المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِبٖۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (18)

18- وأحضروا قميصه وعليه دم يشهد بادعائهم ، إذ زعموا أنه دم يوسف ليصدقهم أبوهم ، ولكنه قال : إن الذئب لم يأكله كما زعمتم ، بل قد سولت لكم أنفسكم أمراً عظيماً فأقدمتم عليه ، فشأني صبر جميل لا يصحبه الجزع على ما أصابني منكم ، والله - وحده - الذي يُطْلَب منه العون على ما تزعمون وتدعون من الباطل .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِبٖۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (18)

قوله تعالى : { وجاؤوا على قميصه بدم كذب } ، أي : بدم هو كذب ، لأنه لم يكن دم يوسف . وقيل : بدم مكذوب فيه ، فوضع المصدر موضع الاسم . وفي القصة : أنهم لطخوا القميص بالدم ولم يشقوه ، فقال يعقوب عليه السلام : كيف أكله الذئب ولم يشق قميصه ؟ فاتهمهم . { قال بل سولت } زينت ، { لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل } ، معناه : فأمري صبر جميل أو فعلي صبر جميل . وقيل : فصبر جميل أختاره . والصبر الجميل الذي لا شكوى فيه ولا جزع . { والله المستعان على ما تصفون } ، أي : أستعين بالله على الصبر ، على ما تكذبون . وفي القصة : أنهم جاءوا بذئب وقالوا هذا الذي أكله فقال له يعقوب يا ذئب أنت أكلت ولدي وثمرة فؤادي ؟ فأنطقه الله عز وجل ، فقال : تالله ما رأيت وجه ابنك قط . قال : كيف وقعت بأرض كنعان ؟ . قال : جئت لصلة قرابة فصادني هؤلاء فمكث يوسف في البئر ثلاثة أيام .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِبٖۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (18)

ولكن عدم تصديقك إيانا ، لا يمنعنا أن نعتذر بالعذر الحقيقي ، وكل هذا ، تأكيد لعذرهم . { وَ } مما أكدوا به قولهم ، أنهم { جَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } زعموا أنه دم يوسف حين أكله الذئب ، فلم يصدقهم أبوهم بذلك ، و { قَالَ } { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا } أي : زينت لكم أنفسكم أمرا قبيحا في التفريق بيني وبينه ، لأنه رأى من القرائن والأحوال [ ومن رؤيا يوسف التي قصَّها عليه ]{[442]}  ما دلّه على ما قال .

{ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } أي : أما أنا فوظيفتي سأحرص على القيام بها ، وهي أني أصبر على هذه المحنة صبرا جميلا سالما من السخط والتَّشكِّي إلى الخلق ، وأستعين الله على ذلك ، لا على حولي وقوتي ، فوعد من نفسه هذا الأمر وشكى إلى خالقه في قوله : { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ } لأن الشكوى إلى الخالق لا تنافي الصبر الجميل ، لأن النبي إذا وعد وفى .


[442]:- زيادة من هامش: ب.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِبٖۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (18)

ولكنهم لم يكتفوا بهذا التباكى وبهذا القول ، بل أضافوا إلى ذلك تمويها آخر حكاه القرآن في قوله : { وَجَآءُوا على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ . . . } أى : بدم ذى كذب ، فهو مصدر بتقدير مضافه ، أو وصف الدم بالمصدر مبالغة ، حتى لكأنه الكذب بعينه ، والمصدر هنا بمعنى المفعول ، كالخلق بمعنى المخلوق ، أى : بدم مكذوب .

والمعنى : وبعد أن ألفوا بيوسف في الجب ، واحتفظوا بقميصه معهم ، ووضعوا على هذا القميص دما مصطنعا ليس من جسم يوسف ، وإنما من جمس شئ آخر قد يكون ظبيا وقد يكون خلافه .

وقال - سبحانه - { على قَمِيصِهِ } للإِشعار بأنه دم موضوع على ظاهر القميص وضعا متكلفا مصطنعا ، ولو كان من أثر افتراس الذئب لصاحبه ، لظهر التمزق والتخريق في القميص ، ولتغلغل الدم في قطعة منه .

ولقد أدرك يعقوب - عليه السلام - من قسمات وجوههم ، ومن دلائل حالهم ، ومن نداء قلبه المفجوع أن يوسف لم يأكله الذئب ، وأن هؤلاء المتباكين هم الذين دبروا له مكيدة ما ، وأنهم قد اصطنعوا هذه الحيلة المكشوفة مخادعة له ، ولذا جابههم بقوله : { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً . . . } .

والتسويل : التسهيل والتزيين . يقال : سولت لفلان نفسه هذا الفعل أى زينته وحسنته له ، وصورته له في صورة الشئ الحسن مع أنه قبيح .

أى : قال يعقوب لأبنائه بأسى ولوعة بعد أن فعلوا ما عفلوا وقالوا ما قالوا : قال لهم ليس الأمر كما زعمتم من أن يوسف قد أكله الذئب ، وإنما الحق أن نفوسكم الحاقدة عليه هي التي زينت لكم أن تفعلوا معه فعلا سيئا قبيحا ، ستكشف الأيام عنه بإذن ربى ومشيئته .

ونكر الأمر في قوله : { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً } لاحتماله عدة أشياء مما يمكن أن يؤذوا به يوسف ، كالقتل ، أو التغريب ، أو البيع في الأسواق لأنه لم يكن يعلم على سبيل اليقين ما فعلوه به .

وفى هذا التنكير والإِبهام - أيضا - ما فيه من تهويل والتشنيع لما اقترفوه في حق أخيهم .

وقوله { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } أى : فصبرى صبر جميل ، وهو الذي لا شكوى فيه لأحد سوى الله - تعالى - ولا رجاء معه إلا منه - سبحانه - .

ثم أضاف إلى ذلك وقوله : { والله المستعان على مَا تَصِفُونَ } أى : والله - تعالى - هو الذي أستعين به على احتمال ما تصفون من أن ابنىيوسف قد أكله الذئب .

أو المعنى : والله - تعالى - وحده هو المطلوب عونه على إظهار حقيقة ما تصفون ، وإثبات كونه كذبا ، وأن يوسف مازال حيا ، وأنه - سبحانه - سيجمعنى به في الوقت الذي يشاؤه .

قال الآلوسى : " أخرج ابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن قتادة : أن إخوة يوسف - بعد أن ألقوا به في الجب - أخذوا ظبيا فذبحوه ، ولطخوا بدمه قميصه ، ولما جاءوا به إلى أبيهم جعل يقلبه ويقول : تا الله ما رأيت كاليوم ئبا أحلم من هذا الذئب ! ! أكل ابنى ولم يمزق عليه قميصه . . " .

وقال القرطبى : " استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الأمارات في مسائل الفقه كالقسامة وغيرها ، وأجمعوا على أن يعقوب - عليه السلام - قد استدل على كذب أبنائه بصحة القميص ، وهكذا يجب على الحاكم أن يلحظ الأمارات والعلامات . . . " .

وقال الشيخ القاسمى ما ملخصه : " وفى الآية من الفوائد : أن الحسد يدعو إلى المكر بالمحسود وبمن يراعيه . . . وأن الحاسد إذا ادعى النصح والحفظ والمحبة ، لم يصدق ، وأن من طلب مراده بمعصية الله - تعالى - فصحه الله - عز وجل - ، وأن القدر كائن ، وأن الحذر لا ينجى منه . . . " .

وإلى هنا نجد الآيات الكريمة قد حكت لنا بأسلوبها البليغ ، وتصويرها المؤثر ، ما تآمر به إخوة يوسف عليه ، وما اقترحوه لتنفيذ مكرهم ، وما قاله لهم أوسطهم عقلا ورأيا ، وما تحايلوا به على أبيهم لكى يصلوا إلى مآربهم ، وما رد به عليهم أبوهم ، وما قالوه له بعد أن نفذوا جريمتهم في أخيهم . بأن ألقوا به في الجب . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِبٖۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (18)

وأدرك يعقوب من دلائل الحال ، ومن نداء قلبه ، أن يوسف لم يأكله الذئب ، وأنهم دبروا له مكيدة ما . وأنهم يلفقون له قصة لم تقع ، ويصفون له حالا لم تكن ، فواجههم بأن نفوسهم قد حسنت لهم أمرا منكرا وذللته ويسرت لهم ارتكابه ؛ وأنه سيصبر متحملا متجملا لا يجزع ولا يفزع ولا يشكو ، مستعينا بالله على ما يلفقونه من حيل وأكاذيب :

( قال : بل سولت لكم أنفسكم أمرا ، فصبر جميل ، والله المستعان على ما تصفون ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِبٖۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (18)

{ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } أي : مكذوب مفترى . وهذا من الأفعال التي يؤكدون بها ما تمالئوا عليه من المكيدة ، وهو أنهم عمدوا إلى سَخْلة - فيما ذكره مجاهد ، والسدي ، وغير واحد - فذبحوها ، ولطخوا ثوب يوسف بدمها ، موهمين أن هذا قميصه الذي أكله فيه الذئب ، وقد أصابه من دمه ، ولكنهم نسوا أن يخرقوه ، فلهذا لم يَرُج هذا الصنيع على نبي الله يعقوب ، بل قال لهم معرضًا عن كلامهم إلى ما وقع في نفسه من تمالئهم عليه : { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } أي : فسأصبر صبرًا جميلا على هذا الأمر الذي قد اتفقتم عليه ، حتى يفرجه الله بعونه ولطفه ، { وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } أي : على ما تذكرون من الكذب والمحال .

وقال الثوري ، عن سِمَاك ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس : { وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } قال : لو أكله السبع لخرق القميص . وكذا قال الشعبي ، والحسن ، وقتادة ، وغير واحد .

وقال مجاهد : الصبر الجميل : الذي لا جزع فيه .

وروى هُشَيْم ، عن عبد الرحمن بن يحيى ، عن حبَّان بن أبي جَبَلة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } فقال : " صبر لا شكوى{[15087]} فيه " وهذا مرسل{[15088]} .

وقال عبد الرزاق : قال الثوري عن بعض أصحابه أنه قال : ثلاث من الصبر : ألا تحدث بوجعك ، ولا بمصيبتك ، ولا تزكي نفسك{[15089]} .

وذكر البخاري هاهنا حديث عائشة ، رضي الله عنها ، في الإفك حتى ذكر قولها : والله لا أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف{[15090]} { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } {[15091]} .


[15087]:- في ت : "لا قوى".
[15088]:- تفسير الطبري (15/585).
[15089]:- تفسير عبد الرزاق (1/277).
[15090]:- في ت : "إلا يعقوب" وفي أ : "إلا أبا يوسف إذ قال".
[15091]:- صحيح البخاري برقم (4690).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِبٖۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (18)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَجَآءُوا عَلَىَ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىَ مَا تَصِفُونَ } .

يقول تعالى ذكره : { وَجاءُوا على قَمِيصَهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } ، وسماه الله كذبا ؛ لأن الذين جاءوا بالقميص وهو فيه كذبوا ، فقالوا ليعقوب : هو دم يوسف ، ولم يكن دمه ، وإنما كان دم سخلة فيما قيل . ذكر من قال ذلك :

حدثني أحمد بن عبد الصمد الأنصاري ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { وَجاءُوا على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } ، قال : دم سخلة .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { وَجاءُوا على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } ، قال : دم سخلة شاة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { بِدَمٍ كَذِبٍ } ، قال : دم سخلة ، يعني : شاة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : بِدَمٍ كَذِبٍ قال : دم سخلة شاة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { بِدَمٍ كَذِبٍ } ، قال : كان ذلك الدم كذبا ، لم يكن دم يوسف .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { بِدَمٍ كَذِبٍ } ، قال : دم سخلة شاة .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : { بِدَمٍ كَذِبٍ } ، قال : بدم سخلة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السديّ ، قال : ذبحوا جديا من الغنم ، ثم لطخوا القميص بدمه ، ثم أقبلوا إلى أبيهم ، فقال يعقوب : إن كان هذا الذئب لرحيما . كيف أكل لحمه ولم يخرق قميصه . يا بنيّ يا يوسف ، ما فعل بك بنو إماء ؟

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَجاءُوا على قَميصِهِ بدَمٍ كَذِبٍ } ، قال : لو أكله السبع لخرق القميص .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أبو خالد ، قال : حدثنا سفيان بإسناده عن ابن عباس مثله ، إلا أنه قال : لو أكله الذئب لخرق القميص .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن سماك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَجاءُوا على قَميصِهِ بدَمٍ كَذِبٍ } ، قال : لو كان الذئب أكله لخرقه .

حدثني عبيد الله بن أبي زياد ، قال : حدثنا عثمان بن عمرو ، قال : حدثنا قرة ، عن الحسن ، قال : جيء بقميص يوسف إلى يعقوب ، فجعل ينظر إليه ، فيرى أثر الدم ولا يرى فيه خرقا ، قال : يا بنيّ ، ما كنت أعهد الذئب حليما

حدثنا أحمد بن عبد الصمد الأنصاري ، قال : حدثنا أبو عاصم العقدي ، عن قرة ، قال : سمعت الحسن يقول : لما جاءوا بقميص يوسف ، فلم ير يعقوب شَقّا ، قال : يا بنيّ ، والله ما عهدت الذئب حليما .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا حماد بن مسعدة ، عن عمران بن مسلم ، عن الحسن ، قال : لما جاء إخوة يوسف بقميصه إلى أبيهم ، قال : جعل يقلبه ، فيقول : ما عهدت الذئب حليما ، أكل ابني وأبقى على قميصه !

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَجاءُوا على قَميصِهِ بدَمٍ كَذِبٍ } ، قال : لما أتوا نبيّ الله يعقوب بقميصه ، قال : ما أرى أثر سبع ولا طعن ولا خرق !

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { بِدَمٍ كَذِبٍ } : الدم كذب ، لم يكن دم يوسف .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مجاهد ، عن الشعبيّ ، قال : ذبحوا جديا ، ولطخوه من دمه ، فلما نظر يعقوب إلى القميص صحيحا ، عرف أن القوم كذبوه ، فقال لهم : إن كان هذا الذئب لحليما ، حيث رحم القميص ولم يرحم ابني . فعرف أنهم قد كذبوه .

حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان ، عن سماك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَجاءُوا على قَميصِهِ بدَمٍ كَذِبٍ } ، قال : لما أتي يعقوب بقميص يوسف ، فلم ير فيه خرقا ، قال : كذبتم ، لو أكله السبع لخرق قميصه !

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا إسحاق الأزرق ، ويعلى ، عن زكريا ، عن سماك ، عن عامر ، قال : كان في قميص يوسف ثلاث آيات حين جاءوا على قميصه بدم كذب . قال : وقال يعقوب : لو أكله الذئب لخرق قميصه .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا زكريا ، عن سماك ، عن عامر ، قال : إنه كان يقول : في قميص يوسف ثلاث آيات ، حين ألقي على وجه أبيه فارتدّ بصيرا ، وحين قُدّ من دبر ، وحين جاءوا على قميصه بدم كذب .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عامر ، قال : كان في قميص يوسف ثلاث آيات : الشقّ ، والدم ، وألقاه على وجه أبيه فارتدّ بصيرا .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا قرة ، عن الحسن ، قال : لما جيء بقميص يوسف إلى يعقوب ، فرأى الدم ولم ير الشقّ ، قال : ما عهدت الذئب حليما !

قال : حدثنا حماد بن مسعدة ، قال : حدثنا قرة ، عن الحسن ، بمثله .

فإن قال قائل : كيف قيل : { بِدَمٍ كَذِبٍ } ، وقد علمت أنه كان دما لا شكّ فيه ، وإن لم يكن كان دم يوسف ؟ قيل : في ذلك من القول وجهان : أحدهما : أن يكون قيل : { بِدَمٍ كَذِبٍ } ؛ لأنه كُذبَ فيه ، كما يقال : الليلة الهلال ، وكما قيل : { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ } ، وذلك قول كان بعض نحويي البصرة يقوله .

والوجه ا لآخر : وهو أن يقال : هو مصدر ، بمعنى : مفعول ، وتأويله : وجاءوا على قميصه بدم مكذوب ، كما يقال : ما له عقل ولا معقول ، ولا له جلد ولا له مجلود . والعرب تفعل ذلك كثيرا ، تضع " مفعولا " في موضع المصدر ، والمصدر في موضع " مفعول " ، كما قال الراعي :

حتى إذَا لَمْ يَتْرُكُوا لِعِظامِهِ *** لَحْما وَلا لِفُؤَادِهِ مَعْقُولا

وذلك كان يقوله بعض نحويي الكوفة .

وقوله : { قالَ بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أنْفُسُكُمْ أمْرا } ، يقول تعالى ذكره : قال يعقوب لبنيه الذين أخبروه أن الذئب أكل يوسف مكذّبا لهم في خبرهم ذلك : ما الأمر كما تقولون ، { بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أنْفُسُكُمْ أمْرا } ، يقول : بل زينت لكم أنفسكم أمرا في يوسف ، وحسنته ، ففعلتموه . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { قالَ بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أنْفُسُكُمْ أمْرا } ، قال : يقول : بل زينت لكم أنفسكم أمرا .

وقوله : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } ، يقول : فصبري على ما فعلتم بي في أمر يوسف صبر جميل ، أو فهو صبر جميل . { وَاللّهُ المسْتَعانُ على ما تَصِفُونَ } ، يقول : واللّهَ أستعين على كفايتي شرّ ما تصفون من الكذب . وقيل : إن الصبر الجميل : هو الصبر الذي لا جزع فيه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } ، قال : ليس فيه جزع .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن مجاهد : { فصبر جميل } : في غير جزع .

. . . . قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

. . . . . قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن عبد الرحمن بن يحيى ، عن حبان بن أبي جبلة ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله : { فصبر جميل } ، قال : صبر لا شكوى فيه . قال : من بثّ فلم يصبر .

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى ، عن حبان بن أبي جبلة : أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله : { فصبر جميل } ، قال : صبر لا شكوى فيه .

. . . قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { فصبر جميل } : ليس فيه جزع .

حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن رجل ، عن مجاهد في قوله : { فصبر جميل } : قال : في غير جزع .

حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن بعض أصحابه قال : يقال : ثلاث من الصبر : أن لا تحدِّث بوجعك ، ولا بمصيبتك ، ولا تزكّي نفسك .

قال أخبرنا الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت : أن يعقوب النبيّ صلى الله عليه وسلم كان قد سقط حاجبَاه ، فكان يرفعهما بخرقةٍ ، فقيل له : ما هذا ؟ قال : طول الزمان ، وكثرة الأحزان ! فأوحى الله تبارك وتعالى إليه : يا يعقوب ، أتشكوني ؟ قال : يا رب خطيئة أخطأتها ، فاغفرها لي .

وقوله : { والله المستعان على ما تصفون } .

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : { والله المستعان على ما تصفون } ، أي : على ما تكذبون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِبٖۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (18)

{ وجاءوا على قميصه بدم كذب } أي ذي كذب بمعنى مكذوب فيه ، ويجوز أن يكون وصفا بالمصدر للمبالغة وقرئ بالنصب على الحال من الواو أي جاؤوا كاذبين و{ كذب } بالدال غير المعجمة أي كدر أو طري . وقيل : أصله البياض الخارج على أظفار الأحداث فشبه به الدم اللاصق على القميص ، وعلى قميصه في موضع النصب على الظرف أي فوق قميصه أو على الحال من الدم إن جوز تقديمها على المجرور . روي : أنه لما سمع بخبر يوسف صاح وسأل عن قميصه فأخذه وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال : ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا أكل ابني ولم يمزق عليه قميصه . ولذلك { قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا } أي سهلت لكم أنفسكم وهونت في أعينكم أمرا عظيما من السول وهو الاسترخاء . { فصبرٌ جميل } أي فأمري صبر جميل ، أو فصبر جميل أجمل ، وفي الحديث " الصبر الجميل الذي لا شكوى فيه إلى الخلق " . { والله المستعان على ما تصفون } على احتمال ما تصفونه من إهلاك يوسف وهذه الجريمة كانت قبل استنبائهم إن صح .