قوله تعالى : " أولم ير الذين كفروا " قراءة العامة " أو لم " بالواو . وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد وشبل بن عباد " ألم تر " بغير واو وكذلك هو في مصحف مكة . " أو لم ير " بمعنى يعلم . " الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا " قال الأخفش : " كانتا " لأنهما صنفان ، كما تقول العرب : هما لقاحان أسودان ، وكما قال الله عز وجل : " إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا " {[11242]} [ فاطر : 41 ] قال أبو إسحاق : " كانتا " لأنه يعبر عن السموات بلفظ الواحد بسماء ، ولأن السموات كانت سماء واحدة ، وكذلك الأرضون . وقال : " رتقا " ولم يقل رتقين ، لأنه مصدر ، والمعنى كانتا ذواتي رتق . وقرأ الحسن " رتقا " بفتح التاء . قال عيسى بن عمر : هو صواب وهي لغة . والرتق السد ضد الفتق ، وقد رتقت الفتق أرتقه فارتتق أي التأم ، ومنه الرتقاء للمنضمة الفرج . قال ابن عباس والحسن وعطاء والضحاك وقتادة : يعني أنها كانت شيئا واحدا ملتزقتين ففصل الله بينهما بالهواء . وكذلك قال كعب : خلق الله السموات والأرض بعضها على بعض ثم خلق ريحا بوسطها{[11243]} ففتحها بها ، وجعل السموات سبعا والأرضين سبعا . وقول ثان قاله مجاهد والسدي وأبو صالح : كانت السموات مؤتلفة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع سموات ، وكذلك الأرضين كانت مرتتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبعا . وحكاه القتبي في عيون الأخبار له ، عن إسماعيل بن أبي خالد في قول الله عز وجل : " أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقاهما " قال : كانت السماء مخلوقة وحدها والأرض مخلوقة وحدها ، ففتق من هذه سبع سموات ، ومن هذه سبع أرضين ، خلق الأرض العليا فجعل سكانها الجن والإنس ، وشق فيها الأنهار وأنبت فيها الأثمار ، وجعل فيها البحار وسماها رعاء ، عرضها مسيرة خمسمائة عام ، ثم خلق الثانية مثلها في العرض والغلظ وجعل فيها أقواما ، أفواههم كأفواه الكلاب وأيديهم أيدي الناس ، وآذانهم آذان البقر وشعورهم شعور الغنم ، فإذا كان عند اقتراب الساعة ألقتهم الأرض إلى يأجوج ومأجوج ، واسم تلك الأرض : الدكماء ، ثم خلق الأرض الثالثة غلظها مسيرة خمسمائة عام ، ومنها هواء إلى الأرض . الرابعة خلق فيها ظلمة وعقارب لأهل النار مثل البغال السود ، ولها أذناب مثل أذناب الخيل الطوال ، يأكل بعضها بعضا فتسلط على بني آدم . ثم خلق الله الخامسة [ مثلها ]{[11244]} في الغلظ والطول والعرض فيها سلاسل وأغلال وقيود لأهل النار . ثم خلق الله الأرض السادسة واسمها ماد ، فيها حجارة سُودٌ بُهْم ، ومنها خلقت تربة آدم عليه السلام ، تبعث تلك الحجارة يوم القيامة وكل حجر منها كالطود العظيم ، وهي من كبريت تعلق في أعناق الكفار فتشتعل حتى تحرق وجوههم وأيديهم ، فذلك قوله عز وجل : " وقودها الناس والحجارة " {[11245]} [ البقرة : 24 ] ثم خلق الله الأرض السابعة واسمها عربية وفيها جهنم ، فيها بابان اسم الواحد سجين والآخر الفلق ، فأما سجين فهو مفتوح وإليه ينتهي كتاب الكفار ، وعليه يعرض أصحاب المائدة وقوم فرعون ، وأما الفلق فهو مغلق لا يفتح إلى يوم القيامة . وقد مضى في " البقرة " {[11246]} أنها سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة عام ، وسيأتي له في آخر " الطلاق " {[11247]} زيادة بيان إن شاء الله تعالى . وقول ثالث قاله عكرمة وعطية وابن زيد وابن عباس أيضا فيما ذكر المهدوي : إن السموات كانت رتقا لا تمطر ، والأرض كانت رتقا لا تنبت ، ففتق السماء بالمطر ، والأرض بالنبات ، نظيره قوله عز وجل : " والسماء ذات الرجع . والأرض ذات الصدع " {[11248]} [ الطارق : 11 - 12 ] . واختار هذا القول الطبري ؛ لأن بعده : " وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون " .
قلت : وبه يقع الاعتبار مشاهدة ومعاينة ، ولذلك أخبر بذلك في غير ما آية ؛ ليدل على كمال قدرته ، وعلى البعث والجزاء . وقيل :
يَهُونُ عليهم إذا يَغْضَبُو*** نَ سخطُ العداة وإرغامُها
ورتق الفُتوق وفَتْقُ الرتو*** ق ونَقْضُ الأمور وإبرامُها
قوله تعالى : " وجعلنا من الماء كل شيء حي " ثلاث تأويلات : أحدها : أنه خلق كل شيء من الماء ، قاله قتادة . الثاني : حفظ حياة كل شيء بالماء . الثالث : وجعلنا من ماء الصلب كل شيء حي ، قاله قطرب . " وجعلنا " بمعنى خلقنا . وروى أبو حاتم البستي في المسند الصحيح له حديث أبي هريرة قال : قلت يا رسول الله إذا رأيتك طابت نفسي ، وقرت عيني ، أنبئني عن كل شيء ، قال : ( كل شيء خلق من الماء ) الحديث ، قال أبو حاتم قول أبي هريرة : " أنبئني عن كل شيء " أراد به عن كل شيء خلق من الماء ، والدليل على صحة هذا جواب المصطفى إياه حيث قال : ( كل شيء خلق من الماء ) وإن لم يكن مخلوقا . وهذا احتجاج آخر سوى ما تقدم من كون السموات والأرض رتقا . وقيل : الكل قد يذكر بمعنى البعض كقول : " وأوتيت من كل شيء " {[11249]} [ النمل : 23 ] وقول : " تدمر كل شيء " {[11250]} [ الأحقاف : 25 ] والصحيح العموم ؛ لقول عليه السلام : ( كل شي خلق من الماء ) والله أعلم . " أفلا يؤمنون " أي أفلا يصدقون بما يشاهدون ، وأن ذلك لم يكن بنفسه ، بل لمكون كونه ، ومدبر أوجده ، ولا يجوز أن يكون ذلك المكون محدثا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.