الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقٗا فَفَتَقۡنَٰهُمَاۖ وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ كُلَّ شَيۡءٍ حَيٍّۚ أَفَلَا يُؤۡمِنُونَ} (30)

قرىء : { أَلَمْ يَرَوْاْ } بغير واو . و { رَتْقاً } بفتح التاء ، وكلاهما في معنى المفعول ، كالخلق والنقض ، أي : كانتا مرتوقتين .

فإن قلت : الرتق صالح أن يقع موقع مرتوقتين لأنه مصدر ، فما بال الرتق ؟ قلت : هو على تقرير موصوف ، أي : كانتا شيئاً رتقاً ومعنى ذلك : أن السماء كانت لاصقة بالأرض لا فضاء بينهما . أو كانت السموات متلاصقات ، وكذلك الأرضون لا فرج بينها ففتقها الله وفرّج بينها . وقيل : ففتقناها بالمطر والنبات بعد ما كانت مصمتة ، وإنما قيل : كانتا دون كنّ ، لأنّ المراد جماعة السموات وجماعة الأرض ، ونحوه قولهم : لقاحان سوداوان ، أي : جماعتان ، فعل في المضمر نحو ما فعل في المظهر .

فإن قلت : متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك ؟ قلت : فيه وجهان ، أحدهما : أنه وارد في القرآن الذي هو معجزة في نفسه ، فقام مقام المرئيِّ المشاهد . والثاني : أن تلاصق الأرض والسماء وتباينهما كلاهما جائز في العقل ، فلا بدّ للتباين دون التلاصق من مخصص وهو القديم سبحانه { وَجَعَلْنَا } لا يخلو أن يتعدى إلى واحد أو اثنين ، فإن تعدّى إلى واحد ، فالمعنى : خلقنا من الماء كل حيوان ، كقوله : { والله خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مّن مَّاء } [ النور : 45 ] أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبره عنه ، كقوله تعالى : { خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ } [ الأنبياء : 37 ] وإن تعدى إلى اثنين فالمعنى : صيرنا كل شيء حيّ بسبب من الماء لا بدّ له منه . و«من » هذا نحو «من » في قوله عليه السلام : " مَا أنَا مِنْ ددٍ ولا الددُ مِنْي " وقرىء «حيا » وهو المفعول الثاني . والظرف لغو .