قوله تعالى : { وما كان لنفس أن تموت } . قال الأخفش : اللام في لنفس منقولة تقديره : وما كانت نفس لتموت .
قوله تعالى : { إلا بإذن الله } . بقضائه وقدره ، وقيل : بعلمه وقيل : بأمره .
قوله تعالى : { كتاباً مؤجلاً } . أي كتب لكل نفس أجلاً لا يقدر أحد على تغييره وتأخيره ، ونصب كتابا على المصدر أي كتب كتاباً .
قوله تعالى : { ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها } . يعني من يرد بطاعته الدنيا ويعمل لها نؤته منها ما يكون جزاء لعمله ، يريد نؤته منها ما يشاء مما قدرناه له ، كما قال ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ) . نزلت في الذين تركوا المركز يوم أحد طلباً للغنيمة .
قوله تعالى : { ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها } . أي أراد بعمله الآخرة قيل :أراد الذين ثبتوا مع أميرهم عبد الله بن جبير حتى قتلوا .
قوله تعالى : { وسنجزي الشاكرين } . أي : المؤمنين المطيعين .
أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي ، أخبرنا أبو الحسن أحمد ابن موسى بن الصلت ، أنا أبو إسحاق إبراهيم عبد الصمد الهاشمي ، أنا أبو يحيى محمد بن عبد الله بن يزيد بن عبد الرحمن بن المقرئ ، أنا أبي ، أنا الربيع ابن صبيح عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كانت نيته طلب الآخرة جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن كانت نيته طلب الدنيا ، جعل الله الفقر بين عينيه ، وشتت عليه أمره ، ولا يأتيه منها إلا ما كتب له " .
أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن أبي توبة الزراد ، أخبرنا أبو بكر محمد بن إدريس بن محمد الجرجاني وأبو أحمد محمد بن أحمد بن علي المعلم الهروي قالا : أخبرنا أبو الحسن علي بن عيسى الماليني ، أخبرنا أبو العباس الحسن بن سفيان النسوي ، أخبرنا حيان بن موسى ، وعبد الله بن أسماء ابن أخي جويرية ، ابن أسماء قالا : أخبرنا عبد الله بن المبارك ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن علقمة بن وقاص الليثي ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إ " نما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه " .
ثم بين - سبحانه - أن الآجال بيد الله وحده . وأنه - سبحانه - قد جعل لكل أجل وقتا محددا لا يعدوه فقال - تعالى - { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً } .
أى : ما كان الموت حاصلا لنفس من النفوس مطلقا ، لأى سبب من الأسباب ، إلا بمشيئة الله وأمره وإذنه ، فهو - سبحانه - الذى كتب لكل نفس عمرها كتابا مؤقتا بوقت معلوم لا يتقدم ولا يتأخر .
المراد بالنفس هنا . جنسها . أى كل نفس لا تموت إلا بإذن الله .
والمراد بإذنه - : أمره ومشيئته ، فكل نفس لا تحيا إلا بأمره ، ولا تموت إلا بإذنه .
و { كَانَ } نقاصة وقوله { أَنْ تَمُوتَ } في محل رفع اسمها وقوله { لِنَفْسٍ } متعلق بمحذوف وقع خبرا لها . والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال والأسباب .
أى ما كان لها أن تموت فى حالة من الأحوال أو لسبب من الأسباب إلا مأذونا لها منه - سبحانه - .
والباء فى قوله { إِلاَّ بِإِذْنِ الله } للمصاحبة .
وقوله { كِتَاباً } مفعول مطلق مؤكد لمضمون الجملة التى قبله ، وعامله مضمر والتقدير : كتب الله ذلك كتابا مؤجلا . أى له أجل معلوم لا يتقدم عنه ولا يتأخر ، وهو آت لا ريب فيه .
وقوله { مُّؤَجَّلاً } صفة لقوله { كِتَاباً } .
ثم ذم - سبحانه - الذين يؤثرون متاع الدنيا على الآخرة ، فقال : { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا } أى من يرد بعمله ثواب الدنيا أى جزاءها وثمارها كالأموال والغنائم نؤته منها ما نشاء أن نؤتيه ، ولا يكون له فى الآخرة من نصيب .
وهذا تعريض بمن شغلوا بجمع الغنائم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بمن تركوا أماكنهم التى وضعهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسارعوا إلى جمع حطام الدنيا ، فنتج عن ذلك هزيمة المسلمين فى غزوة أحد .
ثم مدح - سبحانه - الذين يبتغون بأعمالهم ثواب الآخرة فقال : { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخرة نُؤْتِهِ مِنْهَا } .
أى ومن يرد بعمله وجهاده ثواب الآخرة وما ادخره الله فيها لعباده المتقين من أجر جزيل نؤته منها ما نشاء من عطائنا الذين تشتهيه النفوس ، وتقر له العيون .
وقوله { وَسَنَجْزِي الشاكرين } تذييل مقرر لمضمون ما قبله ، ووعد من عطاء الله لمن شكره على نعمه ويثبت على شرعه .
أى وسنجزى الشاكرين فى دنياهم بما يسعدهم ويرضيهم . وسنجزيهم فى الآخرة بما يشرح صدورهم ، ويدخل البهجة على نفوسهم .
فأنت ترى أن الآية الكريمة قد تضمنت تحريض المؤمنين على القتال . وتحذيرهم من الجبن والفرار ، لأن الجبن لا يؤخر الحياة ، كما أن الإقدام لا يؤدى إلى الموت قبل حلول وقته ، فإن أحدا لا يموت قبل أجله ، وإن خاص المهالك واقتحم المعارك .
كما تضمنت دعوة المؤمنين إلى الزهد فى متع الحياة الدنيا ، وإلى أن يجعلوا مقصدهم الأكبر فى تحصيل ما ينفعهم فى آخرتهم ، فإن هذا هو المقصد الأسمى ، والمطلب الأعلى : قال - تعالى - { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخرة مِن نَّصِيبٍ } وإن الذين خالفوا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم تركوا أما كنهم التى أمرهم بالثبات فيها جريا وراء الغنائم ، لم يحصلوا منها شيئا ، بل فقدوها وفقدوا أرواحهم وعزتهم وكرامتهم ، وكان فعلهم هذا من أسباب هزمية المسلمين فى غزوة أحد .
كما تضمنت وعداً من الله - تعالى - بأن يزيد الشاكرين من فضله وإحسانه ، وأن يكافئهم على شكرهم إياه بما هم أهل له من نصر وخير وفير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.