السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقٗا فَفَتَقۡنَٰهُمَاۖ وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ كُلَّ شَيۡءٍ حَيٍّۚ أَفَلَا يُؤۡمِنُونَ} (30)

ثم إنه سبحانه وتعالى شرع الآن في الدلائل الدّالة على وجود الصانع ، فذكر منها ستة أنواع ؛ النوع الأوّل : قوله تعالى : { أولم ير } أي : يعلم { الذين كفروا } علماً هو كالمشاهدة { أن السماوات والأرض كانتا } ولم يقل : كنَّ ؛ لأنّ المراد جماعة السماوات وجماعة الأرض { رتقاً } قال ابن عباس والضحاك : كانتا شيئاً واحداً ملتزقتين زبدة واحدة { ففتقناهما } أي : فصلنا بينهما بالهواء ، والرتق في اللغة السد ، والفتق الشق ، قال كعب : خلق الله السماوات والأرض بعضها على بعض ، ثم خلق ريحاً توسطتهما ، ففتحهما بها ، وقال مجاهد والسدّي : كانت السماوات رتقاً طبقة ، ففتقها ، فجعلها سبع سموات ، وكذلك الأرض كانت رتقاً طبقة ، ففتقها ، فجعلها سبع أرضين ، وقال عكرمة وعطية : كانت السماوات رتقاً لا تمطر ، والأرض رتقاً لا تنبت ، ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات ، فيكون المراد بالسماوات سماء الدنيا ، وجمعها باعتبار الآفاق أو السماوات بأسرها على أن لها مدخلاً في الأمطار ، وإنما قال تعالى : رتقاً على التوحيد ، وهو نعت للسموات والأرض لأنه مصدر ، والكفرة وإن لم يعلموا ذلك ، فهم متمكنون من العلم بالنظر ، أو باستفسار من العلماء ، أو مطالعة الكتب ، وقرأ ابن كثير ألم بغير واو بين الهمزة ولم ، والباقون بالواو بين الهمزة واللام .