الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ كِتَٰبٗا مُّؤَجَّلٗاۗ وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلۡأٓخِرَةِ نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَاۚ وَسَنَجۡزِي ٱلشَّـٰكِرِينَ} (145)

أخبر عزَّ وجلَّ عن النفوسِ ، أنها إنما تَمُوتُ بَأجَلٍ مَكْتُوبٍ محتومٍ عند اللَّه تعالى ، أي : فالجُبْنُ والخَوَرُ لا يزيدُ في الأجَلِ ، والشَّجَاعَةُ والإقدامُ لا ينقصُ منه ، وفي هذه الآية تقويةٌ للنفوس في الجهادِ ، وفيها ردٌّ على المعتزلة في قَوْلِهِمْ بِالأَجَلَيْنِ .

وقوله سبحانه : { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا }[ آل عمران :145 ] .

أي : نؤت من شئْنا منها ما قُدِّرَ له ، يبيِّن ذلك قولُهُ تعالى : { مَّن كَانَ يُرِيدُ العاجلة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ } [ الإسراء : 18 ] ، وقرينةُ الكلامِ تقتضي أنه لا يؤتى شيْئاً من الآخرة ، لأنَّ مَنْ كانَتْ نيَّته من عمله مقصورةً على طَلَب الدُّنْيا ، فلا نَصِيبَ له في الآخرة ، والأعمال بالنيَّات ، وقرينةُ الكلامِ مِنْ قوله : { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخرة نُؤْتِهِ مِنْهَا }[ آل عمران :145 ] لا تمنع أنْ يؤتى نصيباً من الدنيا ، قال ابنُ فُورَكَ في قوله تعالى : { وَسَنَجْزِي الشاكرين } إشارة إلى أنه ينعِّمهم بِنعَمِ الدُّنْيا ، لا أنهم يقصرون عَلَى الآخرة .