30- أَعَمِىَ الذين كفروا ولم يبصروا أن السماوات والأرض كانتا في بدء خلقهما ملتصقتين ، فبقدرتنا فَصَلَنا كلا منهما عن الأخرى ، وجعلنا من الماء الذي لا حياة فيه كل شيء حي ؟ ! فهل بعد كل هذا يُعرضون ، فلا يؤمنون بأنه لا إله غيرنا ؟ {[127]}
{ أو لم ير الذين كفروا } أو لم يعلموا ، وقرأ ابن كثير بغير واو . { أن السموات والأرض كانتا رتقا } ذات رتق أو مرتوقتين ، وهو الضم والالتحام أي كانتا واحدا وحقيقة متحدة . { ففتقناهما } بالتنويع والتمييز ، أو كانت السموات واحدة ففتقت بالتحريكات المختلفة حتى صارت أفلاكا ، وكانت الأرضون واحدة فجعلت باختلاف كيفياتها وأحوالها طبقات أو أقاليم . وقيل { كانتا } بحيث لا فرجة بينهما ففرج . وقيل { كانتا رتقا } لا تمطر ولا تنبت ففتقناهما بالمطر والنبات ، فيكون المراد ب { السموات } سماء الدنيا وجمعها باعتبار الآفاق أو { السموات } بأسرها على أن لها مدخلا ما في الأمطار ، والكفرة وإن لم يعلموا ذلك فهم متمكنون من العلم به نظرا فإن الفتق عارض مفتقر إلى مؤثر واجب وابتداء أو بوسط ، أو استفسارا من العلماء ومطالعة للكتب ، وإنما قال { كانتا } ولم يقل كن لأن المارد جماعة السموات وجماعة الأرض . وقرىء { رتقا } بالفتح على تقدير شيئا رتقا أي مرتوقا كالرفض بمعنى المرفوض . { وجعلنا من الماء كل شيء حي } وخلقنا من الماء كل حيوان كقوله تعالى { الله خلق كل دابة من ماء } وذلك لأنه من أعظم مواده أو لفرط احتياجه إليه وانتفاعه به بعينه ، أو صيرنا كل شيء حي بسبب من الماء لا يحيا دونه ، وقرئ " حيا " على أنه صفة { كل } أو مفعول ثان ، والظرف لغو والشيء مخصوص بالحيوان . { أفلا يؤمنون } مع ظهور الآيات .
ثم وقفهم على عبرة دالة على وحدانية الله جلت قدرته ، و «الرتق » الملتصق بعضه ببعض المبهم الذي لا صدع ولا فتح ومنه امرأة رتقاء{[8212]} ، واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى : { كانتا رتقاً ففتقناهما } فقالت فرقة كانت السماء ملتصقة بعضها ببعض والأرضون كذلك ففتقهما الله تعالى سبعاً سبعاً ، وعلى هذين القولين ف «الرؤية » الموقف عليها رؤية القلب ، وقال فرقة السماء قبل المطر رتق والأرض قبل النبات رتق ففتقهما تعالى بالمطر والنبات ، كما قال الله تعالى { والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع }{[8213]} [ الطارق : 11-12 ] وهذا قول حسن يجمع العبرة وتعديد النعمة والحجة بمحسوس بين ويناسب قوله { وجعلنا من الماء كل شيء حي } أي من الماء الذي أوجده الفتق فيظهر معنى الآية ويتوجه الاعتبار ، وقالت فرقة السماء والأرض رتق بالظلمة وفتقهما الله تعالى بالضوء ع و «الرؤية » على هذين القولين رؤية العين ، و { الأرض } هنا اسم الجنس فهي جمع ، وقرأ الجمهور «رتْقاً » بسكون التاء ، والرتق مصدر وصف به كالزور والعدل ، وقرأ الحسن والثقفي وأبو حيوة «كانتا رتقاً » بفتح التاء وهو اسم المرتوق كالنفض والنفض والخبط والخبط{[8214]} وقال كانتا من حيث هما نوعان ونحوه قول عمرو بن شيم{[8215]} . ألم يحزنك أن جبال قيس وتغلب قد تباينتا انقطاعاً{[8216]} .
وقوله { كانتا } في القولين الأولين بمنزلة قولك كان زيد حياً ، أي لم يكن ، وفي القولين الآخرين بمنزلة قولك كان زيداً عالماً أي وهو كذلك ، وقرأ ابن كثير وحده «ألم ير » بإسقاط الواو . وقوله { وجعلنا من الماء كل شيء حي } بين أنه ليس على عموم فإن الملائكة والجن قد خرجوا عن ذلك ، ولكن الوجه أن يحمل على أعم ما يمكن فالحيوان أجمع والنبات على أن الحياة فيه مستعارة داخل في هذا ، وقالت فرقة المراد ب { الماء } المني في جميع الحيوان ، ثم وقفهم على ترك الإيمان توبيخاً وتقريعاً .