محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسَرَةٖۚ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (280)

ثم أمر تعالى بالصبر على المعسر الذي لا يجد وفاء ، فقال : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدّقوا خير لكم إن كنتم تعلمون 280 } .

{ وإن كان ذو عسرة } أي بالكل أو البعض { فنظرة } أي فالواجب إمهال بقدر ما أعسر { إلى ميسرة } أي بذلك القدر . لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه ، إذا حلّ عليه الدين : إما أن تقضي وإما أن تربي . ثم ندب تعالى إلى الوضع من المعسر ووعد عليه الخير والثواب الجزيل فقال : { وأن تصدّقوا خير لكم إن كنتم تعلمون } أي وأن تتركوا للمعسر قدر ما أعسر بإبرائه منه ، لأنه ربما لا يحصل البدل في الحال ، فيأخذ ما يساويه في الآخرة . والصدقة تتضاعف الأضعاف المذكورة .

وقد أخرج البخاري{[1472]} ومسلم والنسائيّ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كان رجل يداين الناس ، فكان يقول لفتاه : إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا ، فلقي الله فتجاوز عنه ) . وأخرج مسلم والترمذيّ نحوه عن أبي مسعود البدريّ رضي الله عنه .

/ وعن أبي قتادة{[1473]} الحارث بن ربعيّ الأنصاريّ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من نفّس عن غريمه أو محا عنه ، كان في ظل العرش يوم القيامة ) . رواه الإمام أحمد ومسلم . وعن بريدة{[1474]} قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة . قال : ثم سمعته يقول : من أنظر معسرا فله بكل يوم مثلاه صدقة . فسألته عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : له بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين . فإذا حلّ الدين فأنظره فله بكل يوم مثلاه صدقة ) . وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم{[1475]} : ( من أنظر معسرا أو وضع عنه ، وقاه الله من فيح جهنم ) . رواهما الإمام أحمد ،


[1472]:أخرجه البخاري في: 60 ـ كتاب الأنبياء، 54 ـ باب حدثنا أبو اليمان. ومسلم في: 22 ـ كتاب المساقاة، حديث 31 (طبعتنا).
[1473]:أخرجه الإمام أحمد في المسند بالصفحة 300 من الجزء الخامس (طبعة الحلبيّ).
[1474]:أخرجه ابن ماجة في: 15 ـ كتاب الصدقات، 14 ـ باب إنظار المعسر، حديث 2418 (طبعتنا).
[1475]:أخرجه الإمام أحمد في المسند، حديث رقم 3017 (طبعة المعارف).