ولما ذكر من صفات القرآن الحكمة ، وأنه هدى ورحمة ، وأن متبعه فائز ، ذكر حال من يطلب من بدل الحكمة باللهو ، وذكر مبالغته في ارتكابه حتى جعله مشترياً له وباذلاً فيه رأس عقله ، وذكر علته وأنها الإضلال عن طريق الله .
ونزلت هذه الآية في النضر بن الحارث ، كان يتجر إلى فارس ، ويشتري كتب الأعاجم ، فيحدث قريشاً بحديث رستم واسفندار ويقول : أنا أحسن حديثاً .
وقيل : في ابن خطل ، اشترى جارية تغني بالسب ، وبهذا فسر { لهو الحديث } : المعازف والغناء .
وفي الحديث من رواية أبي أمامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « شراء المغنيات وبيعهم حرام » ، وقرأ هذه الآية .
وقال الضحاك : { لهو الحديث } : الشرك .
وقال مجاهد ، وابن جريج : الطبل ، وهذا ضرب من آلة الغناء .
وقيل : ما كان يشتغل به أهل الجاهلية من السباب .
وقال أيضاً : ما شغلك عن عبادة الله ، وذكره من السحر والأضاحيك والخرافات والغناء .
وقال سهل : الجدال في الدين والخوض في الباطل ، والظاهر أن الشراء هنا مجاز عن اختيار الشيء ، وصرف عقله بكليته إليه .
فإن أريد به ما يقع عليه الشراء ، كالجواري المغنيات عند من لا يرى ذلك ، وككتب الأعاجم التي اشتراها النضر ؛ فالشراء حقيقة ويكون على حذف ، أي من يشتري ذات لهو الحديث .
وإضافة لهو إلى الحديث هي لمعنى من ، لأن اللهو قد يكون من حديث ، فهو كباب ساج ، والمراد بالحديث : الحديث المنكر .
وقال الزمخشري : ويجوز أن تكون الإضافة بمعنى من التبعيضية ، كأنه قال : ومن الناس من يشتري بعض الحديث الذي هو اللهو منه . انتهى .
وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : { ليضل } بفتح الياء ، وباقي السبعة : بضمها .
قال الزمخشري : فإن قلت : القراءة بالرفع بينة ، لأن النضر كان غرضه باشتراء اللهو أن يصد الناس عن الدخول في الإسلام واستماع القرآن ويضلهم عنه ، فما معنى القراءة بالفتح ؟ قلت : معنيان ، أحدهما : ليثبت على ضلاله الذي كان عليه ، ولا يصدق عنه ، ويزيد فيه ويمده بأن المخذول كان شديد الشكيمة في عداوة الدين وصد الناس عنه .
والثاني : أن يوضع ليضل موضع ليضل من قبل أن من أضل كان ضالاً لا محالة ، فدل بالرديف على المردوف .
فإن قلت : قوله بغير علم ما معناه ؟ قلت : لما جعله مشترياً لهو الحديث بالقرآن قال : يشتري بغير علم بالتجارة وبغير بصيرة بها ، حيث يستبدل الضلال بالهدى والباطل بالحق ، ونحوه قوله تعالى : { فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين } أي وما كانوا مهتدين للتجارة وبصراء بها . انتهى .
و { سبيل الله } : الإسلام أو القرآن ، قولان .
قال ابن عطية : والذي يترجح أن الآية نزلت في لهو الحديث مضافاً إلى الكفر ، فلذلك اشتدت ألفاظ الآية بقوله : { ليضل } إلى آخره .
وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص : { ويتخذها } ، بالنصب عطفاً على { ليضل } ، تشريكاً في الصلة ؛ وباقي السبعة : بالرفع ، عطفاً على { يشتري } ، تشريكاً في الصلة .
والظاهر عود ضمير { ويتخذها } على السبيل ، كقوله : { ويبغونها عوجاً } قيل : ويحتمل أن يعود على { آيات الكتاب } .
وقال تعالى : { ولا تتخذوا آيات الله هزواً } قيل : ويحتمل أن يعود على الأحاديث ، لأن الحديث اسم جنس بمعنى الأحاديث .
وقال صاحب التحرير : ويظهر لي أنه أراد بلهو الحديث : ما كانوا يظهرونه من الأحاديث في تقوية دينهم ، والأمر بالدوام عليه ، وتفسير صفة الرسول ، وأن التوراة تدل على أنه من ولد إسحاق ، يقصدون صد أتباعهم عن الإيمان ، وأطلق اسم الشراء لكونهم يأخذون على ذلك الرشا والجعائل من ملوكهم ، ويؤيده { ليضل عن سبيل الله } : أي دينه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.