بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ كِتَٰبٗا مُّؤَجَّلٗاۗ وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلۡأٓخِرَةِ نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَاۚ وَسَنَجۡزِي ٱلشَّـٰكِرِينَ} (145)

{ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ } قبل أجلها { إِلاَّ بِإِذْنِ الله كتابا مُّؤَجَّلاً } يقول : في موتها كتاباً مؤجلاً في اللوح ، فلا يسبق أجله . وقال الزجاج : قوله { كتاباً مؤجلاً } ، أي كتب كتاباً ذا أجل ، وهو الوقت المعلوم ، وذكر الكتاب على معنى التأكيد كقوله : { والمحصنات مِنَ النساء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أيمانكم كتاب الله عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بأموالكم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مسافحين فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَأتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الفريضة إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } [ النساء : 24 ] أي أن المحرمات مفروضة عليكم على معنى التأكيد . وفي هذه الآية إبطال قول المعتزلة ، لأنهم يقولون : إن من قتل فإنما يهلك قبل أجله ، وكل ما ذبح من الحيوان كان هالكاً قبل أجله ، لأنه يجب على القاتل الضمان والدية . وقد بيّن الله تعالى في هذه الآية أنه لا تهلك نفس قبل أجلها .

{ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا } قال الكلبي : يعني يرد ثواب الدنيا بالعمل الذي افترض الله عليه { نُؤْتِهِ مِنْهَا } يعني أعطاه الله ما يحب ، وما له في الآخرة من نصيب { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخرة نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشاكرين } في الآخرة . ومن الناس من قال : إن الرياء يدخل في النوافل ، ولا يدخل في الفرائض ، لأن الفرائض واجبة على جميع الناس . وقال بعضهم : يدخل في الفرائض ولا يدخل في النوافل ، لأنه لو لم يأتِ بها لا يؤاخذ بها ، فإذا أتى بهذا القدر ليس عليه غير ذلك . وقال بعضهم : كلاهما سواء ، فالرياء يدخل في الفرائض والنوافل جميعاً . وهذا القول أصح لقوله تعالى : { إِنَّ المنافقين يخادعون الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قاموا إِلَى الصلاة قَامُواْ كسالى يُرَاءُونَ الناس وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلاً } [ النساء : 142 ] .