{ أَوَلَمْ يَرَ الذين كَفَرُواْ } تجهيلٌ لهم بتقصيرهم في التدبُّر في الآيات التكوينيةِ الدالةِ على استقلاله تعالى بالألوهية وكونِ جميع ما سواه مقهوراً تحت ملكوتِه ، والهمزةُ للإنكار والواو للعطف على مقدّر وقرئ بغير واو والرؤيةُ قلبيةٌ ، أي ألم يتفكروا ولم يعلموا { أَنَّ السماوات والأرض كَانَتَا } أي جماعتا السماوات والأرضين كما في قوله تعالى : { إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ } { رَتْقاً } الرتْق الضمُّ والالتحامُ والمعنى إما على حذف المضافِ أو هو بمعنى المفعولِ أي كانتا ذواتيْ رتْقٍ أو مرتوقتين ، وقرئ رتَقاً أي شيئاً رتقاً أي مرتوقاً { ففتقناهما } قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في رواية عكرمة والحسن البصري وقتادة وسعيد بن جبير : كانتا شيئاً واحداً ملتزمين ففصل الله تعالى بينهما ورفع السماءَ إلى حيث هي وأقرّ الأرض ، وقال كعب : خلق الله تعالى السماوات والأرض ملتصقتين ثم خلق ريحاً فتوسطتها ففتقتْها ، وعن الحسن : خلق الله تعالى الأرضَ في موضع بيت المقدس كهيئة الفِهْر عليها دخانٌ ملتزق بها ثم أصعدَ الدخانَ وخلق منه السماوات وأمسك الفِهرَ في موضعها وبسط منها الأرضَ وذلك قوله تعالى : { كَانَتَا رَتْقاً ففتقناهما } وقال مجاهد والسدي : كانت السماوات مُرتتِقَةً طبقةً واحدة ففتقها فجعلها سبعَ سموات وكذلك الأرضُ كانت مرتتِقةً طبقةً واحدةً ففتقها فجعلها سبعَ أرضين ، وقال ابن عباس في رواية عطاء وعليه أكثرُ المفسرين : إن السماوات كانت رتْقاً مستويةً صُلبة لا تمطر والأرضُ رتْقاً لا تُنبت ففتق السماءَ بالمطر والأرضَ بالنبات ، فيكون المراد بالسماوات السماءَ الدنيا والجمعُ باعتبار الآفاقِ أو السماوات جميعاً على أن لها مدخلاً في الأمطار ، وعلمُ الكفرةِ الرتْقَ والفتقَ بهذا المعنى مما لا سِترةَ به وأما بالمعاني الأُوَل فهم وإن لم يعلموهما لكنهم متمكنون من علمهما إما بطريق النظرِ والتفكر ، فإن الفتقَ عارضٌ مفتقرٌ إلى مؤثر قديم وإما بالاستفسار من العلماء ومطالعةِ الكتب .
{ وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيء حَيّ } أي خلقنا من الماء كلَّ حيوان كقوله تعالى : { والله خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مّن مَّاء } وذلك لأنه من أعظم موادِّه أو لفرْط احتياجِه إليه وانتفاعِه به ، أو صيرنا كلَّ شيء حي من الماء أي بسبب منه لا بد له من ذلك ، وتقديمُ المفعول الثاني للاهتمام به لا لمجرد أن المفعولين في الأصل مبتدأٌ وخبرٌ وحقُّ الخبر عند كونه ظرفاً أن يتقدم على المبتدأ فإن ذلك مصحِّحٌ محْضٌ لا مرجحٌ ، وقرئ حيًّا على أنه صفةُ كلَّ أو مفعولٌ ثانٍ والظرفُ كما في الوجه الأول قُدّم على المفعول للاهتمام به والتشويقِ إلى المؤخر { أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } إنكار لعدم إيمانِهم بالله وحده مع ظهور ما يوجبه حتماً من الآيات الآفاقية والأنفسيةِ الدالةِ على تفرده عز وجل بالألوهية وعلى كون ما سواه من مخلوقاته مقهورةً تحت ملكوته وقدرتِه ، والفاء للعطف على مقدر يستدعيه الإنكارُ السابق أي أيعلمون ذلك فلا يؤمنون !
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.