قوله تعالى :{ وإذا وقع القول عليهم } وجب العذاب عليهم ، وقال قتادة : إذا غضب الله عليهم ، { أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم } واختلفوا في كلامها ، فقال السدي : تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الإسلام . وقال بعضهم : كلامها أن تقول لواحد : هذا مؤمن ، وتقول لآخر : هذا كافر . وقيل كلامها ما قال الله تعالى : { إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون } . قال مقاتل تكلمهم بالعربية ، فتقول : إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ، تخبر الناس أن أهل مكة لم يؤمنوا بالقرآن والبعث . قرأ أهل الكوفة : أن الناس بفتح الألف ، أي : بأن الناس ، وقرأ الباقون بالكسر على الاستئناف ، أي : أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون قبل خروجها . قال ابن عمر : وذلك حين لا يؤمر بمعروف ولا ينهى عن منكر . وقرأ سعيد بن جبير ، وعاصم الجحدري ، وأبو رجاء العطاردي : تكلمهم بفتح التاء وتخفيف اللام من الكلم وهو الجرح . قال أبو الجوزاء : سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية : تكلمهم أو تكلم ؟ قال : كل ذلك تفعل ، تكلم المؤمن ، وتكلم الكافر .
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أنبأنا أبو الحسن الطيسفوني ، أنبأنا عبد الله بن عمر الجوهري ، أنبأنا أحمد بن علي الكشمهيني ، أنبأنا علي بن حجر ، أنبأنا إسماعيل بن جعفر ، أنبأنا العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بادروا بالأعمال ستاً : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، والدجال ، ودابة الأرض ، وخاصة أحدكم ، وأمر العامة " .
أخبرنا إسماعيل بن عبد الله ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أنبأنا مسلم بن الحجاج ، أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة ، أنبأنا محمد بن بشر ، عن أبي حيان ، عن أبي زرعة ، عن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم :{ إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة على الناس ضحى وأيتهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريباً " .
وأخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا عبد الله الحسين بن أحمد ابن فنجويه ، أنبأنا أبو بكر بن خرجة ، أنبأنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي ، أنبأنا هشيم ابن حماد ، أنبأنا عمرو بن محمد العبقري ، عن طلحة بن عمرو ، عن عبد الله بن عمير الليثي ، عن أبي شريحة الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يكون للدابة ثلاث خرجات من الدهر ، فتخرج خروجاً بأقصى اليمن فيفشو ذكرها في البادية ولا يدخل ذكرها القرية ، يعني مكة ، ثم تمكث زماناً طويلاً ، ثم تخرج خرجة أخرى قريباً من مكة ، فيفشو ذكرها في البادية ، ويدخل ذكرها القرية يعني مكة فبينما الناس يوماً في أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها على الله عز وجل يعني : المسجد الحرام لم يرعهم إلا وهي في ناحية المسجد تدنو وتدنو " كذا قال ابن عمر ، وما بين الركن الأسود إلى باب بني مخزوم عن يمين الخارج في وسط من ذلك فارفض الناس عنها وثبت لها عصابة عرفوا أنهم لم يعجزوا الله ، فخرجت عليهم تنفض رأسها من التراب فمرت بهم فجلت عن وجوههم حتى تركتها كأنها الكواكب الدرية ، ثم ولت في الأرض لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب ، حتى إن الرجل ليقوم فيتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول :يا فلان الآن تصلي ؟ فيقبل عليها بوجهه فتسمه في وجهه ، فيتجاور الناس في ديارهم ، ويصطحبون في أسفارهم ، ويشتركون في الأموال ، يعرف الكافر من المؤمن ، فيقال للمؤمن : يا مؤمن ، ويقال للكافر : يا كافر .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني الحسن بن محمد ، أنبأنا أبو بكر بن مالك العطيفي ، أنبأنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا بهز ، حدثنا حماد ، هو ابن أبي سلمة ، أنبأنا علي بن زيد ، عن أوس بن خالد ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تخرج الدابة ومعها عصا موسى وخاتم سليمان ، فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتحطم أنف الكافر بالخاتم حتى أن أهل الخوان ليجتمعون فيقول هذا يا مؤمن ويقول هذا يا كافر " . وروي عن علي قال : ليست بدابة لها ذنب ، ولكن لا لحية ، كأنه يشير إلى أنه رجل والأكثرون على أنها دابة . وروى ابن جريج عن ابن الزبير أنه وصف الدابة فقال : رأسها رأس الثور وعينها عين الخنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن أيل ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة هر ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعاً ، معها عصا موسى ، وخاتم سليمان ، فلا يبقى مؤمن إلا نكتته في مسجده بعصا موسى نكتة بيضاء يضيء بها وجهه ، ولا يبقى كافر إلا نكتت وجهه بخاتم سليمان فيسود بها وجهه ، حتى إن الناس يتبايعون في الأسواق : بكم يا مؤمن ؟ بكم يا كافر ؟ ثم تقول لهم الدابة : يا فلان أنت من أهل الجنة ، ويا فلان أنت من أهل النار ، فذلك قوله عز وجل : { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض } الآية .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني عقيل بن محمد الجرجاني الفقيه ، أنبأنا أبو الفرج المعافى بن زكريا البغدادي ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، أنبأنا أبو كريب ، أنبأنا الأشجعي ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن ابن عمر قال : " تخرج الدابة من صدع في الصفا كجري الفرس ثلاثة أيام وما خرج ثلثها " . وبه عن محمد بن جرير الطبري قال : حدثني عصام بن داود بن الجراح ، حدثنا أبي ، حدثنا سفيان بن سعيد ، أنبأنا منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة ، قلت : يا رسول الله من أين تخرج ؟ قال : من أعظم المساجد حرمة على الله ، بينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون إذ تضرب الأرض تحتهم ، وتنشق الصفا مما يلي المشعر ، وتخرج الدابة من الصفا أول ما يبدو منها رأسها ملمعة ذات وبر وريش ، لن يدركها طالب ولن يفوتها هارب ، تسمي الناس مؤمناً وكافراً ، أما المؤمن فتترك وجهه كأنه كوكب دري وتكتب بين عينيه مؤمن ، وأما الكافر فتكتب بين عينيه نكتة سوداء ، وتكتب بين عينيه كافر " . وروي عن ابن عباس : أنه قرع الصفا بعصاه وهو محرم ، وقال : إن الدابة لتسمع قرع عصاي هذه . وعن عبد الله بن عمرو ، قال : تخرج الدابة من شعب فيمس رأسها السحاب ورجلاها في الأرض ما خرجتا ، فتمر بالإنسان يصلي فتقول : ما الصلاة من حاجتك ، فتخطمه وعن ابن عمر قال : تخرج الدابة ليلة جمع ، والناس يسيرون إلى منى . وعن سهيل بن صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بئس الشعب شعب أجياد ، مرتين أو ثلاثاً ، قيل : ولم ذلك يا رسول الله ، قال : تخرج منه الدابة فتصرخ ثلاث صرخات يسمعها من بين الخافقين " . وقال وهب : وجهها وجه رجل وسائر خلقها كخلق الطير ، فتخبر من رآها أن أهل مكة كانوا بمحمد والقرآن لا يوقنون .
أي : إذا وقع على الناس القول الذي حتمه الله وفرض وقته . { أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً } خارجة { مِنَ الأرْضِ } أو دابة من دواب الأرض ليست من السماء . وهذه الدابة { تُكَلِّمُهُمْ } أي : تكلم العباد أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ، أي : لأجل أن الناس ضعف علمهم ويقينهم بآيات الله ، فإظهار الله هذه الدابة من آيات الله العجيبة ليبين للناس ما كانوا فيه يمترون .
وهذه الدابة هي الدابة المشهورة التي تخرج في آخر الزمان وتكون من أشراط الساعة كما تكاثرت بذلك الأحاديث [ ولم يأت دليل يدل على كيفيتها ولا من أي : نوع هي وإنما دلت الآية الكريمة على أن الله يخرجها للناس وأن هذا التكليم منها خارق للعوائد المألوفة وأنه من الأدلة على صدق ما أخبر الله به في كتابه والله أعلم ]{[597]}
هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتَرْكِهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق ، يخرج الله لهم دابة من الأرض - قيل : من مكة . وقيل : من غيرها . كما سيأتي تفصيله - فَتُكَلِّم الناس على ذلك .
قال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة - ورُوي عن علي رضي الله عنه - : تكلمهم كلاما أي : تخاطبهم مخاطبة .
وقال عطاء الخراساني : تكلمهم فتقول لهم : إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون . ويروى هذا عن علي ، واختاره ابن جرير . وفي هذا [ القول ]{[22153]} نظر لا يخفى ، والله أعلم .
وقال ابن عباس - في رواية - تجرحهم . وعنه رواية ، قال : كلا{[22154]} تفعل يعني هذا وهذا ، وهو قولٌ حسن ، ولا منافاة ، والله أعلم .
وقد ورد في ذكر الدابة أحاديث وآثار كثيرة ، فلنذكر ما تيسر منها ، والله المستعان :
قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن فُرَات ، عن أبي الطفيل ، عن حُذَيفة بن أسيد الغفاري قال : أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر أمر الساعة فقال : لا تقوم الساعة حتى تَرَوا عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، والدابة ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وخروج عيسى بن مريم ، والدجال ، وثلاثة خسوف : خسف بالمغرب ، وخسف بالمشرق ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قَعر عدن تسوق - أو : تحشر - الناس ، تبيت معهم حيث باتوا ، وتقيل معهم حيث قالوا " {[22155]} .
وهكذا رواه مسلم وأهل السنن ، من طرق ، عن فُرَات القزاز ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، عن حُذَيفة موقوفا{[22156]} . وقال الترمذي : حسن صحيح{[22157]} . ورواه مسلم أيضًا من حديث عبد العزيز بن رُفَيْع ، عن أبي الطفيل ، عنه مرفوعًا{[22158]}-{[22159]} . والله أعلم .
طريق أخرى : قال أبو داود الطيالسي ، عن طلحة بن عمرو ، وجرير بن حازم ، فأما طلحة فقال : أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن عمَير الليثي : أن أبا الطفيل حدثه ، عن حذَيفة بن أسيد الغفاري أبي سَريحَةَ ، وأما جرير فقال : عن عبد الله بن عُبيد ، عن رجل من آل عبد الله بن مسعود - وحديث طلحة أتم وأحسن - قال : ذَكَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال : " لها ثلاث خرجات من الدهر ، فتخرج خَرجة من أقصى البادية ، ولا يدخل ذكرها القرية - يعني : مكة - ثم تكمن زمانًا طويلا ثم تخرج خَرْجة أخرى دون تلك ، فيعلو ذكرها في أهل البادية ، ويدخل ذكرها القرية " يعني : مكة . - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها : المسجد الحرام ، لم يَرُعْهم إلا وهي تَرْغو{[22160]} بين الركن والمقام ، تنفض عن رأسها التراب . فارفض الناس عنها شتَّى ومعًا ، وبقيت عصابة من المؤمنين ، وعرفوا أنهم لم يعجزوا الله ، فبدأت بهم فجَلَت وجوههم حتى جعلتها كأنها الكوكب الدرّي ، وولت في الأرض لا يدركها طالب ، ولا ينجو منها هارب ، حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة ، فتأتيه من خلفه فتقول : يا فلان ، الآن تصلي ؟ فيقبل عليها فَتَسِمُهُ{[22161]} في وجهه ، ثم تنطلق ويشترك الناس في الأموال ، ويصطحبون في الأمصار ، يعرف المؤمن من الكافر ، حتى إن المؤمن ليقول : يا كافر ، اقضني حقي . وحتى إن الكافر ليقول : يا مؤمن ، اقضني حقي " {[22162]} .
ورواه ابن جرير من طريقين ، عن حذيفة بن أُسَيْد موقوفًا{[22163]} فالله أعلم . ورواه من رواية حذيفة بن اليمان مرفوعًا ، وأن ذلك في زمان عيسى بن مريم ، وهو يطوف بالبيت ، ولكن إسناده لا يصح{[22164]} .
حديث آخر : قال مسلم بن الحجاج : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن بشر ، عن أبي حَيَّان ، عن أبي زُرْعَة ، عن عبد الله بن عمرو قال : حَفظْتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا لم أنسه{[22165]} بعد : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة على الناس ضُحى ، وأيتهما ما كانت قبل صاحبتها ، فالأخرى{[22166]} على أثرها قريبًا " {[22167]} .
حديث آخر : روى مسلم في صحيحه من حديث العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب - مولى الحُرَقَة - عن أبيه : عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بادروا بالأعمال ستا{[22168]} : طلوع الشمس من مغربها ، أو الدخان ، أو الدجال ، أو الدابة ، أو خاصة أحدكم ، أو أمر العامة " {[22169]} . وله من حديث قتادة ، عن الحسن ، عن زياد بن رباح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بادروا بالأعمال ستا : الدجال ، والدخان ، ودابة الأرض ، وطلوع الشمس من مغربها ، وأمر العامة وخُويّصة أحدكم " {[22170]} .
حديث آخر : قال ابن ماجه : حدثنا حَرْمَلَة بن يحيى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عَمْرُو بن الحارث وابن لَهِيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سِنَان بن سعد ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بادروا بالأعمال ستًا : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، ودابة الأرض ، والدجال ، وخُوَيّصة أحدكم ، وأمر العامة " . تفرد به{[22171]} .
حديث آخر : قال أبو داود الطيالسي أيضا : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أوس{[22172]} بن خالد ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تخرج دابة الأرض ، ومعها عصا موسى وخاتم سليمان ، عليهما السلام ، فتخطم أنف الكافر بالعصا ، وتُجلي وجه المؤمن بالخاتم ، حتى يجتمع الناس على الخوان يعرف المؤمن من الكافر " .
ورواه الإمام أحمد ، عن بَهْز وعفان ويزيد بن هارون ، ثلاثتهم عن حماد بن سلمة ، به{[22173]} . وقال : " فتخطم أنف الكافر بالخاتم ، وتجلو وجه المؤمن بالعصا ، حتى إن أهل الخوان الواحد ليجتمعون فيقول هذا : يا مؤمن ، ويقول هذا : يا كافر " .
ورواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يونس بن محمد المؤدب ، عن حماد بن سلمة ، به{[22174]} .
حديث آخر : قال ابن ماجه : حدثنا أبو غسان محمد بن عمرو ، حدثنا أبو تُمَيْلة ، حدثنا خالد بن عُبَيْد ، حدثنا عبد الله بن بُرَيدة ، عن أبيه قال : ذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع بالبادية ، قريب من مكة ، فإذا أرض يابسة حولها رمل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تخرج الدابة من هذا الموضع . فإذا فِتْر في شبر " .
قال ابن بُرَيدة : فحججت بعد ذلك بسنين ، فأرانا عصًا له ، فإذا هو بعَصاي هذه{[22175]} ، كذا وكذا{[22176]} .
وقال عبد الرزاق عن مَعْمَر ، عن قتادة ؛ أن ابن عباس قال : هي دابةٌ ذات زَغَب ، لها أربع قوائم ، تخرج من بعض أودية تهامة{[22177]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن رَجَاء ، حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية قال : قال عبد الله : تخرج الدابة من صِدْع من الصفا كجَرْي الفرس ثلاثة أيام ، لم يخرج ثلثها .
وقال محمد بن إسحاق ، عن أبان بن صالح قال : سئل عبد الله بن عمرو عن الدابة ، فقال : الدابة تخرج من تحت صخرة بجياد ، والله لو كنت معهم - أو لو شئت بعصاي الصخرة التي تخرج الدابة من تحتها . قيل : فتصنعُ ماذا يا عبد الله بن عمرو ؟ قال : تستقبل المشرق فتصرخ صرخة تنفُذُه ، ثم تستقبل الشام فتصرخ{[22178]} صرخة تنفذه ، ثم تستقبل المغرب فتصرخ صرخة تنفذه ، ثم تستقبل اليمن فتصرخ صرخة تنفذه ، ثم تروح من مكة فتصبح{[22179]} بعسفان . قيل : ثم ماذا ؟ قال : لا أعلم .
وعن عبد الله بن عمر ، أنه قال : تخرج الدابة ليلة جَمْع{[22180]} . ورواه ابن أبي حاتم . وفي إسناده ابن البيلمان{[22181]} .
وعن وهب بن منبه : أنه حكى من كلام عُزَير ، عليه السلام ، أنه قال : وتخرج من تحت سدوم دابة تكلم الناس كل يسمعها ، وتضع الحبالى قبل التمام ، ويعود الماء العذب أجاجًا ، ويتعادى الأخلاء ، وتُحرَقُ الحكمة ، ويُرفَعُ العلم ، وتكلم الأرض التي تليها . وفي ذلك الزمان يرجو الناس ما لا يبلغون ، ويتعبون فيما لا ينالون ، ويعملون فيما لا يأكلون . رواه ابن أبي حاتم ، عنه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح - كاتب الليث - حدثني معاوية بن صالح ، عن أبي مريم : أنه سمع أبا هريرة ، رضي الله عنه ، يقول : إن الدابة فيها من كل لون ، ما بين قرنيها فرسخ{[22182]} للراكب .
وقال ابن عباس : هي مثل الحربة الضخمة .
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، أنه قال : إنها دابة لها ريش وزغب وحافر ، وما لها ذنب ، ولها لحية ، وإنها لتخرج حُضْر الفرس الجواد ثلاثا ، وما خرج ثلثها{[22183]} . ورواه ابن أبي حاتم .
وقال ابن جُرَيْج ، عن ابن الزبير أنه وصف الدابة فقال : رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن أيَّل ، وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نَمر ، وخاصرتها خاصرة هِرّ ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصلين اثنا [ عشر ]{[22184]} ذراعًا ، تخرج معها عصا موسى ، وخاتم سليمان ، فلا يبقى مؤمن إلا نَكتَت في وجهه بعصا موسى نكتة بيضاء ، فتفشو تلك النكتة حتى يبيضّ لها وجهه ، ولا يبقى كافر إلا نَكَتت في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان ، فتفشو تلك النكتة حتى يسود لها وجهه ، حتى إن الناس يتبايعون في الأسواق : بكم ذا يا مؤمن ، بكم ذا يا كافر ؟ وحتى إنّ أهل البيت يجلسون على مائدتهم ، فيعرفون مؤمنهم من كافرهم ، ثم تقول لهم الدابة : يا فلان ، أبشر ، أنت من أهل الجنة ، ويا فلان ، أنت من أهل النار . فذلك قول الله تعالى : { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ } {[22185]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَآ أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مّسْلِمُونَ * وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبّةً مّنَ الأرْضِ تُكَلّمُهُمْ أَنّ النّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ } .
اختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين : وما أنْتَ بِهادِي بالياء والألف وإضافته إلى العمي بمعنى : لست يا محمد بهادي من عمي عن الحقّ عَنْ ضَلالَتِهِ . وقراءة عامة قرّاء الكوفة «وَما أنْتَ تَهْدِي العُمْىَ » بالتاء ونصب العمي ، بمعنى : ولست تهديهم عَنْ ضَلالَتهِمْ ولكن الله يهديهم إن شاء .
والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان متقاربتا المعنى مشهورتان في قرّاء الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وتأويل الكلام ما وصفت وَما أنتَ يا محمد بِهادِي من أعماه الله عن الهدى والرشاد فجعل على بصره غشاوة أن يتبين سبيل الرشاد عن ضلالته التي هو فيها إلى طريق الرشاد وسبيل الرشاد . وقوله : إنْ تُسْمِعُ إلاّ مَنْ يُؤْمِنُ بآياتِنا يقول : ما تقدر أن تُفهم الحقّ وتوعيه أحدا إلا سمع من يصدّق بآياتنا ، يعني بأدلته وحججه وآي تنزيله فَهُمْ مُسْلمُونَ فإن أولئك يسمعون منك ما تقول ويتدبرونه ، ويفكرون فيه ، ويعملون به ، فهم الذين يسمعون .
ذكر من قال مثل الذي قلنا في قوله تعالى : وَقَع :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ قال : حقّ عليهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهُمْ يقول : إذا وجب القول عليهم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ قال : حقّ العذاب .
قال ابن جُرَيج : القول : العذاب . ذكر من قال قولنا في معنى القول :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ والقول : الغضب .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن هشام ، عن حفصة ، قالت : سألت أبا العالية ، عن قوله : وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ فقال : أوحى الله إلى نوح إنّهُ لَنْ يُؤْمِنُ مِنَ قَوْمِكَ إلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ قالت : فكأنما كان على وجهي غطاء فكشف .
وقال جماعة من أهل العلم : خروج هذه الدابة التي ذكرها حين لا يأمر الناس بمعروف ولا ينهون عن منكر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن عمرو بن قيس ، عن عطية العوفي ، عن ابن عمر في قوله : وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنَ الأرْضِ قال : هو حين لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن الحسن أبو الحسن ، قال : حدثنا عمرو بن قيس الملائي ، عن عطية ، عن ابن عمر ، في قوله : وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنَ الأرْضِ قال : ذاك إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن قيس ، عن عطية ، عن ابن عمر ، في قوله : أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلّمُهُمْ قال : حين لا يأمرون بالمعروف ، ولا ينهون عن المنكر .
حدثني محمد بن عمرو المقدسي ، قال : حدثنا أشعث بن عبد الله السجستاني ، قال : حدثنا شعبة ، عن عطية ، في قوله : وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلّمُهُمْ قال : إذا لم يعرفوا معروفا ، ولم ينكروا منكرا .
وذُكر أن الأرض التي تخرج منها الدابة مكة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُريب ، قال : ثني الأشجعي ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن ابن عمر ، قال : تخرج الدابة من صَدع في الصفا كجري الفرس ثلاثة أيام وما خرج ثلثها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو بن قيس ، عن الفرات القزاز ، عن عامر بن واثلة أبي الطفيل ، عن حُذيفة بن أسيد الغفاري ، قال : إن الدابة حين تخرج يراها بعض الناس فيقولون : والله لقد رأينا الدابة ، حتى يبلغ ذلك الإمام ، فيطلب فلا يقدر على شيء . قال : ثم تخرج فيراها الناس ، فيقولون : والله لقد رأيناها ، فيبلغ ذلك الإمام فيطلب فلا يرى شيئا ، فيقول : أما إني إذا حدث الذي يذكرها قال : حتى يعدّ فيها القتل ، قال : فتخرج ، فإذا رآها الناس دخلوا المسجد يصلون ، فتجيء إليهم فتقول : الآن تصلون ، فتخطم الكافر ، وتمسح على جبين المسلم غرّة ، قال : فيعيش الناس زمانا يقول هذا : يا مؤمن ، وهذا : يا كافر .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عثمان بن مطر ، عن واصل مولى أبي عيينة ، عن أبي الطفيل عن حُذيفة ، وأبي سفيان ، حدثنا عن معمر ، عن قيس بن سعد ، عن أبي الطفيل ، عن حُذيفة بن أسيد ، في قوله : أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلّمُهُمْ قال : للدابة ثلاث خرجات : خرجة في بعض البوادي ثم تكمن ، وخرجة في بعض القُرى حين يريق فيها الأمراء الدماء ، ثم تكمن ، فبينا الناس عند أشرف المساجد وأعظمها وأفضلها ، إذ ارتفعت بهم الأرض ، فانطلق الناس هرابا ، وتبقى طائفة من المؤمنين ، ويقولون : إنه لا ينجينا من الله شيء ، فتخرج عليهم الدابة تجلو وجوههم مثل الكوكب الدرّيّ ثم تنطلق فلا يدركها طالب ولا يفوتها هارب ، وتأتي الرجل يصليّ ، فيقول : والله ما كنت من أهل الصلاة ، فيلتفت إليها فتخطمه ، قال : تجلو وجه المؤمن ، وتخطم الكافر ، قلنا : فما الناس يومئذٍ ؟ قال : جيران في الرباع ، وشركاء في الأموال ، وأصحاب في الأسفار .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن الوليد بن جميع ، عن عبد الملك بن المُغيرة ، عن عبد الرحمن بن البيلماني ، عن ابن عمر : يبيت الناس يسيرون إلى جمع ، وتبيت دابة الأرض تسايرهم ، فيصبحون وقد خطمتهم من رأسها وذنبها ، فما من مؤمن إلا مسحته ، ولا من كافر ولا منافق إلا تخبطه .
حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا الخيبري ، عن حيان بن عمير ، عن حسان بن حمصة ، قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : لو شئت لانتعلت بنعليّ هاتين ، فلم أمسّ الأرض قاعدا حتى أقف على الأحجار التي تخرج الدابة من بينها ، ولكأني بها قد خرجت في عقب ركَب من الحاجّ ، قال : فما حججت قطّ إلا خفت تخرج بعقبنا .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن قيس بن سعد ، عن عطاء ، قال : رأيت عبد الله بن عمرو ، وكان منزله قريبا من الصفا ، رفع قدمه وهو قائم ، وقال : لو شئت لم أضعها حتى أضعها على المكان الذي تخرج منه الدابة .
حدثنا عصام بن روّاد بن الجراح ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا سفيان بن سعيد الثوريّ ، قال : حدثنا منصور بن المعتمر ، عن ربعي بن حراش ، قال : سمعت حُذيفة بن اليمان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : وذكر الدابة ، فقال حُذيفة : قلت يا رسول الله ، من أين تخرج ؟ قال : «مِنْ أعْظَمِ المَساجِدِ حُرْمَةً عَلى اللّهِ ، بَيْنَما عِيَسى يَطُوفُ بالبَيْتِ وَمَعَهُ المُسْلِمُونَ ، إذْ تَضْطَربُ الأرْضُ تَحْتَهُمْ ، تَحَرّكَ القِنْدِيلِ ، وَيَنْشَق الصّفا مِمّا يَلي المَسْعَى ، وَتخْرُجُ الدّابّةُ مِنَ الصّفا أوّلُ ما يَبْدُو رأسُها مُلَمّعَةٌ ذَاتُ وّبَرٍ وَرِيشٍ ، لَمْ يُدْرِكْها طالِبٌ ، وَلَنْ يَفُوَتها هارِبٌ ، تَسِمُ النّاسَ مُؤْمِنٌ وكافِرٌ ، أمّا المُؤْمِنُ فَتَتْرُكَ وَجْهَهُ كأنّهُ كَوْكَبٌ دُرّيّ ، وتَكْتُبُ بينَ عَيْنَيْهِ مُؤْمِنٌ ، وأمّا الكافِرُ فَتَنْكُتُ بينَ عَيْنَيْهِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ كافِرٌ » .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو الحسين ، عن حماد بن سلمة ، عن عليّ بن زيد بن جدعان ، عن أوس بن خالد ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تَخْرُجُ الدّابّةُ مَعَها خاتَمُ سَلَيْمانَ وَعَصا مُوسَى ، فَتَجْلُو وَجْهَ المُؤْمِنِ بالْعَصَا ، وَتخْتِمُ أنْفَ الكافِرِ بالخاتِمِ ، حتى إنّ أهْلَ البَيْتِ لَيَجْتَمِعُونَ فَيَقُولُ هَذَا . يا مُؤْمِنُ ، وَيَقُولُ هَذَا : يا كاِفُر » .
قال : ثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة ، قال : هي دابة ذات زغب وريش ، ولها أربع قوائم تخرج من بعض أودية تهامة ، قال : قال عبد الله بن عمر : إنها تنكت في وجه الكافر نكتة سوداء ، فتفشو في وجهه ، فيسودّ وجهه ، وتنكت في وجه المؤمن نكتة بيضاء فتفشو في وجهه ، حتى يبيضّ وجهه ، فيجلس أهل البيت على المائدة ، فيعرفون المؤمن من الكافر ، ويتبايعون في الأسواق ، فيعرفون المؤمن من الكافر .
حدثني ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا ابن لهيعة ويحيى بن أيوب ، قالا : حدثنا ابن الهاد ، عن عمر بن الحكم ، أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول : تخرج الدابة من شعب ، فيمسّ رأسها السحاب ، ورجلاها في الأرض ما خرجتا ، فتمرّ بالإنسان يصلي ، فتقول : ما الصلاة من حاجتك فتخطمه .
حدثنا صالح بن مسمار ، قال : حدثنا ابن أبي فديك ، قال : حدثنا يزيد بن عياض ، عن محمد بن إسحاق ، أنه بلغه عن عبد الله بن عمرو ، قال : تخرج دابة الأرض ومعها خاتم سليمان وعصا موسى ، فأما الكافر فتختم بين عينيه بخاتم سليمان ، وأما المؤمن فتمسح وجهه بعصا موسى فيبيضّ .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : تُكَلّمُهُمْ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار : تُكلّمُهُمْ بضمُ التاء وتشديد اللام ، بمعنى تخبرهم وتحدثهم ، وقرأه أبو زرعة بن عمرو : «تَكْلِمُهُمْ » بفتح التاء وتخفيف اللام بمعنى : تسمهم .
والقراءة التي لا أستجيز غيرها في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلّمُهُمْ قال : تحدثهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنْ الأَرْضِ تُكَلّمُهُمْ وهي في بعض القراءة «تحدثهم » تقول لهم : أَنّ النّاس كَانُوا بِآياتِنَا لاَ يُوقِنُونَ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ، في قوله : تُكَلّمُهُمْ قال : كلامها تنبئهم أنّ النّاس كانُوا بِآياتِنَا لاَ يُوقِنُونَ .
وقوله : أنّ النّاسَ كانُوا بآياتِنا لا يُوقِنُونَ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والبصرة والشام : «إنّ النّاسَ » بكسر الألف من «إن » على وجه الابتداء بالخبر عن الناس أنهم كانوا بآيات الله لا يوقنون وهي وإن كسرت في قراءة هؤلاء فإن الكلام لها متناول . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة وبعض أهل البصرة : أنّ النّاسَ كانُوا بفتح أن بمعنى : تكلمهم بأن الناس ، فيكون حينئذٍ نصب بوقوع الكلام عليها .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان متقاربتا المعنى مستفيضتان في قراءة الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .
{ وإذا وقع القول عليهم } إذا دنا وقوع معناه وهو ما وعدوا به من البعث والعذاب . { أخرجنا لهم دابة من الأرض } وهي الجساسة روي أن طولها ستون ذراعا ولها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان ، لا يفوتها هارب ولا يدركها طالب . وروي أنه عليه الصلاة والسلام سئل من أين مخرجها فقال : من أعظم المساجد حرمة على الله ، يعني المسجد الحرام . { تكلمهم } من الكلام ، وقيل من الكلم إذ قرئ " تكلمهم " . وروي إنها تخرج ومعها عصى موسى وخاتم سليمان عليهما الصلاة والسلام ، فتنكت بالعصا في مسجد المؤمن نكتة بيضاء فيبيض وجهه ، وبالخاتم في أنف الكافر نكتة سوداء فيسود وجهه . { إن الناس كانوا بآياتنا } خروجها وسائر أحوالها فإنها من آيات الله تعالى . وقيل القرآن ، وقرأ الكوفيون أن الناس بالفتح . { لا يوقنون } لا يتيقنون ، وهو حكاية معنى قولها أو حكايتها لقول الله عز وجل أو علة خروجها ، أو تكلمها على حذف الجار .
ومعنى قوله { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض } ، إذا انتجز وعد عذابهم الذي تضمنه القول الأزلي من الله تعالى في ذلك أي حتمه عليهم ، وقضاؤه{[9071]} وهذا بمنزلة قوله تعالى :
{ حقت كلمة العذاب }{[9072]} [ الزمر : 71 ] فمعنى الآية وإذا أراد الله أن ينفذ في الكافرين سابق علمه لهم من العذاب أخرج لهم دابة من الأرض ، وروي أن ذلك حين ينقطع الخير ولا يؤمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ولا يبقى منيب ولا تائب ، كما أوحى الله إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن{[9073]} ، ووقع ، عبارة عن الثبوت واللزوم{[9074]} وفي الحديث أن الدابة وطلوع الشمس من المغرب من أول الأشراط وإن لم تعين الأولى وكذلك الدجال{[9075]} .
قال القاضي أبو محمد : وظاهر الأحاديث والروايات أن الشمس آخرها لأن التوبة تنقطع معها وتعطي الحال أن الإيمان لا يبقى إلا في أفراد ، وعليهم تهب الريح التي لا تبقي إيماناً وحينئذ ينفخ في الصور ، ونحن نروي أن الدابة تسم قوماً بالإيمان{[9076]} وتجد أن عيسى ابن مريم يعدل بعد الدجال ويؤمن الناس به وهذه الدابة روي أنها تخرج من جبل الصفا بمكة قاله عبد الله بن عمر ، وقال عبد الله بن عمرو نحوه ، وقال : لو شئت أن أضع قدمي على موضع خروجها لفعلت ، وروي عن قتادة أنها تخرج تهامة ، وروي أنها تخرج من مسجد الكوفة من حيث فار تنور نوح عليه السلام ، وروى بعضهم عن حذيفة بن اليمان أنها تخرج ثلاث خرجات{[9077]} ، وروي أنها دابة مزغبة شعراء ، وروي عن ابن عمر أنها على خلقة الآدميين وهي في السحاب وقوائمها في الأرض ، وروي أنها جمعت من خلق كل حيوان ، وذكر الثعلبي عن أبي الزبير نحوه ، وروي أنها دابة مبثوث نوعها في الأرض فهي تخرج في كل بلد وفي كل قوم ، فعلى هذا التأويل { دابة } إنما هو اسم جنس ، وحكى النقاش عن ابن عباس أنها الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعتها العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة ، وقرأ جمهور الناس «تكلمهم » من الكلام ، وفي مصحف أبيّ «تنبئهم » ، وفسرها عكرمة ب ( تسمهم ) قال قتادة : وفي بعض القراءة تحدثهم .
وقرأ أبو زرعة بن عمرو بن جريج{[9078]} «تكلِمهم »{[9079]} بكسر اللام من الكلم وهو الجرح ، قال أبو الفتح : وهي قراءة ابن عباس وابن جبير ومجاهد والجحدري ، وقال ابن عباس : كلا والله تفعل تكلمهم وتكلمهم{[9080]} .
قال القاضي أبو محمد : وروي في هذا أنها تمر على الناس فتسم الكافر في جبهته وتزجره وتشتمه وربما حطمته{[9081]} وتمسح على وجه المؤمن فتبيضه ويعرف بعد ذلك الإيمان والكفر من أثرها ، وقرأ جمهور القراء «إن الناس » بكسر «إن » وقرأ حمزة والكسائي وعاصم «أن » بفتح الألف ، وفي قراءة عبد الله «تكلمهم بأن » وهذا تصديق للفتح ، وعلى هذه القراءة يكون قوله { إن الناس } إلى آخر القراءة من تمام كلام الدابة ، وروي ذلك عن ابن عباس ويحتمل أن يكون ذلك من كلام الله عز وجل .
هذا انتقال إلى التذكير بالقيامة وما ادخر لهم من الوعيد . فهذه الجملة معطوفة على الجمل قبلها عطف قصة على قصة . ومناسبة ذكرها ما تقدم من قوله { إنك لا تسمع الموتى } إلى قوله { عن ضلالتهم } [ النمل : 80 ، 81 ] . والضمير عائد إلى الموتى والصم والعمي وهم المشركون .
و { القول } أريد به أخبار الوعيد التي كذبوها متهكمين باستبطاء وقوعها بقولهم { متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } [ النمل : 71 ] ، فالتعريف فيه للعهد يفسره المقام .
والوقوع مستعار لحلول وقته وذلك من وقت تهيؤ العالم للفناء إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار .
والآية تشير إلى شيء من أشراط حلول الوعيد الذي أنذروا به وهو الوعيد الأكبر يعني وعيد البعث ، فتشير إلى شيء من أشراط الساعة وهو من خوارق العادات . والتعبير عن وقوعه بصيغة الماضي لتقريب زمن الحال من المضي ، أي أشرف وقوعه ، على أن فعل المضي مع ( إذا ) ينقلب إلى الاستقبال .
والدابة : اسم للحي من غير الإنسان ، مشتق من الدبيب ، وهو المشي على الأرض وهو من خصائص الأحياء . وتقدم الكلام على لفظ { دابة } في سورة الأنعام ( 38 ) . وقد رويت في وصف هذه الدابة ووقت خروجها ومكانه أخبار مضطربة ضعيفة الأسانيد فانظرها في « تفسير القرطبي » وغيره إذ لا طائل في جلبها ونقدها .
وإخراج الدابة من الأرض ليريهم كيف يحي الله الموتى إذ كانوا قد أنكروا البعث . ولا شك أن كلامها لهم خطاب لهم بحلول الحشر . وإنما خلق الله الكلام لهم على لسان دابة تحقيراً لهم وتنديماً على إعراضهم عن قبول أبلغ كلام وأوقعه من أشرف إنسان وأفصحه ، ليكون لهم خزياً في آخر الدهر يعيرون به في المحشر . فيقال : هؤلاء الذين أعرضوا عن كلام رسول كريم فخوطبوا على لسان حيوان بهيم . على نحو ما قيل : استفادة القابل من المبدإ تتوقف على المناسبة بينهما .
وجملة { إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون } تعليل لإظهار هذا الخارق للعادة حيث لم يوقن المشركون بآيات القرآن فجعل ذلك إلجاء لهم حين لا ينفعهم .
وقرأ الجمهور { إن الناس } بكسر همزة ( إن ) ، وموقع ( إن ) في مثل هذا التعليل . وقرأ عاصم وحمزة والكسائي { أن الناس } بفتح الهمزة وهي أيضاً للتعليل لأن فتح همزة ( أن ) يؤذن بتقدير حرف جر وهو باء السببية ، أي تكلمهم بحاصل هذا وهو المصدر . والمعنى : أنها تسجل على الناس وهم المشركون عدم تصديقهم بآيات الله . وهو تسجيل توبيخ وتنديم لأنهم حينئذ قد وقع القول عليهم ف { لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل } [ الأنعام : 158 ] . وحمل هذه الجملة على أن تكون حكاية لما تكلمهم به الدابة بعيد .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ" قال: حقّ عليهم... عن قَتادة، قوله: "وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهُمْ "يقول: إذا وجب القول عليهم... عن مجاهد "وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ" قال: حقّ العذاب.
عن قَتادة "وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ"، والقول: الغضب...
وقال جماعة من أهل العلم: خروج هذه الدابة التي ذكرها حين لا يأمر الناس بمعروف ولا ينهون عن منكر ...
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: "تُكَلّمُهُمْ" فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار: "تُكلّمُهُمْ" بضم التاء وتشديد اللام، بمعنى: تخبرهم وتحدثهم. وقرأه أبو زرعة بن عمرو: «تَكْلِمُهُمْ» بفتح التاء وتخفيف اللام بمعنى: تسِمهم.
والقراءة التي لا أستجيز غيرها في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار...تحدثهم تقول لهم: "أَنّ النّاس كَانُوا بِآياتِنَا لاَ يُوقِنُونَ".
وقوله: "أنّ النّاسَ كانُوا بآياتِنا لا يُوقِنُونَ" اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والبصرة والشام: «إنّ النّاسَ» بكسر الألف من «إن» على وجه الابتداء بالخبر عن الناس أنهم كانوا بآيات الله لا يوقنون، وهي وإن كسرت في قراءة هؤلاء فإن الكلام لها متناول. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة وبعض أهل البصرة: "أنّ النّاسَ كانُوا..." بفتح "أن" بمعنى: تكلمهم بأن الناس، فيكون حينئذٍ نصب بوقوع الكلام عليها.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان متقاربتا المعنى مستفيضتان في قراءة الأمصار، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال بعضهم: {وإذا وقع القول عليهم} أي إذا وقعت الحجة عليهم، ولزمت، فكذبوها {أخرجنا لهم دابة من الأرض}. وقال بعضهم: إذا وقعت السخطة والغضب عليهم أخرجنا لهم دابة...
فيكون التأويل أحد وجهين: أحدهما: ما ذكرنا من وقوع العذاب ووجوب العقوبة والسخطة عليهم كقوله: {أولئك الذين حق عليهم القول} [الأحقاف: 18] أي العذاب وجب عليهم. والثاني: أي وإذا أتى وقت خروج الدابة التي وعدنا لهم أنها تخرج أخرجناها لهم في ذلك الوقت، أي لا يتقدم خروجها عن الوقت الموعود، ولا يتأخر، كقوله: {ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [الأعراف: 34]...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
سمى معنى القول ومؤداه بالقول، وهو ما وعدوا من قيام الساعة والعذاب، ووقوعه: حصوله. والمراد: مشارفة الساعة وظهور أشراطها وحين لا تنفع التوبة.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
فمعنى الآية: وإذا أراد الله أن ينفذ في الكافرين سابق علمه لهم من العذاب أخرج لهم دابة من الأرض، وروي أن ذلك حين ينقطع الخير ولا يؤمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ولا يبقى منيب ولا تائب، كما أوحى الله إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، ووقع، عبارة عن الثبوت واللزوم وفي الحديث أن الدابة وطلوع الشمس من المغرب من أول الأشراط وإن لم تعين الأولى وكذلك الدجال.
وظاهر الأحاديث والروايات أن الشمس آخرها، لأن التوبة تنقطع معها وتعطي الحال أن الإيمان لا يبقى إلا في أفراد، وعليهم تهب الريح التي لا تبقي إيماناً وحينئذ ينفخ في الصور،..
اعلم أن الله تعالى بين بالدلائل القاهرة كمال القدرة وكمال العلم، ثم فرع عليهما القول بإمكان الحشر، ثم بين الوجه في كون القرآن معجزا، ثم فرع عليه نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم تكلم الآن في مقدمات قيام القيامة، وإنما أخر تعالى الكلام في هذا الباب عن إثبات النبوة، لما أن هذه الأشياء لا يمكن معرفتها إلا بقول النبي الصادق وهذا هو النهاية في جودة الترتيب. واعلم أنه تعالى ذكر تارة ما يكون كالعلامة لقيام القيامة، وتارة الأمور التي تقع عند قيام القيامة، فذكر أولا من علامات القيامة دابة الأرض. فذكر أولا من علامات القيامة دابة الأرض، والناس تكلموا فيها من وجوه.. أحدها: في مقدار جسمها... وثانيها: في كيفية خلقتها... وثالثها: في كيفية خروجها... ورابعها: في موضع خروجها... وخامسها: في عدد خروجها...
واعلم أنه لا دلالة في الكتاب على شيء من هذه الأمور، فإن صح الخبر فيه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قُبِل وإلا لم يلتفت إليه.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتَرْكِهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق، يخرج الله لهم دابة من الأرض.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
وهذه الدابة هي الدابة المشهورة التي تخرج في آخر الزمان وتكون من أشراط الساعة كما تكاثرت بذلك الأحاديث، ولم يأت دليل يدل على كيفيتها ولا من أي: نوع هي وإنما دلت الآية الكريمة على أن الله يخرجها للناس وأن هذا التكليم منها خارق للعوائد المألوفة وأنه من الأدلة على صدق ما أخبر الله به في كتابه والله أعلم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وقد ورد ذكر خروج الدابة المذكورة هنا في أحاديث كثيرة بعضها صحيح؛ وليس في هذا الصحيح وصف للدابة. إنما جاء وصفها في روايات لم تبلغ حد الصحة. لذلك نضرب صفحا عن أوصافها...
وحسبنا أن نقف عند النص القرآني والحديث الصحيح الذي يفيد أن خروج الدابة من علامات الساعة، وأنه إذا انتهى الأجل الذي تنفع فيه التوبة وحق القول على الباقين فلم تقبل منهم توبة بعد ذلك وإنما يقضى عليهم بما هم عليه.. عندئذ يخرج الله لهم دابة تكلمهم. والدواب لا تتكلم، أو لا يفهم عنها الناس. ولكنهم اليوم يفهمون، ويعلمون أنها الخارقة المنبئة باقتراب الساعة. وقد كانوا لا يؤمنون بآيات الله، ولا يصدقون باليوم الموعود. ومما يلاحظ أن المشاهد في سورة النمل مشاهد حوار وأحاديث بين طائفة من الحشرات والطير والجن وسليمان عليه السلام. فجاء ذكر (الدابة) وتكليمها الناس متناسقا مع مشاهد السورة وجوها، محققا لتناسق التصوير في القرآن، وتوحيد الجزئيات التي يتألف منها المشهد العام.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والآية تشير إلى شيء من أشراط حلول الوعيد الذي أنذروا به وهو الوعيد الأكبر يعني وعيد البعث، فتشير إلى شيء من أشراط الساعة وهو من خوارق العادات...
وإخراج الدابة من الأرض ليريهم كيف يحي الله الموتى إذ كانوا قد أنكروا البعث. ولا شك أن كلامها لهم خطاب لهم بحلول الحشر. وإنما خلق الله الكلام لهم على لسان دابة تحقيراً لهم وتنديماً على إعراضهم عن قبول أبلغ كلام وأوقعه من أشرف إنسان وأفصحه، ليكون لهم خزياً في آخر الدهر يعيرون به في المحشر. فيقال: هؤلاء الذين أعرضوا عن كلام رسول كريم فخوطبوا على لسان حيوان بهيم. على نحو ما قيل: استفادة القابل من المبدإ تتوقف على المناسبة بينهما. وجملة {إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} تعليل لإظهار هذا الخارق للعادة حيث لم يوقن المشركون بآيات القرآن فجعل ذلك إلجاء لهم حين لا ينفعهم.
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
والضمير في جملة {وإذا وقع القول عليهم} عائد كما هو المتبادر إلى الكفار السامعين للقرآن الذين وصفوا قبل الآية [82] بالموتى والصمّ والعمي. وهذا يقتضي أن يكون الضمير في (تكلمهم) راجع إليهم أيضا. وكثير منهم بل أكثرهم أسلموا والذين ظلوا على كفرهم هلكوا وسيمضي على هلاكهم إلى قيام الساعة دهر لا تحصى أعوامه. ولم تذكر الأحاديث أن الله تعالى سوف يحيى الجاحدين... لتكلمهم الدابة، حيث يبدو من هذا أن الوعيد الموجه إليهم لا يتحقق بالنسبة لأشخاصهم،... وإن الوعيد القرآني قد قصد به بالإضافة إلى ما تضمنه الخبر الإيماني إثارة الرعب في نفوس السامعين وإيذانهم بأنهم إذا [استمروا] على جحودهم فيكونون من صنف الحيوانات التي لا يصح أن يكلمها إلاّ دابة مثلها ما دام لم ينفعهم إنذار الله المبلغ بواسطة رسوله. ولقد وصف الكافرون المصرون على الجحود في آيات أخرى بوصف {الأنعام} و {شر الدواب} كما جاء في آيات سورة الأعراف [189] والأنفال [32 33] والفرقان [44] مما قد يصح الاستئناس به على ذلك، والله أعلم.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
إذا رجعنا إلى الآيات السابقة وهي قوله تعالى: {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين * وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم} [الآيتان: 80، 81] أدركنا العلاقة الوثيقة بينهما وبين الآية التالية، وهي قوله تعالى هنا: {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم} لأنه إذا أصبح أكثر البشر "موتى "القلوب، قساة لا يمارسون أي نوع من أنواع الخير والبر فيما بينهم، "صم" الآذان، لا يسمعون نصيحة ولا موعظة ولا حكمة ولا رأيا سليما، "عمي" البصائر والأبصار، لا يهتدون في حياتهم الخاصة والعامة سبيلا، وإذا نبذوا التعاليم الإلهية وراء ظهورهم بالمرة، يكون ذلك إيذانا بأنه "قد حقت عليهم كلمة العذاب"، لأنه لم يبق في صلاح حالهم أدنى أمل ولا رجاء، وذلك معنى قوله تعالى: {وقع القول عليهم} أي حل الوقت الذي يقع فيه سخط الله وغضبه عليهم، وعذابه لهم، طبقا لما تضمنه" القول الأزلي "السابق من الله، في حق من انتهك حرمات الله، وتحدى أمره وعصاه، فوقوع القول يتضمن وجوب إنزال العقاب بهم، إذ مع الاستمرار في الإصرار والاستكبار لم يبق محل للإنذار ولا للإعذار. ويتأكد هذا المعنى بقوله تعالى في آخر الآية نفسها في نفس السياق، وقد سيق مساق التعليل: {أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} وقوله تعالى بعد ذلك: {ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون}. وورد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض"...
ومجمل القول ان الدابة التي جعلها الله من علامات الساعة لا يعلم أمرها على وجه التحقيق إلا الحق سبحانه وتعالى المنفرد بعلم الساعة، فلنومن بها على وجه الإجمال، ولنقف عند حدود ما وصفها به كتاب الله، ففي الوقوف عند ما قاله السلامة والنجاة.