{ 6 - 9 } { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ * خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
أي : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ } هو محروم مخذول { يَشْتَرِي } أي : يختار ويرغب رغبة من يبذل الثمن في الشيء . { لَهْوَ الْحَدِيثِ } أي : الأحاديث الملهية للقلوب ، الصادَّة لها عن أجلِّ مطلوب . فدخل في هذا كل كلام محرم ، وكل لغو ، وباطل ، وهذيان من الأقوال المرغبة في الكفر ، والفسوق ، والعصيان ، ومن أقوال الرادين على الحق ، المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق ، ومن غيبة ، ونميمة ، وكذب ، وشتم ، وسب ، ومن غناء ومزامير شيطان ، ومن الماجريات الملهية ، التي لا نفع فيها في دين ولا دنيا .
فهذا الصنف من الناس ، يشتري لهو الحديث ، عن هدي الحديث { لِيُضِلَّ } الناس { بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي : بعدما ضل بفعله ، أضل غيره ، لأن الإضلال ، ناشئ عن الضلال .
وإضلاله في هذا الحديث ؛ صده عن الحديث النافع ، والعمل النافع ، والحق المبين ، والصراط المستقيم .
ولا يتم له هذا ، حتى يقدح في الهدى والحق ، ويتخذ آيات اللّه هزوا ويسخر بها ، وبمن جاء بها ، فإذا جمع بين مدح الباطل والترغيب فيه ، والقدح في الحق ، والاستهزاء به وبأهله ، أضل من لا علم عنده وخدعه بما يوحيه إليه ، من القول الذي لا يميزه ذلك الضال ، ولا يعرف حقيقته .
{ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } بما ضلوا وأضلوا ، واستهزءوا [ بآيات اللّه ]{[1]} وكذبوا الحق الواضح .
وقوله تعالى : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } روي أنها نزلت في قرشي اشترى جارية مغنية تغني بهجاء محمد صلى الله عليه وسلم وسبه فنزلت الآية في ذلك ، وقيل إنه ابن خطل وروي عن أبي أمامة الباهلي بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «شراء المغنيات وبيعهن حرام » وقرأ هذه الآية ، وقال في هذا المعنى أنزلت علي هذه الآية{[9346]} ، وبهذا فسر ابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد ، وقال الحسن { لهو الحديث } المعازف والغناء ، وقال بعض الناس نزلت في النضر بن الحارث لأنه اشترى كتب رستم واسفنديار ، وكان يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحدثهم بتلك الأباطيل ويقول أنا أحسن حديثاً من محمد{[9347]} ، وقال قتادة : الشراء في هذه الآية مستعار ، وإنما نزلت الآية في أحاديث قريش وتلهيهم بأمر الإسلام وخوضهم في الأباطيل .
قال الفقيه الإمام القاضي : فكأن ترك ما يجب وامتثال هذه المنكرات شراء لها على حد قوله تعالى : { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى }{[9348]} [ البقرة : 16 ، 175 ] ، وقد قال مطرف : شراء { لهو الحديث } استحبابه ، قال قتادة ولعله لا ينفق فيه مالاً ولكن سماعه هو شراؤه ، وقال الضحاك { لهو الحديث } الشرك ، وقال مجاهد أيضاً { لِهو الحديث } الطبل وهذا ضرب من الغناء .
قال الفقيه الإمام القاضي : والذي يترجح أن الآية نزلت في لهو الحديث منضاف إلى كفر فلذلك اشتدت ألفاظ الآية بقوله : { ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً } ، والتوعد بالعذاب المهين ، وأما لفظة الشراء فمحتملة للحقيقة والمجاز على ما بينا ، و { لهو الحديث } كل ما يلهي من غناء وخنى ونحوه ، والآية باقية المعنى في أمة محمد ولكن ليس ليضلوا عن سبيل الله بكفر ولا يتخذوا الآيات هزواً ولا عليهم هذا الوعيد ، بل ليعطل عبادة ويقطع زماناً بمكروه ، وليكون من جملة العصاة والنفوس الناقصة تروم تتميم ذلك النقص بالأحاديث وقد جعلوا الحديث من القربى ، وقيل لبعضهم أتمل الحديث ؟ قال : إنما يمل العتيق .
قال الفقيه الإمام القاضي : يريد القديم المعاد ، لأن الحديث من الأحاديث فيه الطرافة التي تمنع من الملل ، وقرأ نافع وعاصم والحسن وجماعة «ليُضل » بضم الياء .
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتحها ، وفي حرف أبيّ «ليضل الناس عن سبيل الله » ، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «ويتخذَها » بالنصب عطفاً على { ليضل } ، وقرأ الباقون «ويتخذُها » بالرفع عطفاً على { يشتري }{[9349]} ، والضمير في { يتخذها } يحتمل أن يعود على { الكتاب } المذكور أولاً ويحتمل أن يعود على السبيل ، ويحتمل أن يعود على الأحاديث لأن الحديث اسم جنس بمعنى الأحاديث ، وكذلك { سبيل الله } اسم جنس ولكن وجه من الحديث وجه يليق به من السبيل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.