التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ كِتَٰبٗا مُّؤَجَّلٗاۗ وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلۡأٓخِرَةِ نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَاۚ وَسَنَجۡزِي ٱلشَّـٰكِرِينَ} (145)

قوله تعالى : ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين ) .

ذلك تحريض من الله للمسلمين على الجهاد في سبيله من غير أن يصدهم عن ذلك خور أو مخافة موت ، فإنه ما من إنسان إلا سيموت لا محالة . ولا يأتيه الموت أو القتل إلا إذا حضر الأجل . وهذه حقيقة مسطورة في علم الله ومقدوره لا تحتمل الشك أو الجدل . ويقرر ذلك ويؤكده قوله تعالى : ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ) ( كتابا ) مفعول مطلق منصوب . أي كتب الله كتابا مؤجلا . ومؤجلا صفته ، والمؤجل معناه المؤقت الذي له أجل معلوم فلا يتقدم على أجله ولا يتأخر . كقوله تعالى : ( وإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) وقوله : ( لكل أجل كتاب ) وذلك تأكيد من الله على أن الحياة أو الموت بتقدير من الله . وإذا لم يحن أجل المرء وكان له من العمر جزء أو بقية فهو لا محالة مستوف ما بقي له من الحظ في هذه الحياة ولو اجتمعت من حوله كل أسباب المنايا ومكائد الإنس والجن . فلا الشجاعة والإقدام في ساحة القتال حتى ما يكون بين المرء وعدوه قيد شبر- ولا غير ذلك من ظواهر الجراءة والجسارة ، مدعاة لوقوع الأجل إلا أن يشاء الله . وإذا أيقن المسلم أن كل شيء بقدر وأن الأعمار والآجال مرهونة بقدرة الله وإنه فلا يعبأ بعد ذلك من مواجهة الأهوال والنزول إلى الغمرات والأهوال جهادا في سبيل الله وطلبا لمرضاته سبحانه .

قوله : ( ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها ) .

نزلت في الذين انكفأوا عن أماكنهم في أحد طلبا للغنيمة . وهي مع ذلك عامة في كل من أراد الدنيا دون الآخرة ، فمن ابتغى من مساعيه وجهوده الدنيا حيث المال والجاه وغيرهما من ضروب الشهوات ، فإنه يؤتى من ذلك ما قدره له الله ، لكنه ليس له في الآخرة من نصيب ، أما من ابتغى بذلك الدار الآخرة أعطاه الله منها مع ما يجري عليه من رزقه في دنياه .

وقوله : ( وسنجزي الشاكرين ) وهم الذين امتثلوا أمر الله بالقتال فلم يفروا ولم يزعزعهم إرجاف أو وجل ، فأولئك سيعطيهم الله من فضله ورحمته ثوابه الأبدي في الآخرة . ولا يحرمهم من عطاء الدنيا إن شاء ، كيلا يظن أحد أن المؤمنين محرومون من خير الدنيا ورزقها .