } . أي ألجئه في الآخرة .
قوله تعالى : { إلى عذاب النار وبئس المصير } . أي المرجع يصير إليه .
قال مجاهد : وجد عند المقام كتاب فيه : " أنا الله ذو بكة صنعتها يوم خلقت الشمس والقمر ، وحرمتها يوم خلقت السماوات والأرض ، وحففتها بسبعة أفلاك حنفاء ، يأتيها رزقها من ثلاثة سبل ، مبارك لها في اللحم والماء " .
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }
أي : وإذ دعا إبراهيم لهذا البيت ، أن يجعله الله بلدا آمنا ، ويرزق أهله من أنواع الثمرات ، ثم قيد عليه السلام هذا الدعاء للمؤمنين ، تأدبا مع الله ، إذ كان دعاؤه الأول ، فيه الإطلاق ، فجاء الجواب فيه مقيدا بغير الظالم .
فلما دعا لهم بالرزق ، وقيده بالمؤمن ، وكان رزق الله شاملا للمؤمن والكافر ، والعاصي والطائع ، قال تعالى : { وَمَنْ كَفَرَ } أي : أرزقهم كلهم ، مسلمهم وكافرهم ، أما المسلم فيستعين بالرزق على عبادة الله ، ثم ينتقل منه إلى نعيم الجنة ، وأما الكافر ، فيتمتع فيها قليلا { ثُمَّ أَضْطَرُّهُ } أي : ألجئه وأخرجه مكرها { إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }
وقوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ }
قال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدي ، حدثنا سفيان ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن إبراهيم حَرَّم بيت الله وأمَّنَه وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها فلا يُصَادُ صيدها ولا يقطع عضاهها " {[2671]} .
وهكذا رواه النسائي ، عن محمد بن بشار عن بُنْدَار به{[2672]} .
وأخرجه مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وعَمْرو الناقد ، كلاهما عن أبي أحمد الزبيري ، عن سفيان الثوري{[2673]} .
وقال ابن جرير - أيضًا - : حدثنا أبو كُرَيْب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس ، وحدثنا أبو كريب ، حدثنا عبد الرحيم الرازي ، قالا جميعًا : سمعنا أشعث عن نافع عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن إبراهيم كان عبد الله وخليله وإني عبدُ الله ورسوله وإن إبراهيم حَرَّم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها ، عضاهَها وصيدَها ، لا يحمل فيها سلاح لقتال ، ولا يقطع منها شجرة إلا لعلف بعير " {[2674]} .
وهذه الطريق غريبة ، ليست في شيء من الكتب الستة ، وأصل الحديث في صحيح مسلم من وجه آخر ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : كان الناس إذا رأوا أول الثمر ، جاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم بارك لنا في ثمرنا ، وبارك لنا في مدينتنا ، وبارك لنا في صاعنا ، وبارك لنا في مُدِّنا ، اللهم إن إبراهيمَ عبدُك وخليلك ونبيك ، وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه " ثم يدعو أصْغَرَ وليد له ، فيعطيه ذلك الثمر . وفي لفظ : " بركة مع بركة " ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان . لفظ مسلم{[2675]} .
ثم قال ابن جرير : حدثنا أبو كُريب ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا بكر بن مضر ، عن ابن الهاد ، عن أبي بكر بن محمد ، عن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، عن رافع بن خَديج ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن إبراهيم حرم مكة ، وإني أحرم ما بين لابتيها " .
انفرد بإخراجه مسلم ، فرواه عن قتيبة ، عن بكر بن مضر ، به{[2676]} . ولفظه كلفظه سواء . وفي الصحيحين عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة : " التمس لي غلامًا من غلمانكم يخدمني " فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه ، فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما نزل . وقال في الحديث : ثم أقْبَلَ حتى إذا بدا له أُحد قال : " هذا جبل يُحبُّنا ونحبه " . فلما أشرف على المدينة قال : " اللهم إني أحرم ما بين جبليها ، مثلما حرم به إبراهيم مكة ، اللهم بارك لهم في مُدِّهم وصاعهم " . وفي لفظ لهما : " اللهم بارك لهم في مكيالهم ، وبارك لهم في صاعهم ، وبارك لهم في مدهم " . زاد البخاري : يعني : أهل المدينة{[2677]} .
ولهما أيضا عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفَي ما جعلته بمكة من البركة " {[2678]} وعن عبد الله بن زيد بن عاصم ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها ، وحَرَّمتُ{[2679]} المدينة كما حرم إبراهيم مكة ، ودعوت{[2680]} لها في مدها وصاعها{[2681]} مثل ما دعا إبراهيم لمكة "
رواه البخاري وهذا لفظه{[2682]} ، ومسلم ولفظه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها . وإني حرَّمتُ المدينة كما حرم إبراهيم مكة ، وإني دعوت لها في صاعها ومدها بمثل ما دعا إبراهيم لأهل مكة " {[2683]} .
وعن أبي سعيد ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم إنَّ إبراهيم حَرَّم مكة فجعلها حرامًا ، وإني حرمت المدينة حرامًا ما بين مأزميها ، لا يهراق فيها دم ، ولا يحمل فيها سلاح لقتال ، ولا يخبط فيها شجرة إلا لعلف . اللهم بارك لنا في مدينتنا ، اللهم بارك لنا في صاعنا ، اللهم بارك لنا في مُدِّنا ، اللهم اجعل مع البركة بركتين " . الحديث رواه مسلم{[2684]} .
والأحاديث في تحريم المدينة كثيرة ، وإنما أوردنا منها ما هو متعلق بتحريم إبراهيم ، عليه السلام ، لمكة ، لما في ذلك في مطابقة الآية الكريمة .
[ وتَمسَّك بها من ذهب إلى أن تحريم مكة إنما كان على لسان إبراهيم الخليل ، وقيل : إنها محرمة منذ خلقت مع الأرض وهذا أظهر وأقوى ]{[2685]} .
وقد وردت أحاديث أُخَرُ تدل على أن الله تعالى حرم مكة قبل خلق السموات والأرض ، كما جاء في الصحيحين ، عن عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : " إن هذا البلد حَرَّمه الله يوم خلق السموات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة . وإنه لم يحِل القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة . لا يُعْضَد شوكه ولا ينفر صيده ، ولا تُلْتَقَط لُقَطَتُه إلا من عرَّفها ، ولا يختلى خَلاهَا " فقال العباس : يا رسول الله ، إلا الإذْخَر فإنه لقَينهم ولبيوتهم . فقال : " إلا الإذخر " وهذا لفظ مسلم{[2686]} .
ولهما عن أبي هريرة نحو من ذلك{[2687]} .
ثم قال البخاري بعد ذلك : قال{[2688]} أبان بن صالح ، عن الحسن بن مسلم ، عن صفية بنت شيبة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله{[2689]} .
وهذا الذي علقه البخاري رواه الإمام أبو عبد الله بن ماجة ، عن محمد بن عبد الله بن نُمَير ، عن يونس بن بُكَيْر ، عن محمد بن إسحاق ، عن أبان بن صالح ، عن الحسن بن مسلم بن يَنَّاق ، عن صفية بنت شيبة ، قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب عام الفتح ، فقال : " يا أيها الناس ، إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ، فهي حَرَام إلى يوم القيامة ، لا يُعْضَد شجرها ولا يُنَفَّر صيدُها ، ولا يأخذ لُقَطَتَها إلا مُنْشِد " فقال العباس : إلا الإذخر ؛ فإنه للبيوت والقبور . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إلا الإذْخَر " {[2690]} .
وعن أبي شُرَيح العدوي أنَّه قال لعَمْرو بن سعيد - وهو يبعث البعوث إلى مكة - : ائذن لي - أيها الأمير - أن أحدثَك قولا قام به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الغَد من يوم الفتح ، سَمِعَته أذناي ووعاه قلبي ، وأبصرته عيناي حين تَكَلَّم به ، إنه حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا ، ولا يعضد بها شجرة ، فإن أحد تَرَخَّصَ بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا : إن الله أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم ولم يأذن لكم . وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، فليبلغ الشاهد الغائب " . فقيل لأبي شُرَيح : ما قال لك عمرو ؟ قال : أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح ، إن الحرم لا يعيذ عاصيًا ، ولا فارًّا بدم ، ولا فارًّا بخَرَبَة .
رواه البخاري ومسلم ، وهذا لفظه{[2691]} .
فإذا علم هذا فلا منافاة بين هذه الأحاديث الدالة على أن الله حَرَّم مكة يوم خلق السموات والأرض ، وبين الأحاديث الدالة على أن إبراهيم ، عليه السلام ، حَرَّمها ؛ لأن إبراهيم بَلَّغ عن الله حُكْمه فيها وتحريمه إياها ، وأنها لم تزل بلدًا حرامًا عند الله قبل بناء إبراهيم ، عليه السلام ، لها ، كما أنه قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوبًا عند الله خاتم النبيين ، وإن آدم لمنجَدل في طينته ، ومع هذا قال إبراهيم ، عليه السلام : { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ } وقد أجاب الله دعاءه بما سبق في علمه وقَدَره . ولهذا جاء في الحديث أنهم قالوا : يا رسول الله ، أخبرنا عن بَدْءِ أمرك . فقال : " دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى ابن مريم ، ورأت أمي كأنه{[2692]} خرج منها نور أضاء ت له قصور الشام " .
أي : أخْبِرْنا عن بدء ظهور أمرك . كما سيأتي قريبًا ، إن شاء الله .
وأما مسألة تفضيل مَكَّة على المدينة ، كما هو قول الجمهور ، أو المدينة على مكة ، كما هو مذهب مالك وأتباعه ، فتذكر في موضع آخر بأدلتها ، إن شاء الله ، وبه الثقة .
وقوله : تعالى إخبارًا عن الخليل أنه قال : { رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا } أي : من الخوف ، لا يَرْعَبُ أهله ، وقد فعل الله ذلك شرعًا وقدرًا . كقوله تعالى{[2693]} { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } [ آل عمران : 97 ] وقوله { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } [ العنكبوت : 67 ] إلى غير ذلك من الآيات . وقد تقدمت الأحاديث في تحريم القتال فيها . وفي صحيح مسلم عن جابر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يحل لأحد أن يحمل بمكة السلاح " {[2694]} . وقال في هذه السورة : { رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا } أي : اجعل هذه البقعة بلدًا آمنًا ، وناسب هذا ؛ لأنه قبل بناء الكعبة . وقال تعالى في سورة إبراهيم : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا } [ إبراهيم : 35 ] وناسب هذا هناك لأنه ، والله أعلم ، كأنه وقع دعاء ثانًيا{[2695]} بعد بناء البيت واستقرار أهله به ، وبعد مولد إسحاق الذي هو أصغر سنًّا من إسماعيل بثلاث عشرة سنة ؛ ولهذا قال في آخر الدعاء : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ } [ إبراهيم : 39 ]
وقوله تعالى : { وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }
قال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب : { قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قليلا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلى عَذَابِ النَّارِ وَبِئسَ الْمَصِير } قال : هو قول الله تعالى . وهذا قول مجاهد وعكرمة وهو الذي صوبه ابن جرير ، رحمه الله تعالى : قال : وقرأ آخرون : { قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } فجعلوا ذلك من تمام دعاء إبراهيم ، كما رواه أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : كان ابن عباس يقول : ذلك قول إبراهيم ، يسأل ربه أن من كفر فأمتعه قليلا .
وقال أبو جعفر ، عن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد : { وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلا } يقول : ومن كفر فأرزقه أيضًا { ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِير }
وقال محمد بن إسحاق : لما عزل إبراهيم ، عليه السلام ، الدعوة عمَّن أبى الله أن يجعل له الولاية - انقطاعًا إلى الله ومحبته ، وفراقًا لمن خالف أمره ، وإن كانوا من ذريته ، حين عرف أنه كائن منهم أنه ظالم ألا يناله عهدُه ، بخبر الله له بذلك - قال الله : ومن كفر فإني أرزق البر والفاجر وأمتعه قليلا .
وقال حاتم بن إسماعيل عن حُمَيد الخرَّاط ، عن عَمَّار الدُّهْني ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله تعالى : { رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } قال ابن عباس : كان إبراهيم يحجُرها على المؤمنين دون الناس ، فأنزل الله ومن كفر أيضًا أرزقهم كما أرزق المؤمنين أأخلق خلقًا لا أرزقهم ؟ ! أمتعهم قليلا ثم أضطرهم إلى عذاب النار وبئس المصير . ثم قرأ ابن عباس : { كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا } [ الإسراء : 20 ] . رواه ابن مَرْدُويه . ورُوي عن عكرمة ومجاهد نحو ذلك أيضًا . وهذا كقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ* مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } [ يونس : 69 ، 70 ] ، وقوله تعالى : { وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ* نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ } [ لقمان : 23 ، 24 ] ، وقوله : { وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ* وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ* وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 33 ، 35 ]
وقوله { ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } أي : ثم ألجئه بعد متاعه في الدنيا وبسطنا عليه من ظلها إلى عذاب النار وبئس المصير . ومعناه : أن الله تعالى يُنْظرُهم ويُمْهلهُم ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، كقوله تعالى : { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ }
[ الحج : 48 ] ، وفي الصحيحين : " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ؛ إنهم يجعلون له ولدا ، وهو يرزقهم ويعافيهم " {[2696]} وفي الصحيح أيضًا : " إن الله ليملي{[2697]} للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " . ثم قرأ قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [ هود : 102 ]{[2698]} .
{ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا } يريد به البلد ، أو المكان . { بلدا آمنا } ذا أمن كقوله تعالى ؛ { في عيشة راضية } . أو آمنا أهله كقولك : ليل نائم { وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر } أبدل من { من آمن } { أهله } بدل البعض للتخصيص { قال ومن كفر } عطف على { آمن } والمعنى وارزق من كفر ، قاس إبراهيم عليه الصلاة والسلام الرزق على الإمامة ، فنبه سبحانه على أن الرزق رحمة دنيوية تعم المؤمن والكافر ، بخلاف الإمامة والتقدم في الدين . أو مبتدأ متضمن معنى الشرط { فأمتعه قليلا } خبره ، والكفر وإن لم يكن سببا للتمتيع لكنه سبب لتقليله ، بأن يجعله مقصورا بحظوظ الدنيا غير متوسل به إلى نيل الثواب ، ولذلك عطف عليه { ثم أضطره إلى عذاب النار } أي ألزه إليه لز المضطر لكفره وتضييعه ما متعته به من النعم ، وقليلا نصب على المصدر ، أو الظرف . وقرئ بلفظ الأمر فيهما على أنه من دعاء إبراهيم وفي قال ضميره . وقرأ ابن عامر { فأمتعه } من أمتع . وقرئ " فنمتعه " ثم نضطره ، و " اضطره " بكسر الهمزة على لغة من يكسر حروف المضارعة ، و " أضطره " بإدغام الضاد وهو ضعيف لأن حروف ( ضم شفر ) يدغم فيها ما يجاورها دون العكس .
عطف على { وإذ جعلنا البيت مثابة } [ البقرة : 125 ] لإفادة منقبة ثالثة لإبراهيم عليه السلام في استجابة دعوته بفضل مكة والنعمة على ساكنيها إذا شكروا ، وتنبيه ثالث لمشركي مكة يومئذ ليتذكروا دعوة أبيهم إبراهيم المشعرة بحرصه على إيمانهم بالله واليوم الآخر حتى خص من ذريته بدعوته المؤمنين فيعرض المشركون أنفسهم على الحال التي سألها أبوهم فيتضح لهم أنهم على غير تلك الحالة ، وفي ذلك بعث لهم على الاتصاف بذلك لأن للناس رغبة في الاقتداء بأسلافهم وحنيناً إلى أحوالهم ، وفي ذلك كله تعريض بهم بأن ما يدلون به من النسب لإبراهيم ومن عمارة المسجد الحرام ومن شعائر الحج لا يغني عنهم من الإشراك بالله ، كما عرض بالآيات قبل ذلك باليهود والنصارى وذلك في قوله هنا : { ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير } وبه تظهر مناسبة ذكر هذه المنقبة عقب قوله تعالى : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً } [ البقرة : 125 ] .
واسم الإشارة في قوله : { هذا بلداً } مراد به الموضع القائم به إبراهيم حين دعائه وهو المكان الذي عليه امرأته وابنه وعزم على بناء الكعبة فيه إن كان الدعاء قبل البناء ، أوا لذي بني فيه الكعبة إن كان الدعاء بعد البناء ، فإن الاستحضار بالذات مغن عن الإشارة الحسية باليد لأن تمييزه عند المخاطب مغن عن الإشارة إليه فإطلاق اسم الإشارة حينئذ واضح .
وأصل أسماء الإشارة أن يستغنى بها عن زيادة تبيين المشار إليه تبييناً لفظياً لأن الإشارة بيان ، وقد يزيدون الإشارة بياناً فيذكرون بعد اسم الإشارة اسماً يعرب عطف بيان أو بدلاً من اسم الإشارة للدلالة على أن المشار إليه قصد استحضاره من بعض أوصافه كقولك هذا الرجل يقول كذا ، ويتأكد ذلك إن تركت الإشارة باليد اعتماداً على حضور المراد من اسم الإشارة . وقد عدل هنا عن بيان المشار إليه اكتفاء عنه بما هو الواقع عند الدعاء ، فإن إبراهيم دعا دعوته وهو في الموضع الذي بنى فيه الكعبة لأن الغرض ليس تفصيل حالة الدعاء إنما هو بيان استجابة دعائه وفضيلة محل الدعوة وجعل مكة بلداً آمناً ورزق أهله من الثمرات ، وتلك عادة القرآن في الإعراض عما لا تعلق به بالمقصود ألا ترى أنه لما جعل البلد مفعولاً ثانياً استغنى عن بيان اسم الإشارة ، وفي سورة إبراهيم ( 35 ) لما جعل { آمناً } مفعولاً ثانياً بين اسم الإشارة بلفظ ( البلد ) ، فحصل من الآيتين أن إبراهيم دعا لبلد بأن يكون آمناً .
والبلد المكان المتسع من الأرض المتحيز عامراً أو غامراً ، وهو أيضاً الأرض مطلقاً ، قال صَنَّان اليشكري :
لَكِنَّه حَوْضُ مَن أَوْدَى بإخْوَتِهِ *** رَيْبُ المَنونِ فأضحى بَيْضَة البلد
يريد بيضة النعام في أدحيّ النعام أي محل بيضه ، ويطلق البلد على القرية المكونة من بيوت عدة لسكنى أهلها بها وهو إطلاق حقيقي هو أشهر من إطلاق البلد على الأرض المتسعة والظاهر أن دعوة إبراهيم المحكية في هذه الآية كانت قبل أن تتقرى مكة حيث لم يكن بها إلا بيت إسماعيل أو بيت أو بيتان آخران لأن إبراهيم ابتدأ عمارته ببناء البيت من حجر ، ولأن إلهام الله إياه لذلك لإرادته تعالى مصيرها مهيع الحضارة لتلك الجهة إرهاصاً لنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن ذلك المكان كان مأهولاً بسكان وقت مجيء إبراهيم وامرأته وابنه ، والعرب يذكرون أنه كان في تلك الجهة عشائر من جرهم وقطوراً والعمالقة والكركر في جهات أجياد وعرفات .
والآمن اسم فاعل من أمن ضد خاف ، وهو عند الإطلاق عدم الخوف من عدو ومن قتال وذلك ما ميز الله مكة به من بين سائر بلاد العرب ، وقد يطلق الأمن على عدم الخوف مطلقاً فتعين ذكر متعلقه ، وإنما يوصف بالأمن ما يصح اتصافه بالخوف وهو ذو الإدراكية ، فالإخبار بآمنا عن البلد إما بجعل وزن فاعل هنا للنسبة بمعنى ذا أمن كقول النابغة : * كليني لهم يا أميمة ناصب * أي ذي نصب ، وإما على إرادة آمنا أهله على طريقة المجاز العقلي لملابسة المكان . ثم إن كان المشار إليه في وقت دعاء إبراهيم أرضاً فيها بيت أو بيتان . فالتقدير في الكلام اجعل هذا المكان بلداً آمناً أي قرية آمنة فيكون دعاء بأن يصير قرية وأن تكون آمنة .
وإن كان المشار إليه في وقت دعائه قرية بنى أناس حولها ونزلوا حذوها وهو الأظهر الذي يشعر به كلام « الكشاف » هنا وفي سورة إبراهيم كان دعاء للبلد بحصول الأمن له وأما حكاية دعوته في سورة إبراهيم ( 35 ) بقوله : { اجعل هذا البلد آمناً } فتلك دعوة له بعد أن صار بلداً .
ولقد كانت دعوة إبراهيم هذه من جوامع كلم النبوءة فإن أمن البلاد والسبُلِ يستتبع جميع خصال سعادة الحياة ويقتضي العدل والعزة والرخاء إذ لا أمن بدونها ، وهو يستتبع التعمير والإقبالَ على ما ينفع والثروةَ فلا يختل الأمن إلا إذا اختلت الثلاثة الأول وإذا اختل اختلت الثلاثة الأخيرة ، وإنما أراد بذلك تيسير الإقامة فيه على سكانه لتوطيد وسائل ما أراده لذلك البلد من كونه منبع الإسلام .
والثَّمَرات جمع ثَمَرة وهي ما تحمل به الشجرة وتنتجه مما فيه غذاء للإنسان أو فاكهة له ، وكأن اسمه منتسب من اسم التمر بالمثناة فإن أهل الحجاز يريدون بالثمر بالمثلثة التمرَ الرَّطب وبالمثناة التمر اليابس .
وللثمرة جموع متعددة وهي ثَمَر بالتحريك وثِمَار ، وثُمر ، بضمتين ، وأَثمار ، وأثامير ، قالوا : ولا نظير له في ذلك إلا أَكمة جُمعت على أَكَم وإِكَامٍ وأُكُم وآكام وأكاميم .
والتعريف في الثمرات تعريف الاستغراق وهو استغراق عُرفي أي من جميع الثمرات المعروفة للناس ودليل كونه تعريف الاستغراق مجيء مِن التي للتبعيض ، وفي هذا دعاء لهم بالرفاهية حتى لا تطمح نفوسهم للارتحال عنه .
وقوله : { من آمن منهم بالله } بدل بعضٍ من قوله { أهله } يفيد تخصيصه لأن أهله عام إذ هو اسم جمع مضاف وبَدل البعض مخصص .
وخَصَّ إبراهيم المؤمنين بطلب الرزق لهم حرصاً على شيُوع الإيمان لساكِنيه لأنهم إذا علموا أن دعوة إبراهيم خصت المؤمنين تجنبوا ما يحيد بهم عن الإيمان ، فجَعل تيسير الرزق لهم على شرط إيمانهم باعثاً لهم على الإيمان ، أو أراد التأدب مع الله تعالى فسأله سؤالاً أقرب إلى الإجابة ولعله استشعر من رد الله عليه عموم دعائه السابق إذ قال : { ومن ذريتي } [ البقرة : 124 ] فقال : { لا ينال عهدي الظالمين } [ البقرة : 124 ] أن غير المؤمنين ليسوا أهلاً لإجراء رزق الله عليهم وقد أعقب الله دعوته بقوله : { ومن كفر فأمتعه قليلاً } .
ومقصد إبراهيم من دعوته هذه أن تتوفر لأهل مكة أسباب الإقامة فيها فلا تضطرهم الحاجة إلى سكنى بلد آخر لأنه رجا أن يكونوا دعاة لما بنيت الكعبة لأجله من إقامة التوحيد وخصال الحنيفية وهي خصال الكمال ، وهذا أول مظاهر تكوين المدينة الفاضلة التي دعا أفلاطون لإيجادها بعد بضعة عشر قرناً .
وجملة ؛ { قال ومن كفر فأمتعه } جاءت على سنن حكاية الأقوال في المحاورات والأجوبة مفصولة ، وضمير { قال } عائد إلى الله ، فمن جوز أن يكون الضمير في { قال } لإبراهيم وأن إعادة القول لطول المقول الأول فقد غفل عن المعنى وعن الاستعمال وعن الضمير في قوله : { فأمتعه } .
وقوله : { ومن كفر } الأظهر أنه عطف على جملة : { وارزق أهلَه } باعتبار القَيد وهو قوله : { من آمن } فيكون قوله : { ومن كفر } مبتدأ وضُمن الموصول معنى الشرط فلذلك قرن الخبر بالفاء على طريقة شائعة في مثله ، لما قدمناه في قوله : { ومن ذريتي } [ البقرة : 124 ] أن عطف التلقين في الإنشاء إذا كان صادراً من الذي خوطب بالإنشاء كان دليلاً على حصول الغرض من الإنشاء والزيادة عليه ، ولذلك آل المعنى هنا إلى أن الله تعالى أظهر فضله على إبراهيم بأنه يرزق ذريته مؤمنهم وكافرَهم ، أو أظهر سعة رحمته برزق سكان مكة كلهم مؤمنهم وكافرهم .
ومعنى ( أمتعه ) أَجعلُ الرزقَ له متاعاً ، و { قليلاً } صفة لمصدر محذوف لبعد قوله : { فأمتعه } والمتاع القليل متاع الدنيا كما دلت عليه المقابلة بقوله : { ثم أضطره إلى عذاب النار } .
وفي هذه الآية دليل لقول الباقلاني والماتريدية والمعتزلة بأن الكفار منعم عليهم بنِعَم الدنيا ، وقال الأشعري لم ينعم على الكافر لا في الدنيا ولا في الآخرة وإنما أعطاهم الله في الدنيا ملاذ على وجه الاستدراج ، والمسألة معدودة في مسائل الخلاف بين الأشعري والماتريدي ، ويشبه أن يكون الخلاف بينهما لفظياً وإن عده السبكي في عداد الخلاف المعنوي .
وقوله : { ثم أضطره إلى عذاب النار } احتراس من أن يَغتر الكافر بأنَّ تخويله النعم في الدنيا يؤذن برضى الله فلذلك ذُكر العذاب هنا .
و ( ثم ) للتراخي الرتبي كشأنها في عطف الجُمل من غير التفات إلى كون مصيره إلى العذاب متأخراً عن تمتيعه بالمتاع القليل .
والاضطرار في الأصل الالتجاء وهو بوزن افتعل مطاوع أَضره إذا صيره ذا ضرورة أي حاجة ، فالأصل أن يكون اضطر قاصراً لأن أصل المطاوعة عدم التعدي ولكن الاستعمال جاء على تعديته إلى مفعول وهو استعمال فصيح غيرُ جار على قياسٍ يقال اضطرَّهُ إلى كذا أي ألجأه إليه ، ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة لقمان ( 24 ) : { نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ } .
وقوله : { وبئس المصير } تذييل والواو للاعتراض أو للحال والخبر محذوف هو المخصوص بالذم وتقديره هي .