{ وإن كان ذو عسرة } وإن وقع غريم ذو عسرة . وقرئ " ذا عسرة " أي وإن كان الغريم ذا عسرة . { فنظرة } فالحكم نظرة ، أو فعليكم نظرة ، أو فليكن نظرة وهي الإنظار . وقرئ " فناظره " على الخبر أي فالمستحق ناظره بمعنى منتظره ، أو صاحب نظرته على طريق النسب وفناظره على الأمر أي فسامحه بالنظرة . { إلى ميسرة } يسار ، وقرأ نافع وحمزة بضم السين ، وهما لغتان كمشرقة ومشرقة . وقرئ بهما مضافين بحذف التاء عند الإضافة كقوله : { وأخلفوا الله ما وعدوه } . { وأن تصدقوا } بالإبراء . وقرأ عاصم بتخفيف الصاد . { خيرا لكم } أكثر ثوابا من الإنظار ، أو خير مما تأخذون لمضاعفة ثوابه ودوامه . وقيل : المراد بالتصدق الإنظار لقوله عليه الصلاة والسلام ، " لا يحل دين رجل مسلم فيؤخره إلا كان له بكل يوم صدقة " { إن كنتم تعلمون } ما فيه من الذكر الجميل الجزيل .
عطف على قوله : { فلكم رؤوس أموالكم } لأنّ ظاهر الجواب أنّهم يسترجعونها معجّلة ، إذ العقود قد فسخت . فعطف عليه حالة أخرى ، والمعطوفُ عليه حالة مقدّرة مفهومة لأنّ الجزاء يدل على التسبّب ، والأصل حصول المشروط عند الشرط . والمعنى وإن حصل ذو عسرة ، أي غريم معسر .
وفي الآية حجة على أنّ ( ذُو ) تضاف لغير ما يفيد شيئاً شريفاً .
والنظِرة بكسر الظاء الانتظار .
والميسُرة بضم السين في قراءة نافع وبفتحها في قراءة الباقين اسم لليسر وهو ضدّ العسر بضم العين وهي مَفْعُلة كمَشرُقَة ومَشْرُبَة ومألُكَة ومَقْدُرة ، قال أبو علي ومَفْعَلة بالفتح أكثر في كلامهم .
وجملة فنظرة جواب الشرط ، والخبر محذوف ، أي فنظرة له .
والصيغة طلب ، وهي محتملة للوجوب والندب . فإن أريد بالعسرة العُدْم أي نفاد مالِهِ كلّه فالطلب للوجوب ، والمقصود به إبطال حكم بيع المعسر واسترقاقه في الدّين إذا لم يكن له وفاء . وقد قيل : إن ذلك كان حكماً في الجاهلية وهو حكم قديم في الأمم كان من حكم المصريين ، ففي القرآن الإشارة إلى ذلك بقوله تعالى : { ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك } [ يوسف : 76 ] . وكان في شريعة الرومان استرقاق المدين ، وأحسب أن في شريعة التوراة قريباً من هذا ، وروي أنّه كان في صدر الإسلام ، ولم يثبت . وإن أريد بالعسرة ضيق الحال وإضرار المدين بتعجيل القضاء فالطلب يحتمل الوجوب ، وقد قال به بعض الفقهاء ، ويحتمل الندب ، وهو قول مالك والجمهور ، فمن لم يشأ لم ينظره ولو ببيع جميع ماله لأنّ هذا حق يمكن استيفاؤه ، والإنظار معروف والمعروف لا يجب . غير أن المتأخرين بقرطبة كانوا لا يقضون عليه بتعجيل الدفع ، ويؤجلونه بالاجتهاد لئلاّ يدخل عليه مضرة بتعجيل بيع ما بِهِ الخلاصُ .
ومورد الآية على ديون معاملات الربا ، لكنّ الجمهور عمّموها في جميع المعاملات ولم يعتبروا خصوص السبب لأنّه لما أبطل حكم الربا صار رأس المال ديناً بحتاً ، فما عيّن له من طلب الإنظار في الآية حكم ثابت للدين كلُه . وخالف شريح فخَصّ الآية بالديون التي كانت على ربا ثم أبطل رباها .
وقوله : { وأن تصدقوا خير لكم } أي أنّ إسقاط الدين عن المعسر والتنفيس عليه بإغنائه أفضل ، وجعله الله صدقة لأنّ فيه تفريج الكرب وإغاثة الملهوف .
وقرأ الجمهور من العشرة { تصدقوا } بتشديد الصاد على أنّ أصله تتصدّقوا فقلبت التاء الثانية صاداً لتقاربهما وأدغمت في الصاد ، وقرأه عاصم بتخفيف الصاد على حذف إحدى التاءين للتخفيف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.