نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقٗا فَفَتَقۡنَٰهُمَاۖ وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ كُلَّ شَيۡءٍ حَيٍّۚ أَفَلَا يُؤۡمِنُونَ} (30)

ولما أنكر سبحانه اتخاذهم آلهة من دونه تارة بقيد كونها أرضية ، وتارة {[50758]}بقيد كونها{[50759]} سماوية ، وتارة مطلقة ، لتعم كلا من القسمين وغيرهما ، واستدل على ذلك كله بما لم تبق معه شبهة ، فدل تفرده على أنه لا مانع له مما{[50760]} يريد من بعث ولاغيره ، وكان علمهم لا يتجاوز ما في السماوات والأرض ، قال مستدلاً على ذلك أيضاً مقرراً بما يعلمونه ، أو ينبغي أن{[50761]} يسألوا عنه حتى يعلموه لتمكنهم من ذلك { فاسألوا أهل الذكر } جالياً له في أسلوب العظمة : { أولم } أي ألم يعلموا ذلك بما أوضحنا من أدلته{[50762]} و{[50763]}لم يروا ، ولكنه أظهر للدلالة على أنهم يغطون{[50764]} أنوار الدلائل عناداً فقال : { ير } أي يعلم علماً هو كالمشاهدة { الذين كفروا } أي ستروا ما يعلمون من قدرة الله فأدى ذلك إلى الاستهانة والتنقص{[50765]} فصار ذنبهم غير مغفور{[50766]} ، وسعيهم غير مشكور ، وحذف{[50767]} ابن كثير{[50768]} الواو العاطفة على ما قدرته مما هدى إليه السياق أيضاً ، لا للاستفهام بما دل عليه ختام الآية التي قبل من البعث والجزاء المقتضي للإنكار على من أنكره ، فكان المعنى على قراءته{[50769]} : نجزي كل ظالم بعد البعث ، ألم ير المنكرون لذلك قدرتنا عليه بما أبدعنا من الخلائق ، وإنما أنكر عليهم عدم الرؤية بسبب أن الأجسام وإن تباينت لا ينفصل بعضها عن بعض إلا بقادر يفصل بينها ، فمن البديهي الاستحالة أن يرتفع شيء منها عن الآخر منفصلاً عنه بغير رافع {[50770]}لا سيما إذا كان المرتفع ثابتاً{[50771]} من غير عماد ، فكيف وهو عظيم الجسم كبير الجرم ؟ وذلك دال على تمام القدرة والاختيار والتنزه عن كل شائبة نقص من مكافىء وغيره ، فصح الإنكار عليهم في عدم علم ذلك بسبب أنهم عملوا بخلاف ما يعلمونه{[50772]} { أن السماوات والأرض } .

{[50773]}ولما كان المراد الإخبار عن الجماعتين لا عن الأفراد قال{[50774]} : { كانتا } {[50775]}ولما {[50776]}كان المراد{[50777]} شدة الاتصال والتلاحم ، أخبر عن ذلك بمصدر مفرد وضع موضع الاسم فقال : { رتقاً } أي ملتزقتين{[50778]} زبدة واحدة على وجه الماء ، والرتق في اللغة : السد ، والفتق : الشق{[50779]} { ففتقناهما } {[50780]}أي بعظمتنا{[50781]} أي{[50782]} بأن ميزنا إحديهما عن الأخرى بعد التكوين المتقن وفتقنا السماء بالمطر ، والأرض بأنواع النبات بعد أن لم يكن شيء من ذلك ، ولا كان مقدوراً على شيء منه لأحد غيرنا ؛ {[50783]}عن ابن عباس{[50784]} رضي الله عنهما وعطاء والضحاك وقتادة : كانتا شيئاً واحداً ملتزقتين ففضل الله تعالى بينهما بالهواء . وعن مجاهد وأبي صالح والسدي : كانتا مؤتلفة طبقة{[50785]} واحدة ففتقها فجعلها سبع سماوات ، وكذلك الأرض{[50786]} كانت مرتتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع{[50787]} طبقات .

ولما كان خلق الماء سابقاً على خلق السماوات والأرض ، قال : { وجعلنا } أي بما اقتضته عظمتنا{[50788]} { من الماء } أي الهامر ثم الدافق{[50789]} { كل شيء حي } مجازاً من النبات وحقيقة من الحيوان ، خرج الإمام أحمد وغيره " عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرني عن كل شيء ، فقال : كل شيء خلق من ماء{[50790]} " ولذلك أجاب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الذي وجده على ماء بدر {[50791]}وسأله{[50792]} : ممن هو ؟ بقوله : " نحن من ماء " .

ولما كان هذا من تصرفه في هذين الكونين ظاهراً ومنتجاً لأنهما وكل ما فيهما{[50793]} ومن فيهما بصفة العجز عن أن يكون له تصرف ما ، تسبب عنه إنكار عدم إيمانهم فقال : { أفلا يؤمنون* } أي بأن شيئاً منهما أو فيهما لا يصلح للإلهية ، لا على وجه الشركة{[50794]} ولا على وجه الانفراد ، وبأن صانعهما ومبدع النامي من حيوان ونبات منهما بواسطة الماء قادر على البعث للحساب للثواب أو العقاب ، بعد أن صار الميت تراباً بماء يسببه لذلك .


[50758]:من ظ ومد وفي الأصل: بكونها.
[50759]:من ظ ومد، وفي الأصل: بكونها.
[50760]:من ظ ومد، وفي الأصل: ما.
[50761]:تكرر في مد.
[50762]:من ظ ومد، وفي الأصل: دلالته.
[50763]:من مد، وفي الأصل وظ: أو.
[50764]:من ظ ومد، وفي الأصل: يعظمون.
[50765]:من ظ ومد، وفي الأصل: النقص.
[50766]:من ظ ومد وفي الأصل: مقصور.
[50767]:في ظ: أسقط.
[50768]:بين سطري ظ: المقرى.
[50769]:في مد: ما قراته.
[50770]:تكرر ما بين الرقمين في الأصل فقط بعد تمام القدرة.
[50771]:تكرر ما بين الرقمين في الأصل فقط بعد "تمام القدرة"..
[50772]:من ظ ومد وفي الأصل: يعلمون.
[50773]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[50774]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[50775]:العبارة منة هنا إلى "الاسم فقال" ساقطة من ظ
[50776]:في مد: كانتا.
[50777]:في مد: كانتا.
[50778]:من ظ ومد، وفي الأصل: ملتصقين.
[50779]:من ظ ومد وفي الأصل: الشد
[50780]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[50781]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[50782]:زيد من مد.
[50783]:العبارة من هنا إلى éطبقات" ساقطة من ظ.
[50784]:راجع البحر المحيط 6 / 308.
[50785]:من مد والبحر وفي الأصل: طينة.
[50786]:في البحر: الأرضون.
[50787]:زيد من مد والبحر إلا أن في البحر "سبعا" مع "حذف طبقات".
[50788]:زيد من مد.
[50789]:بهامش ظ: أي المنى.
[50790]:من ظ ومد، وفي الأصل: الماء.
[50791]:من ظ ومد، وفي الأصل: فسأله.
[50792]:من ظ ومد وفي الأصل: فسأله.
[50793]:من ظ ومد، وفي الأصل: عنهما.
[50794]:من ظ ومد وفي الأصل: الشرك.