السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسَرَةٖۚ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (280)

{ وإن كان ذو عسرة فنظرة } له أي : عليكم تأخيره { إلى ميسرة } أي : وقت يسره .

تنبيه : في كان هذه وجهان : أظهرهما أنها تامّة بمعنى حدث ووجد أي : وإن حدث ذو عسرة ، فتكتفي بفاعلها كسائر الأفعال ، الثاني أنها ناقصة وخبرها محذوف ، قال أبو البقاء تقديره : وإن كان ذو عسرة لكم عليه حق أو نحو ذلك ، وقدره بعضهم وإن كان ذو عسرة غريماً ، وقرأ نافع بضمّ السين والباقون بفتحها { وأن تصدقوا } أي : بالإبراء وقرأ عاصم بتخفيف الصاد والباقون بالتشديد على إدغام التاء في الأصل والتخفيف على حذفها { خير لكم } أي : أكثر ثواباً من الإنظار وهذا مما فضل المندوب فيه الواجب ، فإنّ الإبراء مندوب إليه والإنظار واجب فيحرم حبس المعسر ، وهل القول قوله في إعساره أو لا بدّ من بينة تشهد بذلك ينظر إن كان الدين عن عوض كالبيع والقرض فلا بدّ من بينة ، وإن كان عن غير عوض كالضمان والإتلاف والصداق ، فالقول قول المعسر بيمينه وعلى الغريم البينة إلا أن يعرف له مال فلا بدّ من بينة { إن كنتم تعلمون } فضل التصدق على الإنظار فافعلوا . وقيل : المراد بالتصدّق الإنظار نفسه ورد هذا كما قال الإمام : بأنّ الإنظار قد علم مما قبل فلا بدّ من حمله على فائدة جديدة قال عليه الصلاة والسلام : ( لا يحل دين رجل مسلم فيؤخره إلا كان له بكل يوم صدقة ) .

وروي : ( من أنظر معسراً أو وضع عنه أنجاه الله من كرب يوم القيامة ) وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ الملائكة تلقت روح رجل كان قبلكم فقالوا له : هل عملت خيراً قط ؟ قال : لا قالوا : تذكر قال : ألا إني رجل كنت أداين الناس فكنت آمر فتياني بأن ينظروا الموسر ويتجاوزوا عن المعسر . قال الله تعالى : تجاوزوا عنه ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) .