20- إن هذا البرق الشديد يكاد يخطف منهم أبصارهم لشدته ، وهو يضيء لهم الطريق حيناً فيسيرون خطوات مستعينين بضوئه ، فإذا انقطع البرق واشتد الظلام يقفون متحيرين ضالين ، وهؤلاء المنافقون تلوح لهم الدلائل والآيات فتبهرهم أضواؤها فيهمون أن يهتدوا ، ولكنهم بعد قليل يعودون إلى الكفر والنفاق . إن الله واسع القدرة إذا أراد شيئاً فعله ، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .
قوله تعالى : { يكاد البرق } . أي يقرب ، يقال : كاد يفعل إذا قرب ولم يفعل .
قوله تعالى : { يخطف أبصارهم } . يختلسها ، والخطف استلاب بسرعة .
قوله تعالى : { كلما } . كل حرف جملة ضم إلى ما الجزاء فصار أداة للتكرار ومعناهما متى ما .
قوله تعالى : { أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا } . أي وقفوا متحيرين ، فالله تعالى شبههم في كفرهم ونفاقهم بقوم كانوا في مفازة وسواد في ليلة مظلمة أصابهم مطر فيه ظلمات من صفتها أن الساري لا يمكنه المشي فيها ، ورعد من صفته أن يضم السامعون أصابعهم إلى آذانهم من هوله ، وبرق من صفته أن يقرب من أن يخطف أبصارهم ويعميها من شدة توقده ، فهذا مثل ضربه الله للقرآن وصنيع الكافرين والمنافقين معه ، فالمطر القرآن لأنه حياة الجنان كما أن المطر حياة الأبدان ، والظلمات ما في القرآن من ذكر الكفر والشرك ، والرعد ما خوفوا به من الوعيد ، وذكر النار ، والبرق ما فيه من الهدى والبيان والوعد وذكر الجنة . فالكافرون يسدون آذانهم عند قراءة القرآن مخافة ميل القلب إليه لأن الإيمان عندهم كفر والكفر موت ( يكاد البرق يخطف أبصارهم ) أي القرآن يبهر قلوبهم . وقيل هذا مثل ضربه الله للإسلام ، فالمطر الإسلام ، والظلمات ما فيه من البلاء والمحن ، والرعد : ما فيه من الوعيد والمخاوف في الآخرة ، والبرق ما فيه من الوعد ( يجعلون أصابعهم في آذانهم ) يعني أن المنافقين إذا رأوا في الإسلام بلاء وشدة هربوا حذراً من الهلاك ، ( والله محيط بالكافرين ) جامعهم ، يعني لا ينفعهم هربهم لأن الله تعالى من ورائهم يجمعهم فيعذبهم ، ( يكاد البرق ) يعنى دلائل الإسلام تزعجهم إلى النظر لولا ما سبق لهم من الشقاوة ، ( كلما أضاء لهم مشوا فيه ) يعني أن المنافقين إذا أظهروا كلمة الإيمان آمنوا فإذا ماتوا عادوا إلى الظلمة . وقيل معناه كلما نالوا غنيمة وراحة في الإسلام ثبتوا وقالوا إنا معكم ، ( وإذا أظلم عليهم ) يعني : رأوا شدة وبلاء تأخروا وقاموا أي وقفوا كما قال الله تعالى ( ومن الناس من يعبد الله على حرف ) .
قوله تعالى : { ولو شاء الله لذهب بسمعهم } . أي بأسماعهم .
قوله تعالى : { وأبصارهم } . الظاهرة : كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة ، وقيل لذهب بما استفادوا من العز والأمان الذي لهم بمنزلة السمع والبصر .
قوله تعالى : { إن الله على كل شيء قدير } . قادر . ثم قرأ ابن عامر وحمزة شاء وجاء حيث كان بالإمالة .
{ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ } البرق في تلك الظلمات { مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } أي : وقفوا .
فهكذا حال{[60]} المنافقين ، إذا سمعوا القرآن وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده ، جعلوا أصابعهم في آذانهم ، وأعرضوا عن أمره ونهيه ووعده ووعيده ، فيروعهم وعيده وتزعجهم وعوده ، فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم ، ويكرهونها كراهة صاحب الصيب الذي يسمع الرعد ، ويجعل{[61]} أصابعه في أذنيه{[62]} خشية الموت ، فهذا تمكن له{[63]} السلامة . وأما المنافقون فأنى لهم السلامة ، وهو تعالى محيط بهم ، قدرة وعلما فلا يفوتونه ولا يعجزونه ، بل يحفظ عليهم أعمالهم ، ويجازيهم عليها أتم الجزاء .
ولما كانوا مبتلين بالصمم ، والبكم ، والعمى المعنوي ، ومسدودة عليهم طرق الإيمان ، قال تعالى : { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } أي : الحسية ، ففيه تحذير لهم وتخويف بالعقوبة الدنيوية ، ليحذروا ، فيرتدعوا عن بعض شرهم ونفاقهم ، { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فلا يعجزه شيء ، ومن قدرته أنه إذا شاء شيئا فعله من غير ممانع ولا معارض .
وفي هذه الآية وما أشبهها ، رد على القدرية القائلين بأن أفعالهم غير داخلة في قدرة الله تعالى ، لأن أفعالهم من جملة الأشياء الداخلة في قوله : { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.